09-أكتوبر-2018

أكثر من خمسة آلاف موظف في الوزارة يتمتعون بإجازات طويلة الأمد وفق الوزير (صورة أرشيفية/ ياسين القايدي/ الأناضول)

يعتبر ملف العطل المرضية طويلة الأمد من الملفات التي تخلق جدلًا كبيرًا خلال كل موسم دراسي بين وزارة التربية والمربين والطرف النقابي، فكلّما تحركت الوزارة في هذا المجال إلاّ ولقيت مواجهة ورفضًا من النقابات.

وقد كشف وزير التربية حاتم بن سالم خلال الشهر الماضي أنّ أكثر من خمسة آلاف موظف في الوزارة يتمتعون بإجازات طويلة الأمد، مؤكدًا أنّ الوزارة ستشدّد الرقابة أكثر ولن تمضي على أي رخصة مرضية تحوم حولها شبهات. وأشار بن سالم إلى أنّ الإجازات المرضية طويلة الأمد كلّفت ميزانية الدولة حوالي 47 مليون دينار، فيما بلغ عدد الأيام المهدورة بسبب رخص المرض طويلة الأمد أكثر من 700 ألف يوم عمل.

لسعد اليعقوبي لـ"الترا تونس": لوزارة التربية الحق في مراقبة الغيابات ولكن وفق القانون

اقرأ/ي أيضًا: إجراء جديد للحصول على عطلة مرض لموظفي التعليم.. كيف ردت النقابات؟

من جهتها، نشرت الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية في أفريل/ نيسان 2018 دراسة كشفت من خلالها عن وجود 27.900 يوم عطلة مرضية في وزارة التربية، أي ما يعادل 930 شهرًا من العمل خالص الأجر. كما أنّ أحد الأطباء قام بتسليم 1183 شهادة طبية أي ما يعادل 169 شهادة طبية شهريًا، ليبلغ بذلك مجموع الأجور المدفوعة بعنوان عطل المرض دون عمل 2.463 مليون دينار باحتساب الأجر الشهري للمعلمين والأساتذة بألف دينار.

وفي هذا السياق، أصدرت وزارة التربية مؤخرًا منشورًا يتعلّق بالعطل المرضية، تمّ توجيهه إلى كلّ المدرسين حول تسوية العطل المرضية وفرض إجراءات جديدة تتمثل بالأساس في وجوب إرفاق مطلب عطلة المرض والشهادات الطبية بنسخة من الوصفات الطبية تامة الدفع، لضمان حسن سير المنظومة التربوية والارتقاء بأدائها، وفق المنشور، وذلك لتكثيف الرقابة الإدارية والطبية التي تمارسها الإدارة على طالبي رخص المرض، وإجراء مراقبة آلية بالنسبة إلى العطل التي تساوي أو تفوق مدّتها الخمسة أيام.

ولكن لقي المنشور رفضًا كبيرًا من قبل عديد الهياكل النقابية على غرار الجامعة العامة للتعليم الثانوي التي قالت إنها لجأت للقضاء ورفعت قضية لدى المحكمة الإدارية ضدّ وزارة التربية. واعتبرت الجامعة أنّ المنشور مخالف للقانون معبّرة عن استهجانها الرابط بين هذا الإجراء وحسن سير المنظومة التربوية والارتقاء بأدائها.

وبيّنت أنّ هذا الربط "يكشف السعي المحموم لدى وزارة التربية لتحميل المربين مسؤولية فشلها في الارتقاء بالمنظومة التربوية وإصلاحها وإخراجها مما تردت إليه". كما دعت الجامعة في ذات البيان عموم المدرسين إلى عدم الالتزام به حماية لحقهم في عدم الكشف عن معطيات تخصهم دون سواهم.

وبيّن كاتب عام جامعة التعليم الثانوي لسعد اليعقوبي في تصريح لـ"الترا تونس" أنّ الجامعة ترفض هذا المنشور الذي يشكك أولًا في صدق الأطباء والتزاماتهم المهنية الأخلاقية، وفي نفس الوقت يكشف معطيات شخصية تتعلّق بالمدرسين، وهذا مخالف للقانون وتحديدا للفصل 41 من القانون عدد 112 للوظيفة العمومية.

حافظ الضيافي (قيّم) لـ"الترا تونس": متمسكون بضرورة سحب وزارة التربية للمنشور الأخير

وأضاف اليعقوبي أنّ للوزارة الحق في مراقبة الغيابات ولكن وفق القانون والتفاوض مع الأطراف المتدخلة لإيجاد صيغة لمراقبة أي تجاوزات إن وجدت.

نفس الموقف تبنّته الجامعة العامة للتعليم الأساسي والجامعة العامة للقيمين والقيمين العامين التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل. إذ طالبت الجامعة العامة للقيمين في بيان أصدرته الثلاثاء 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2018 وزارة التربية بسحب المنشور الذي يخالف الفصل 41 من القانون عدد 112 المتعلّق بضبط النظام الأساسي العام لأعوان الدولة والجماعات المحلّية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية. كما اعتبرت أنّ المنشور يعدّ انتهاكًا صريحًا للمعطيات الشخصية.

اقرأ/ي أيضًا: عمادة الأطباء: لا مجال لقائمة سوداء للأطباء الذين يسندون شهادات طبية مزورة

وينصّ الفصل 41 من القانون عدد 112 المؤرخ في 12 ديسمبر 1983 على أنّه "يمكن منح عطل المرض طويل الأمد لموظفي الدولة والجماعات العمومية المحلية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية، المباشرين أو في عطلة مرض عادي والمصابين بمرض من الأمراض التي تضبط قائمتها بأمر بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للوظيفة العمومية والإصلاح الإداري. ولا يمكن بأي حال من الأحوال منح هذه العطل إذا ما تبين أن هذه الأمراض ناتجة عن تناول المشروبات الكحولية أو عن استعمال المخدرات".

وتمنح هذه العطل من طرف رئيس الإدارة التي يرجع إليها الموظف بالنظر إما بطلب من المعني بالأمر وإما بمبادرة من الإدارة وذلك بناء على رأي بالموافقة من لجنة طبية يضبط تركيبها وتسييرها بأمر.

وقال حافظ الضيافي، وهو قيّم بإحدى المؤسسات التربوية، لـ"الترا تونس" إن القيمين على غرار الأساتذة والمعلّمين يرفضون هذا المنشور لأنّه حسب رأيه يكشف معطيات شخصية تتعلّق بالحالة المرضية لكلّ شخص، إضافة إلى أنّه أمر غير قانوني.

وبسؤالنا له عن الصيغة التي يراها أنسب لتفادي ظاهرة الغيابات التي تكلفّ الدولة خسائر مادية كبيرة، أجاب محدثنا أنّ "أي شخص يقدّم طلبًا لعطلة مرضية ويقدم شهادة طبية في الغرض فذلك كاف لمنحه عطلة دون الدخول في تفاصيل أكثر عن مرض كل شخص ودون التشكيك في مصداقية أي أحد". وأضاف الضيافي أنّهم متمسكون بسحب المنشور وإن لم يتم ذلك سيقع اللجوء إلى التحركات في الشارع.

وزير التربية: بلغ عدد الشهادات الطبية المقدمة للوزارة حوالي 6 آلاف شهادة أسندت 90 في المائة منها لأسباب نفسية وهي تكلف أموالًا مهدورة

يذكر أنّ وزير التربية أعلن في تصريح إعلامي في ماي/ أيار 2018 عن اعتزام وزارة التربية نشر قائمة سوداء في الأطباء المورطين في إسناد شهادات مرضية لغير مستحقيها، لاسيما وأن عدد الشهادات الطبية قد بلغ وفق الوزير حوالي 6 آلاف شهادة، أسندت 90 في المائة منها لأسباب نفسية. وأكد حاتم بن سالم أنّ ذلك يكلّف أموالًا مهدورة تصرف مقابل عدم تقديم أي نشاط مهني.

إلا أنّ ذلك القرار لقي أيضًا رفضًا كبيرًا، لكن الرفض كان حينها من النقابات الطبية لاسيما المجلس الوطني لعمادة الأطباء الذي اعتبر القرار غير قانوني ويندرج ضمن خانة التشهير بالمواطن.

وقد أكد المجلس أنّ التحقيق في تجاوزات الأطباء هو من صميم مشمولات العمادة كما أن إثبات القيام بهذه التجاوزات من عدمه يتم وجوبًا عبر السلطة القضائية أو مجلس عمادة الأطباء الذي يتولى البحث في الملفات المطروحةـ وإقرار الإجراءات التأديبية اللازمة في شأنها في حال ثبت حصول تجاوز للقانون المنظم لمهنة الطب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

العودة المدرسية: مدارس منهارة.. ووزارة التربية تخيّر الصمت

الإصلاح التربوي.. أولوية قصوى مؤجلة