21-ديسمبر-2023
انتخابات

حتى القاعدة السياسية للرئيس سعيّد تبدو مهتمة أكثر بالانتخابات الرئاسية 2024 في تونس (صورة أرشيفية/ ياسين القايدي/ الأناضول)

مقال رأي

 

يفصلنا عن الانتخابات الرئاسية 2024 في تونس أقل من عام واحد، إذا تم عقدها في موعدها، كما تؤكد هيئة الانتخابات، فيجب أن يتم انتخاب رئيس جديد في هذا الوقت من السنة القادمة. لازلنا قد شهدنا الانتخابات المصرية التي لم تأت بمفاجأة تذكر، حيث فاز السيسي بعهدة جديدة بعد منع أجهزته المختلفة أي منافس جدي من مواجهته.

هل سيتخلى الرئيس قيس سعيّد عن ميزة الانتخابات التنافسية الحقيقية ويلجأ لانتخابات رئاسية صورية، أم سيتمسك بإجراء انتخابات حرة وتنافسية؟

قالت أول رئيسة حكومة تونسية منذ أكثر من سنة إنّ مصر "نموذج" لتونس. سيكون من المعيب أن تكون مصر السيسي نموذجًا في أي مضمار لتونس، حتى على المستوى الاقتصادي والاجتماعي تَبيّن بوضوح أن إنفاق الرئيس المصري المبالغ فيه على مشاريع ضخمة بلا مردودية اقتصادية مقابل ديون طائلة، خيار أخرق، يؤدي بأكبر دولة عربية إلى حالة انحدار كبرى يجعلها تحت رحمة متزايدة لدول الخليج والصناديق المالية.

ولا داعي للقول إن الرئيس قيس سعيّد لا يفترض أن يرى في رئيس لم ينتخب أي مرة في انتخابات حرة نزيهة وتنافسية نموذجًا له، وهو من الرؤساء العرب القلائل في التاريخ العربي المعاصر الذي تم انتخابه بشكل حرّ ومباشر وفي انتخابات تنافسية حقيقية سنة 2019. السؤال الآن هل سيتخلى الرئيس قيس سعيّد عن هذه الميزة ويلجأ لانتخابات رئاسية صورية، أم سيتمسك بإجراء انتخابات حرة وتنافسية؟

لا تشهد الحملة الانتخابية للانتخابات المحلية ديناميكية نشيطة، وليس من المتوقع أن تكون نسب المشاركة فيها أكبر من نسب مشاركة الانتخابات التشريعية

طبعًا لن يكون الحدث الانتخابي الأبرز بمعنى الديناميكية السياسية هو حدث "الانتخابات المحلية" رغم أهميتها في تركيز "النظام القاعدي" الذي يدافع عنه الرئيس منذ إعلان مشروعه السياسي بعد الثورة مباشرة، إذ لا تشهد الحملة الانتخابية ديناميكية نشيطة، وليس من المتوقع أن تكون نسب المشاركة فيها أكبر من نسب مشاركة الانتخابات التشريعية. حتى القاعدة السياسية للرئيس تبدو مهتمة أكثر بالانتخابات الرئاسية 2024 في تونس.

غير أنه ليس واضحًا بعد أنّ الزمن الانتخابي الرئاسي سيكون محفوفًا بسياق انفراج أم انغلاق. بعض المرشحين المحتملين الذين ربما يطرحون إمكانية المنافسة (وليس الانتصار ضرورة حسب استطلاعات الرأي المنشورة وغير المنشورة) هم/هن إما في السجن أو تحت التحقيق أو ربما مهددون بالتحقيق.

بعض المرشحين المحتملين الذين ربما يطرحون إمكانية المنافسة في الانتخابات الرئاسية 2024 في تونس، هم إما في السجن أو تحت التحقيق أو ربما مهددون بالتحقيق

عبير موسي مثلًا التي رشحت نفسها وتظهر في الاستطلاعات كثانية أو ثالثة، والمناصرة لنظام ما قبل الثورة، موقوفة في قضية هناك أسئلة حول مدى جديتها. أيضًا فاضل عبد الكافي الذي أبدى في وقت ما رغبته في الترشح يبدو معنيًا بالتحقيق في قضية عالقة. في المقابل الصافي سعيد الذي يبرز في الاستطلاعات في المرتبة الثانية أو الثالثة (في تنافس مع عبير موسي) لا يبدو ملاحقًا في قضية معروفة حتى الآن. هنا فإن الإفراج أو وقف تتبع أيّ من هؤلاء المرشحين سيساهم بلا شك في خلق مناخ تنافسي.

ونظر القضاء يوم 21 ديسمبر/ كانون الأول 2023 في "التمديد" في الإيقاف أو توجيه الاتهام أو السراح لعدد من السياسيين المعارضين في إحدى قضايا ما يعرف بـ"التآمر على أمن الدولة"، وانتهى إلى مزيد التمديد بأربعة أشهر أخرى رغم أن الرئيس قيس سعيّد طلب وضوحًا الحسم وأيضًا طلبت هيئة الدفاع حفظ الملف أو الإبقاء في حالة سراح في أقل الأحوال. مآل هذا الملف سيكون أحد المؤشرات أيضًا فيما إذا ستتميز "السنة الانتخابية" بحد أدنى من التنافسية، ليس لأن أيًا منهم يمكن أن يكون مرشحًا جديًّا بالضرورة، لكن لأنهم يمثلون أطرافًا وعائلات سياسية يمكن أن تساهم أيضًا في مزيد إذكاء تنافسية الانتخابات بالدعم والمناصرة.

مآل ملف "التآمر على أمن الدولة" سيكون أحد المؤشرات أيضًا فيما إذا كانت "السنة الانتخابية" للانتخابات الرئاسية 2024 في تونس، ستتميز بحد أدنى من التنافسية

في السياق نفسه، وفي خصوص وضع حرية التعبير فإن استمرار قضايا الملاحقة على الرأي خاصة في إطار المرسوم 54، أمر لا يساعد في إرساء أجواء جذابة لإطلاق جدل واسع حرّ حول تقييم العهدة الرئاسية للرئيس قيس سعيّد، إذ تزايدت القضايا التي تكيّف أي نقد للرئيس بوصفه "أمرًا موحشًا" ضده.

ليس هناك من شكّ أنّ من مصلحة الرئيس أن يسعى إلى تعزيز شرعيته الانتخابية التي تحصّل عليها في انتخابات 2019 عبر الانتخابات الجديدة. وهذا التعزيز، في حالة انتصر (وهو الاتجاه الظاهر في الاستطلاعات المنشورة وغير المنشورة)، يستوجب وجود أجواء تنافسية لا تقل عن تلك التي أوصلته إلى الرئاسة.

الدفع بالنظام السياسي نحو وضع تسلطي كامل سيكون مرتهنًا في نهاية الأمر باختبار مدى تنافسية الانتخابات الرئاسية 2024 في تونس

هناك تخوفات من السياق الإقليمي الملتهب والمخاطر المالية والاقتصادية والاجتماعية. لكن الخطر الحقيقي على الاستقرار السياسي لتونس، كما علّمنا التاريخ مرارًا، هو أن لا نترك للشعب التونسي خياره الحرّ في تقرير من يحكمه عبر صناديق الاقتراع. أي تشويش على هذا الخيار سيدفع البلاد عاجلًا أم آجلًا في اتجاه مسارات تقليدية عقيمة مرت بها سابقًا. 

لا يبدو الرئيس سعيّد راغبًا عادة في أن يتم تشبيهه لا ببورقيبة ولا ببن علي طبعًا. لكن هو من سيحدد صحة وحدود تلك المقارنات. الدفع بالنظام السياسي نحو وضع تسلطي كامل سيكون مرتهنًا في نهاية الأمر باختبار مدى تنافسية الانتخابات الرئاسية 2024 في تونس.

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"