11-سبتمبر-2018

أثارت قضية تحول "لينا" إلى "ريان" جدلًا كبيرًا في المجتمع التونسي (صورة تقريبية/getty)

خانة "الجنس الثالث" هي خانة يتموقع بها أشخاص بين الإناث والذكور لقّبوا بالمتحوّلين جنسيًّا. أشخاص يعيشون في أجساد لا تمثّلهم ويعاني أغلبهم من مشاكل في الهويّة الجنسيّة. ولطالما أثار هذا المبحث الجدل في ميادين الطب والفقه والقانون مع التباين في استعمال المصطلحات وضبطها وتحديد مضامينها.

أثار قرار محكمة تونسية بقبول مبدأ تغيير الجنس لأول مرة في تاريخ القضاء التونسي عاصفة من الجدل في موضوع لطالما مثل مادة بحثية في ميادين الطب والفقه والقانون

ولئن كان موقف القضاء التونسي حاسمًا في ما يخص مسألة تغيير الجنس، إلا أنه تم مؤخرًا، ولأوّل مرّة في تاريخ القضاء، إصدار حكم بتغيير جنس امرأة واعتبارها من جنس الذكور عوضًا عن جنس الإناث مع تغيير اسمها والإذن لضابط الحالة المدنية بالتنصيص على ذلك برسم الولادة. ‎

وتتعلق القصة بالفتاة لينا (ريان حاليًا) التي تعاني من اضطراب الهوية الجنسية مند صغرها وازدادت المعاناة في فترة البلوغ حيث أقدمت عديد المرات على الانتحار لعدم تقبلها أنها أنثى. لينا زاولت دراستها الجامعية بألمانيا، وأجرت هناك عملية جراحية لاستئصال ثدييها ورحمها بعد أن نجحت في الحصول على إذن، وتم قبولها مؤخرًا في تونس من جنس الذكور في مصالح الحالة المدنية بعد أن تقدمت بدعوى قضائية منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2017. ‎

هذا الحكم فتح باب التساؤلات في الشارع التونسي عن مبدإ قبول تغيير الجنس.

اقرأ/ي أيضًا: خوخة.. صديقتي التي تلبس مثل الناس كي تتنكر

اضطراب الهوية الجنسية.. صراع الفرد مع المجتمع

في هذا السياق، يقول الباحث في علم الاجتماع معاذ بن نصير أن مسألة المتحولين جنسيًا تعتبر من المسائل الموجودة والمطروحة في جميع الدول وخاصة الغربية وبالأخص ألمانيا كأكثر الدول التي تشهد عمليات المتحولين جنسيًا.

ويشير بن نصير إلى أن هذه الظاهرة تبقى من المواضيع المسكوت عنها داخل البلدان العربية، قائلًا إن "التطرق إليها فقط قد يجعل المرء "محل تهمة وشبهة اجتماعية" فالبيئة الاجتماعية المحافظة والمتشبثة بالهوية العربية الإسلامية قد تصل إلى حد السخط والنفور ممن يرغبون أو قاموا بالتحول جنسيًا".

ويذكر أن الموضوع قد طرح مؤخرًا بتونس والتي ليست بمعزل عن الرقعة الإنثربولوجية والإقليمية على مستوى معالجة التونسيين ومستوى تقبلهم للأمر ككل، وهي حالة اعتباطية تمس المجتمعات التي مرت بثورات، فيُلاحظ دخول مفاهيم مجتمعية جديدة وكذلك لخبطة على مستوى القيم والمعايير.

 الباحث في علم الاجتماع معاذ بن نصير: الوعي الجمعي في مجتمعاتنا لا يقبل مسألة المتحولين جنسيًا والمتحول يجد نفسه بمعزل عن محيطه الأسري الضيق

ويتابع محدثنا قائلًا "رغم نسب التحضر المجتمعي وانفتاحنا على الثقافات الأخرى إلا أن الوعي الجمعي لا ولن يقبل مسألة المتحولين جنسيًا، بل سيجد المتحول نفسه بمعزل عن محيطه الأسري الضيق كالأب والأم والإخوة، فيعتبرونه قد "جلب العار" بالمنطق الشعبوي العامي، لذا سيلقون به خارج أسوار المنزل وتقطع علاقاته الأسرية بهم. ففي المجتمعات البدائية على مستوى العلاقات الاجتماعية قد تصل إلى حد قتل المتحول واعتباره "مخلوقًا شوّه نفسه" و هذا ما يتعارض مع الطبيعة البشرية على حد قولهم".

‎ويضيف الباحث في علم الاجتماع "حتى على المستوى العام والفضاء الأعم المجتمع ككل، لن يُقبل تعايش المتحول معهم، إلا فئة قليلة قد تقبل التواصل معه تحت غطاء الحرية باعتبار أن له الحرية كاملة تجاه جسده ونظرته لجسمه وأنه علينا قبول المتحول والنظر إلى روحه قبل جسده".  ويرى بن نصير أن المشكل الأساسي يكمن في مدى تقبل المتحول سواء كان في الأصل امرأة أو رجلًا لنظرة عائلته له، موضحًا أن نظرات الاشمئزاز والنفور قد تجعله ينطوي على نفسه ليصل إلى حد الانتحار كما هو الحال مع بعض ممن تحولوا جنسيًا في لبنان مثلًا.

ويضيف محاورنا أن "المتحول عليه أن يغيّر من علاقاته الاجتماعية وأصدقائه بعد العملية، فليس بالسهل أن تغيّر بنسبة 100 في المائة من علاقاتك وشخصيتك وميولاتك النفسية والاجتماعية بعد سنوات من تقمصك وعيشك ضمن جنس معين".

معاذ بن نصير لـ"الترا تونس": يحاول المتحولون جنسيًا التأقلم بالهجرة نحو أوروبا أين يجدون الأرضية المجتمعية للتعايش بسلام عادة

ويؤكد معاذ بن نصير أن العائلة التونسية لن تقبل أن يتزوج أحد أبنائها من متحول جنسيًا وتعتبر الأمر غير قابل للنقاش ففيه مساس "من حرمة العائلة ككل"، واعتراض على حكم الدين خاصة وأن المجتمع التونسي أغلبه من الديانة الإسلامية.

وفيما يتعلق بقدرة الزوج/ة المتحول/ة جنسيًا على إرساء عائلة متماسكة، يقول الباحث في علم الاجتماع إن المسألة جد معقدة خاصة داخل الفضاء الأسري من خلال تقسيم الأدوار اجتماعيا وجنسيًا، وكذلك مدى قدرته على تجاوز نظرة المجتمع الإقصائية له، ومدى تعايشه مع وظيفته الجنسية الجديدة، والأصعب كيفية طرح المسألة فيما بعد للأبناء. ويشير إلى أنه كمحاولة من المتحولين جنسيًا على التأقلم يهجرون نحو أوروبا أين يجدون الأرضية المجتمعية للتعايش بسلام وعدم إقصائهم.

اقرأ/ي أيضًا: المثليون في تونس.. هل تأتي المحكمة الدستورية بالجديد؟

ماذا يقول الطب الجنسي؟

تشرح المختصة في الطب الجنسي إيمان بالرحال عكاكزية مركّبات الهويّة الجنسية موضحة أنها تنقسم إلى الجنس البيولوجي الذي يحدّد حسب الأعضاء والأجهزة البيولوجية الخارجية والداخلية، الجينات الوراثية، الكروموسومات، الهورمونات، والأعضاء التناسلية الخارجية والداخلية"، والنوع الاجتماعي، وهو نظام اجتماعي يميّز بين الجنسين (الذكر والأنثى) بما يتعدى الفروق البيولوجية إلى فروق اجتماعية ويرمز هذا المصطلح إلى الطريقة التي يجب أن يتصرف الفرد بها بناء على هذا النظام كالصفات، المظهر الخارجي والأدوار الاجتماعية.

 المختصة في الطب الجنسي إيمان بالرحال عكاكزية: لكل فرد هوية جنسية مختلفة عن الآخر وتتعلق بتجربة الفرد دون التقّيد بهوية الشخص

أما الهويّة الجنسية فهي ترمز إلى كيفية تعريف الفرد لذاته من الناحية الجنسية، ولكل فرد هوية جنسية مختلفة عن الآخر، وتتعلق بتجربة الفرد دون التقّيد بهوية الشخص، وفق ذات المصدر.

ومن هنا، تعرّف إيمان بالرحّال اضطراب الهويّة الجنسيّة على أنه حالة طبية يولد بها الشخص، وليس مرضًا نفسيًا، يتميز بنزعة قوية ودائمة للتّماهي مع الجنس المغاير والشعور بضيق دائم وعدم رضا بسبب عدم وجود تطابق بين الجنس البيولوجي والهوية الجنسية مع غياب أي خلل عضوي، وليست مجرد رغبة بسبب وضع اجتماعي أفضل للجنس المغاير، على حدّ تعبيرها.

وتظهر أعراض هذا الاضطراب منذ سن الثالثة حيث يبدأ الطفل بفهم معاني الذكر والأنثى و يبدأ بالإقرار في الرغبة بأن يكون من الجنس المغاير وأن يعامل على هذا الأساس، ويكون المضطرب في الهويّة الجنسيّة على قناعة تامّة بانتمائه للجنس المغاير ويحمل مشاعره ويعتبر أنه مولود في الجسم الخطأ، ممّا ينتج عنه ضيق دائم بسبب الدور الاجتماعي المناقض وغير الموافق للجنس الذي يحمله، حسب محدثتنا.

إيمان بالراحل لـ"الترا تونس":  اضطراب الهويّة الجنسيّة هو حالة طبية يولد بها الشخص وليس مرضًا نفسيًا يتميز بنزعة قوية ودائمة للتّماهي مع الجنس المغاير

وتؤكد الإخصائية في الطب الجنسي أن هذه الأعراض تتفاقم مع سن المراهقة الذي تظهر فيه الأعراض الجنسيّة الثانوية، فتسعى الأنثى للتخلّص من مظاهر الأنوثة (الثديين ،الرحم،..). وفي المقابل يبحث الذكر على محو كل أثر للذكورة ابتداء من استعمال المكملات الهرمونية وصولًا إلى التخلص النهائي من الأعضاء التناسليّة.

وتشير إيمان بالرحال إلى أنه بالنظر إلى أن الممارسات تناقض ما يفرضه المجتمع فإن المعني يدخل في حالة من الاكتئاب الحاد يصل حد إلى الانتحار نظرًا لما يحس به من نبذ واحتقار. وتبيّن أن أسباب هذا الاضطراب إمّا متعلّقة بأسباب جينية أو خلل هرموني يرجّح تعرّض الجنين إلى نسب عالية من الأستروجين أو التستستيرون، أو يرتبط بكل ما هو نفسي اجتماعي متعلّق بعلاقة الطفل بوالديه وطبيعة البيئة التي ينشأ بها، فالممارسات الذكورية والمجتمعات التي تمنح الأفضلية للرجل تجعل الفتاة تنزع نحو التماهي مع الذكر.

وتضيف أنه في بعض المرات التي تعاني فيها الأم من حالات الاكتئاب الحادّة وتكون خلالها محاطة في أغلب الأوقات ويسعى الجميع لمساعدتها مما يجعل الذكر يعطي الأفضلية للأنثى ويتماهى مع هذا الجنس. أما السبب الأخير، ونسب حدوثه قليلة لا تتجاوز 2 في المائة، فيتعلق بالخلل العضوي.

إيمان بالرحال لـ"الترا تونس": هناك فرق بين اضطراب الهوية الجنسية والمثلية الجنسية والشذوذ الجنسي

وفي سياق متصل، تؤكد إيمان بالرحّال أن هناك فرقًا بين اضطراب الهويّة الجنسيّة والمثليّة الجنسيّة والشذوذ الجنسي موضحة أن المثلية الجنسية هو توجه جنسي وانجذاب عاطفي بين أشخاص من نفس الجنس. أما الشذوذ الجنسي فهو حالة الشعور الدائم والمتكرر بالإثارة الجنسية تجاه أشياء وحالات لا تكون جزءًا من المنبهات الجنسية العادية وتتضمن بشكل عام أشياء غير بشرية مثل المعاناة، أو إذلال النفس أو الشريك والأطفال أو أشخاص غير موافقين على ممارسة الجنس.

وسواء تعلّق الأمر باضطراب جنسي أو مثلية أو شذوذ، لا تزال هذه المواضيع خلافيّة داخل المجتمع التونسي ولا تزال هذه الفئات تطمح في الحصول على حقوقها أو على الأقل على حماية قانونية وتبحث عن التقبل من مجتمع طالب بالحرية والكرامة ولكنه لا يزال، في غالبه، يهين فئات تختلف عن السائد ويرفض الاعتراف بها تحت مسميات العادات والدين. الأمر الذي يجعل من مهمة البحث عن الذات لدى الأفراد الذين يعانون من اختلاف في هوياتهم الجنسية وغيرهم من الأقليات صعبًا ومحفوفًا بالمخاطر والمجهول وقد تقودهم في أحيان كثيرة إلى الانتحار أو على الأقل الهجرة إلى بلد يحترم اختلافهم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

جدل المثلية الجنسية متواصل في تونس

تحليل قانوني: العلاقات الجنسية في القانون التونسي