19-يونيو-2018

أشرف عوادي يؤكد عزم منظمة "أنا يقظ" الطعن في قوانين لدى المحكمة الدستورية (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

ساءل "الترا تونس" رئيس منظمة "أنا يقظ" أشرف عوادي في الجزء الأول من الحوار عن حملة #قاطعوا_نسمة والمسؤولية المجتمعية للمؤسسات والتمويلات الأجنبية والعمومية و"الحرب على الفساد"، ليتناول معه في الجزء الثاني والأخير من الحوار أحد أهمّ أعمدة محاربة الفساد وهو القضاء، كما يخوض عوادي في تحدّيات عمل المراقبين العموميين وواقع "فساد الحجّ" ويتوقف عند دور اتحاد الشغل في القضاء على المحسوبية والإفلات من العقاب.

اقرأ/ي أيضًا: أشرف عوادي: سنعمّم تجربة مقاطعة "نسمة" والتوافق يخلق أرضية للفساد (حوار - 2/1)


  • كنّا قد توقّفنا في نهاية الجزء الأوّل عند عمل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، والتي تتولّى تسليم ملفات إلى القضاء، فكيف ترى أداء هذا الأخير؟

هناك ظاهرة كنّا ومازلنا نعاني منها في علاقة بالقضاء التونسي وهي طول الآجال، وأعتقد أن تبرير ذلك بكثرة الملفات أمر غير صائب. 7 سنوات مرّت على الثورة، فلو تمّ البتّ في 5 قضايا سنويًا لكان عندنا 35 قضية وهو عدد أكاد أجزم أنه كفيل بحلّ معضلة الفساد. لكن ما نراه اليوم أنه يتم تأجيل البتّ في القضايا التي تهمّ شخصيات بارزة على غرار ما بات يعرف بـ"قضية الجوسسة"، ولا يتم التتبّع القضائي للتحقيقات مادام فيها محسن مرزوق (وثائق بنما).

 

  • هل تعني أنّ القضاء في تونس بعد الثورة ليس مستقلاّ؟

بل هو لا يريد أن يستقلّ. للقضاء اليوم كل الضمانات ليكون مستقلًا خاصة أنه في السابق كان القضاة غير المرضي عنهم من النظام يعاقبون بالنقل التعسّفي. لكن هذا الإجراء تم وقف العمل به وأصبح المجلس الأعلى للقضاء هو الذي ينظر في هذه المسائل. منظمة "أنا يقظ" وعدد من فعاليات المجتمع المدني خاضت معركة كبيرة لتحقيق استقلالية القضاء، فهل يريد هو ذلك؟ للأسف، القضاء يريد دائما أن يغازل السلطة التنفيذية لأنها يمكن أن تعيّنه وزيرًا أو سفيرًا أو ترسله لأداء مناسك الحجّ على حساب رئاسة الجمهورية كما حدث مع رئيس محكمة التعقيب الهادي القديري.

أشرف عوادي: القاضي لا يريد أن يكون من المغضوب عليهم لذلك يجامل السلطة التنفيذية عبر تفادي البتّ السريع في بعض القضايا

كما يتقرب القاضي من السلطة طمعًا في تولّي منصب تنفيذي حيث نرى قضاة مديرين عامّين في وزارات ومؤسسات عمومية ومستشارين لدى رئاستي الحكومة والجمهورية. فالقاضي لا يريد أن يكون من المغضوب عليهم لذلك يجامل السلطة التنفيذية عبر تفادي البتّ السريع في بعض القضايا. وهناك أيضا مسألة نزاهة القضاة في حدّ ذاتها، فما نعرفه أن هناك رجال أعمال نافذين تجمعهم صداقات بقضاة على غرار شفيق الجراية وكمال اللطيف.

 

  • وبالنسبة للمحكمة الإدارية، كيف تقيّم أداءها؟

كلّ الهياكل التي ليس من صلاحياتها الزجر أداؤها جيد. على سبيل المثال، القطب القضائي المالي مردوده سيء بينما المحكمة الإدارية مردودها ممتاز. ما هو الفرق؟ الفرق أنّ الأوّل يحكم بالعقوبة السجنية والثانية لا. وقياسًا على ذلك، مردود المحاكم الابتدائية سيء، ومردود دائرة المحاسبات جيد. فالقضاة الذين لا يتعرّضون لضغط العقوبات السجنية يكون أداؤهم جيدًا. ولا ننسى أنّ سهام بن سدرين لم تطبّق قرارات المحكمة الإدارية، أمّا لو كانت قرارات صادرة عن محكمة ابتدائية لطبّقتها.

 

  • عدا عن الطمع في الامتيازات وظروف العمل السيئة، ما الذي يجعل القاضي فاسدًا؟

أعتقد أن الأخطر في تونس ليس الفساد المالي للقاضي وإنما رفضه أن يبتّ في قضية ما وينطق بحكم فيها، أي تأجيل القضايا وتسويف النطق بالأحكام خاصة في القضايا المتعلقة بشخصيات عامة. أمّا الأمر الثاني فهو المجاملة للسلطة التنفيذية. شخصيًا، لا أفهم كيف يؤدّي قاضي فريضة الحج على حساب رئاسة الجمهورية. كيف ينسى أنه يمثّل سلطة قائمة في حدّ ذاتها مثلها مثل السلطة التنفيذية؟

 

  • بما أنّك ذكرت الحج، أين المنظمة من شبهة الفساد المتعلقة بـ"منتزه قمرت"، خاصّة وأنّ الموضوع يتكرر كل عام دون بوادر حلّ؟

الحديث عن لوبيّات في تونس لم يأت من فراغ. كلّ لوبي يحرص أن يتموقع بشكل معين، والوسيلة الوحيدة لتفكيكه وضرب مصالحه هي القضاء. أنا كمجتمع مدني لا يمكنني لن أنصّب نفسي مكان الدولة وأضع المتورّطين في السجن، يمكنني مثلًا أن أدعو إلى المقاطعة، لكن العمل الفعلي يجب أن تقوم به مؤسسات الدولة.

أشرف عوادي: في تونس اليوم الزواج بين المال والسياسة زواج متعة لا نعرف بنوده فهي علاقة غير واضحة لكننا نرى بوضوح تجلياتها على كيفية تسيير دواليب الدولة عامة

من المؤكّد أنّه إذا لم يتمّ تسليط عقوبات نافذة على لوبيات الحج أو الصحة أو الدواء فإنّها ستتمادى. سابقًا في عهد بن علي كان هذا الأخير يحتكر لنفسه 40 في المائة من الاقتصاد التونسي، أي أنّه وجماعته كانوا يمثّلون مشغّل التونسيين ورئيسهم، لذلك رأينا أن الكثيرين لم يتحمّسوا للثورة على غرار كبار موظفي شركة النقل والبنوك لأنّهم لم يعرفوا مآل عملهم بعد ذهاب العائلة الحاكمة. فبن علي كان إذا يمثل السلطة الاقتصادية والسلطة السياسة مجتمعة. لكن بعد الثورة عدنا للوضع الطبيعي أين تكون السلطة السياسية لدى مجموعة والسلطة الاقتصادية لدى مجموعة أخرى. غير أنّه في أي ديمقراطية هناك نوع من الزواج العلني بين المجموعتين ويكون هناك أيضا قانون يحدد كيف يتم تمويل الحياة السياسية. أمّا في تونس اليوم الزواج بين المال والسياسة زواج متعة لا نعرف بنوده فهي علاقة غير واضحة لكننا نرى بوضوح تجلياتها على كيفية تسيير دواليب الدولة عامة.

 

  • في سياق حديثك عن الحجّ، ذكرت دعوة إلى المقاطعة فلو توضّح ما تعنيه بها؟

أقصد مقاطعة الحج. وهذه لن تكون المرة الأولى، فإيران في وقت ما قاطعته. والمغاربة اليوم يقاطعون عددًا كبيرًا من المنتوجات. حيثما كان هناك زيادة في الطّلب ارتفع السّعر.

 

  • لكنّنا هنا نتحدّث عن موضوع له حساسية دينية؟

وهنا تكمن صعوبة الأمر. في الواقع، صار المواطن ينظر إلى الفريضة الدينية بمنطق النخبوية، فمن كان ثريًا بإمكانه أن يحجّ ويكون مسلمًا مكتمل الأركان ومن كان فقيرًا يبقى دون إتمام أركان الإسلام ولا تغفر له ذنوبه.

12 ألف دينار مبلغ هائل حقًا. وفي هذا الصّدد، أنا لا أتحدث عن المنطلق الديني بل عن المحاباة. مسألة اختيار المرافقين مثلًا هي ملفّ فساد وكذلك دفع وتلقّي رشاوى من أجل إدراج أشخاص في قائمات الحجيج كلّ عام. هل يستقيم الحديث عن وازع ديني مع دفع رشوة؟ ملف الحجّ للأسف ورغم ما له من قداسة نتعامل معه كمنظمة باعتباره ملف فساد.

أشرف عوادي: كلما لاحظنا تبجّحًا بالفساد كلما وجدنا في آخر النفق نقابيًا ينتظر

عيب أن تردف كلمة الحج بفساد لكن هذا الواقع إذ يوجد فساد في الشركات العمومية، فاحتكار الدولة هذه "الخدمة" لنفسها يؤدّي إلى فساد في الإدارة سواء تعلّق الأمر بالحج أو استغلال النفط مثلًا. وهنا يجيء دور النقابات، فكلما لاحظنا تبجّحًا بالفساد كلما وجدنا في آخر النفق نقابيًا ينتظر.

 

  • لو تفسّر أكثر هذه النقطة، فكما تعلم هناك ما يشبه القداسة لدى البعض في علاقة بالنقابات؟

ولذلك تحديدًا نحن لا نؤمن بالقداسة. على اتحاد الشغل أن يتّخذ موقفًا واضحًا من الفساد. سبق لنا أن واجهناهم بذلك في الإعلام وأغضبهم قولنا. لا ننسى أنّ في مستشفى الحبيب بورقيبة بصفاقس تمثّل النقابة المسيطرة هناك الدّاء الفعليّ. لقد بلغ بها الفساد درجة تنظيم حفلات زفاف في المستشفى وحظيت بحماية الاتحاد والإفلات من العقاب. لا ننسى أيضًا أنّ المراقبين العموميين قد طردوا من قبل نقابة الوكالة العقارية للسكنى ممّا عطّل أداء مهمّتهم.

 

  • هناك تشكيات من المراقبين العموميين بأن تقاريرهم غير ذات جدوى، فما رأيك؟

نعم، هذا صحيح لأن القانون يجب أن يتغير. يجب تمكين المراقبين العموميين من الاستقلالية لأنّهم إلى اليوم يعملون بتكليف من رئاسة الحكومة بالتوجه إلى مؤسسة دون غيرها، أمّا نتائج تقاريرهم فهي غير متوفرة.

 

  • هل فكّرتم في المطالبة بها؟

نعم، فعلنا. ويعكف زملاؤنا في الجمعية الوطنية للمراقبين العموميين على العمل عليها. ونحن ندعمهم في هذه المبادرة لأنّ الطريق طويلة بالفعل. بن علي كان يستعمل المراقبين العموميين لتركيع المارقين باعتماد أسلوب "لا تريد أن تدفع للتجمع الدستوري نسلّط عليك مصلحة الضرائب" فإذا وجد أن الأمور المالية للشخص المعني شفافة ولا لبس عليها يحتفظ بالملفّ ليبتزّه به لاحقًا بشكل أو بآخر.

ونحن كمنظمة نشعر أنّه يتمّ توظيف عملنا سياسيًا بنفس هذا الأسلوب. فالمنظمة تشتغل على تحقيقات وترفع دعاوى قضايا لكنها تنسى، حتّى إذا ما صار الشخص المعني بالقضية غير مرضيّ عنه من طرف السلطة تقوم هذه الأخيرة بحلحلة الملف. هذا يجعلنا نشعر أنّنا لسنا في دولة قانون ومؤسسات بل في دولة "اعمل وانس"، فإذا تغيّرت الرياح السياسية سيتمّ إعادة فتح القضية والحسم فيها، أمّا إذا ظلّت الرياح مواتية فسيفلت المعنيّ بالأمر من العقاب. عملنا إذًا يتحوّل شيئًا فشيئًا إلى سلاح ضغط بيد السلطة السياسية يسلّطونه على من يشاءون، كما لو أنّا نقوم بتمكين السلطة من ملفّات تبتزّ بها أطرافًا متى احتاجتها. هناك ملفات تصلنا من قبل نوّاب مثلًا خاصة تلك المتعلّقة بجمعيات كرة القدم تثير الخوف لدى الجميع من التعامل معها بما فيها القضاء.

اقرأ/ي أيضًا: حوار في السياسة الاتصالية لـ"داعش" مع محمد المعمري مؤلف "في كلّ بيت داعشي"

 

  • هناك أصنام ربّما؟

ونعم، جمعيات الكرة، واتحاد الشغل، واتّحاد الأعراف جميعها أصنام. ونحن نتساءل حتى الآن في الحقيقة من أين يستمدّون جميعًا هذه القدسية؟

 

  • هم يقولون إنّها الشرعية النضالية؟

قديما ربّما يصحّ ذلك، لكن شرعية عبد السلام جراد الّذي تحصّل على مقاطع من النظام في منطقة قرطاج لا يمكن مقارنتها بشرعية فرحات حشاد. كذلك شرعية إسماعيل السحباني، وكلّ ما تورّط به، لا تقارن بالشرعية النضالية لمحمد علي الحامّي.

نحن مثلًا لا يمكننا القول إنّ "أنا يقظ" منظمة نزيهة دائمًا لأننا نجهل من سيتولّى مقاليد الجمعية بعد 10 سنوات. ولذلك نقوم بالمساءلة والمآخذة الداخلية كل يوم. إذًا، لا يمكن الحديث عن شرعية نضالية بوجود انزلاقات خطيرة. الاتحاد لا يخطئ ولكن الأفراد داخله يخطئون، وبالتالي هناك خياران اثنان: إمّا أن يتستّر الاتحاد على الأفراد وإمّا أن يقوم بتأديبهم داخليًا.

أشرف عوادي: الاتحاد العام التونسي للشغل ليس فوق المساءلة وهو أمام خيارين بخصوص النقابيين الفاسدين إمّا التستّر عليهم وإمّا تأديبهم داخليًا

فالاتحاد لا يجب أن يكون فوق المساءلة وهذا ينسحب على رجال الأعمال والمحامين. في كل عام تتوتر علاقتنا بأصدقائنا المحامين بسبب قانون المالية. لا يوجد أيّ منطق في أن يدفع أصحاب المهن الحرّة ضرائب أقلّ من غيرهم. طبعا يمكن إقرار إجراءات لمساعدة المحامين الشبان مثلًا لكن هناك محامين وشركات محاماة يجنون أرباحًا طائلة. علينا أن نعترف بأنّ محاربة الفساد في تونس مزعجة للكثيرين، بلدنا صغيرة وإن نحن مضينا في انتهاج أسلوب الانتقاء بسبب المجاملات والعلاقات الأسرية فلن نصلح الوضع أبدا.

 

  • في علاقة بالوزير السابق الغرسلي وهروبه المتواصل وإقالة وزير الداخلية مؤخّرًا بدعوى عجزه عن إيقافه، ما رأيك في هذه الأحداث؟ هل ترى أنّ هناك نوايا جدية في القبض عليه؟

أنا حقيقة أفضّل الحكم على الأفعال لا النوايا. كان من السّهل في البداية القبض على السيد ناجم الغرسلي لو كان هناك إرادة سياسية فعلية لأننا نعلم جميعا قدرات المنظومة الأمنية التونسية. لكن بعد الاختفاء يصعب العثور عليه لأنه يتمتّع بالتغطية والحماية من أطراف ذات خلفية أمنية.

في المرحلة الأولى، كان الغرسلي مطلوبًا للعدالة حسب الوثائق التي اطّلعنا عليها، ومع ذلك تقدّم بعد فترة وجيزة بطلب إجازة وقُبل طلبه. لا يمكنك إقناعي كقاضي أنك قمت بوظيفتك الإدارية فقط والحال أنّ السيد مفتش عنه. إن كنت تريد التنصل حسنًا، لكن أخلاقيًا آنت قاضي ولديك الضابطة العدلية فكيف تقنعني بأنك غير قادر على توقيف شخص مفتش عنه وتزيد فتمتّعه بإجازة؟ أعرف أنه قانونيًا، طالما لم يكن الرجل مدانًا فله أن يتحصل على إجازة، لكن المسألة أخلاقية هنا.

هناك نوع من التراخي في هذا الموضوع وهو من مسؤولية الدولة، ورئيس محكمة التعقيب ووزارة الداخلية معنيان بذلك، فلو كانت هذه الأخيرة ترغب في إيقافه منذ رفع الحصانة لأذنت على الأقل بتتبّع تحرّكاته.

اقرأ/ي أيضًا: الأمل الأخير للمحاسبة.. ماذا تعرف عن قضاء العدالة الانتقالية؟

 

  • كان هناك حديث مؤخّرا عن "فساد الدولة" في علاقة بالثروات الوطنية المستغلّة من طرف المستعمر السابق ومواصلة تمكين فرنسا من امتيازات داخل تونس، فما رأيكم بالخصوص؟

إذا تناولنا الموضوع من خلال قراءة الظرفية السياسية التاريخية له لتساءلنا عمّا إذا كان بالإمكان التنازل عن مجموعة من الثروات لتحقيق الاستقلال. ولا ننسى أنّه شئنا أم أبينا، قامت فرنسا بعد 1956 بمساعدة تونس على بناء الدولة الوطنية فكان المعلمون والأساتذة والأطباء يأتون من هناك للعمل في بلادنا. لكن اليوم، وبعد أكثر من 60 عاما لم يعد من المنطقي مواصلة تقديم هذه التنازلات والامتيازات.

ويبقى السؤال: هل هو فساد دولة أو فساد أفراد يسطّرون خيارات الدولة؟ مثلًا لو أنّ شخصًا ما دفع رشوة لوزير التعليم مقابل الحصول على مناقصة فهذا فساد للوزير في ذاته لكنّ توقيعه سيلزم الدولة. وهنا الإشكال. فالمسؤولية برأيي ليست للدولة لأنها تأتمن نفسها عند مجموعة من الأفراد الذين عيّناهم أو انتخبناهم، وانقلبوا علينا (يبتسم ساخرًا). هم الّذين يتّخذون القرارات وبالتالي هم من يجب مساءلتهم.

 

  • لكن في قضايا التعذيب مثلًا، الأفراد يمارسونه وتعدّ جرائم دولة؟

هذا صحيح لأن التعليمات تأتيهم من "الدولة"، ولكن في هذا الصّدد، نتحدث عن أشخاص في أعلى هرم السلطة يجب مساءلتهم ومحاسبتهم. والأسوء من هذا كله أنه لا يوجد لدينا قوانين زجرية. لنأخذ على سبيل الذكر لا الحصر السيد نعمان الفهري الذي كان وزيرًا لتكنولوجيا الاتصال والاقتصاد الرّقمي، ما إن غادر الوزارة حتّى التحق ببنك خاصّ على ملك مروان المبروك صاحب أكبر شركات الاتصال في تونس. أنا أقول أنّه ربّما يكون هناك تضارب مصالح: مكّن الوزير رجل الأعمال من صفقات فكافأه هذا الأخير بمنصب. قد أكون مخطئًا لكن باب التأويل مفتوح والقانون يغلق باب التأويل.

أشرف عوادي: بات مؤكّدا لدينا أنّ القوانين تقدم جيدة للبرلمان وتخرج منه جوفاء وهذا أمر طبيعي مادامت نسبة هامة من البرلمانيين محامين ونسبة أخرى رجال أعمال فكل طرف يدافع عن مصلحته

نحن نلحظ باستمرار اليوم التحاق مسؤولي البلاد بأكبر الشركات مباشرة إثر انتهاء مهامّهم الرسمية أي أنّ من كانوا بالأمس يفاوضون من الجانب الأيمن من الطاولة يلتحقون غدًا بالجانب المقابل وقد استفادوا بالاطّلاع على أسرار الدولة وبرامجها. القانون الحالي لا يمنع وزير داخلية مثلًا الذي شارك في وضع الاستراتيجيات الأمنية للدولة أن يلتحق بشركة أسلحة، وقد رأينا عددًا ممّن كانوا مسؤولين بوزارة الطاقة يوقعون عقودًا باسم الدولة التونسية يصبحون ملحقين لدى شركات خاصّة.

 

  • هل قمتم بالاشتغال على مقترحات في الجانب التشريعي المتعلق بتضارب المصالح؟

مشروع القانون المتعلق بتضارب المصالح يتمّ مناقشته حاليًا، وكنّا قد تقدّمنا بمقترحات وطلبات جلسات استماع فقوبلنا بالرّفض. هناك نية لتمرير قانون صوريّ مرة أخرى. بات مؤكّدًا لدينًا أنّ القوانين تقدم جيدة للبرلمان وتخرج منه جوفاء وهذا أمر طبيعي مادامت نسبة هامة من البرلمانيين محامين ونسبة أخرى رجال أعمال، فكل طرف سيحاول تحقيق مصالحه وحمايتها. ولا يوجد محكمة دستورية يمكن التظلّم أمامها.

 

  • هل هناك قوانين ستسقط بعد إرساء المحكمة الدستورية؟

أنا أؤكّد أنّه من جهتنا كمنظمة سنطعن في دستورية 10 قوانين على الأقلّ. الطبقة السياسية واعية بهذا الأمر ولذلك تحاول عرقلة إرساء المحكمة. نحن نشتغل أساسًا على النواب الّذين يتمتّعون بمصالح مادية على غرار محمد فريخة ولطفي علي والوزير مهدي بن غربية كونهم رجال أعمال بدرجة أولى. فالفساد يأتي جرّاء تقاطع العام والخاص.

أشرف عوادي: سنطعن في دستورية 10 قوانين على الأقل لدى المحكمة الدستورية و الطبقة السياسية واعية بهذا الأمر ولذلك تحاول عرقلة إرساء المحكمة

ووقد رأينا كيف تستفيد العائلات من صلات القرابة لتحقيق امتيازات مادية في تضارب مصالح واضح. فمثلًا، يكون أخ الوزير مهندسًا أو زوجته محامية، وهو أمر حدث مع الوزير رياض المؤخر والوزير السابق نور الدين البحيري. عندما كان هذا الأخير وزيرًا للعدل، تحصّلت زوجته المحامية على عدد خيالي من القضايا. واليوم، يتحصّل أخ المؤخّر بصفته مهندسًا على عقود خيالية وجميع البلديات تقريبا تتعامل معه. فمن الضروري إذًا وضع معايير واضحة، كما هو الشأن بالنسبة للأستاذ الذي يكون لديه ابن في صفّ البكالوريا فيمنع من المشاركة في الإصلاح، يجب اتخاذ إجراءات إضافية كإحداث لجنة مستقلة لدراسة الصفقات أو الانتدابات عندما يكون قريب الوزير معنيًا بها. إذا تواصل غياب هذا فإنّ الدولة تصبح غير عادلة، ويصبح بإمكان كلّ شخص أن يحتمي بقبيلة، فنرى من يحتمي بالحزب أو القطاع أو العرق، فإلى اليوم نرى نوّابًا يفلتون من المساءلة لأنّهم ينتمون إلى عرش قويّ.

 

  • لكن أليس من المفروض أنّنا تجاوزنا مسؤولية العروشية منذ عقود؟

المفروض كذلك لكنّ العكس هو الصحيح. شهدنا مؤخّرا نوّابا يتأسّفون على إقالة لطفي براهم لأنّه "ساحلي".  ومازال عندنا حتى اليوم نوّاب يحتمون بانتمائهم العرشي. فالعرش هو الذي يحمي إمّا لأن الدولة ضعيفة أو لأنّها جائرة، وفي تونس مازالت الدولة تمارس ازدواجية المعايير كما شهدنا في قرارات الهدم مثلًا.

 

  • باختصار كيف تصف الوضع الراهن للفساد في تونس؟

الفساد أصبح أمرًا واقعًا وصار كلّ شخص يريد من جهته استغلال المنظومة الفاسدة. في السابق، كان هناك أشخاص يحاربون الفساد لكنّهم عندما شعروا بأنه صار واقعًا أصبحوا يستغلّونه لمصالحهم الشخصية. وهذا يشمل المواطن نفسه، فقديمًا كان يطالب بقضاء نزيه ومنظومة حج شفافة مثلًا. لكنه اليوم صار يبحث عن "خيط" في القضاء و"واسطة" للحجّ. وهذا عائد بالأساس إلى أنّ المواطن يئس من مقولة الحرب على الفساد فبدأ يتعايش معه بما يخدم مصالحه. لا يمكن محاربة الفساد بثلاثة جمعيات فقط وعدد قليل جدًا من الصحفيين الاستقصائيين. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

يسرا فراوس: يجب تحرير الجسد بتونس وهذا موقفنا من أحكام الشريعة الخاصة بالنساء

اتحاد الشغل في تونس.. خلفيات النفوذ ورهان البقاء "فوق الجميع"