21-مايو-2022
 قصر قرطاج

لم يفتح باب الهيئة الجديدة للأحزاب ولا للشباب ولا لعدة منظمات فاعلة مدنيًا (أمين الأندلسي/الأناضول)

 

أخيرًا.. صدر المرسوم الرئاسي المتعلق بإحداث هيئة استشارية لتأسيس "الجمهورية الجديدة" في تونس في الرائد الرسمي (الجريدة الرسمية)، مساء الجمعة 20 ماي/أيار 2022، وهي التسمية التي أطلقها واختارها الرئيس التونسي قيس سعيّد لهذه الهيئة المنتظرة منذ فترة، وهي الهيئة المكلفة بـ"تقديم اقتراح مشروع دستور" ستوجهه لسعيّد وله القرار النهائي بشأن النسخة التي ستوجه إلى الاستفتاء يوم 25 جويلية/يوليو القادم.

تتكون هيئة تأسيس "الجمهورية الجديدة"، وفق المرسوم الرئاسي، من 3 لجان، لجنة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية وأخرى للشؤون القانونية وثالثة للحوار. ‏ويترأسها أستاذ القانون الصادق بلعيد وقد عينه سعيّد أيضًا وأطلق على وظيفته "الرئيس المنسق".

في تفصيل تركيبة الثلاث لجان، يمكن الاختصار كالتالي:

  • تتكون اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية من ممثلين عن اتحاد الشغل، منظمة الأعراف، اتحاد الفلاحة، اتحاد المرأة، ورابطة حقوق الإنسان ويترأسها عميد المحامين إبراهيم بودربالة ويتم تعيينهم بأمر رئاسي.
  •  ‫تتكون اللجنة الاستشارية القانونية من عمداء كليات الحقوق ويترأسها أكبرهم سنًا ويتم تعيينهم بأمر رئاسي وتتولى إعداد مشروع دستور سيقدم لسعيّد قبل منتصف شهر جوان/يونيو القادم.
  •  تتكون لجنة الحوار من أعضاء اللجنتين الاستشاريتين الاقتصادية والقانونية ويترأسها الصادق بلعيد وتتولى اللجنة التأليف بين المقترحات "بهدف تأسيس جمهورية جديدة".

 

  • تأكيد تهميش الأجسام الوسيطة

في قراءة أولى لتركيبة "هيئة تأسيس الجمهورية الجديدة" يظهر جليًا من جديد تهميش الرئيس سعيّد لمختلف الأجسام الوسيطة وهي رؤية غير جديدة، تدعمها هذه الهيئة، لكنها تجلت في مناسبات وقرارات عدة إبان 25 جويلية/يوليو 2021.

يتمظهر تهميش الأجسام الوسيطة من خلال إقصاء الأحزاب عن تركيبة هذه الهيئة وإسناد أدوار هامشية لممثلي أكبر المنظمات وتقليص دور المنظمة الشغيلة الفاعلة في المشهد التونسي إلى ممثل عنها ضمن لجنة من بين لجان ثلاث

يتمظهر تهميش الأجسام الوسيطة من خلال إقصاء الأحزاب عن تركيبة هذه الهيئة حتى الداعمة منها لقرارات سعيّد، إضافة إلى إسناد أدوار هامشية لممثلي أكبر المنظمات والنقابات التونسية ضمن تركيبة الهيئة وأيضًا ما كشفت عنه من تقليص لدور المنظمة الشغيلة القوية والفاعلة في المشهد التونسي اتحاد الشغل (كانت على رأس الرباعي الراعي للحوار الوطني سنتي 2013 - 2014 والذي توج بنوبل للسلام) وقد تم تقليص دورها إلى ممثل عنها ضمن لجنة من بين لجان ثلاث، وهو الدور الذي لا يبدو أن الاتحاد سيقبل به.

لم يصدر عن الاتحاد العام التونسي للشغل موقف رسمي حاسم بعد بخصوص المشاركة في هذه اللجنة من عدمها لكن نشرت تدوينات على صفحته الرسمية بفيسبوك توحي بتوجهه نحو رفض ما سماه "حوارًا مشروطًا وبمخرجات جاهزة"، وفقه.

لا يجهل سعيّد دور اتحاد الشغل في تاريخ تونس منذ تأسيسه وهو يعرف بالضرورة المكانة التي يضع الاتحاد نفسه فيها وما قدمه منذ 25 جويلية من مبادرات وحتى قبل ذلك التاريخ، وبالتالي لا يمكن تفسير "الدور" الذي قدم له في لجنة "الجمهورية الجديدة" إلا بكونه يحمل نية محاولة إعادة الاتحاد إلى حجم ودور أقل في المشهد السياسي التونسي، قد يذكر بمجال تحركه زمن حكم بن علي.

لا يمكن تفسير "الدور" الذي قدم لاتحاد الشغل في لجنة "الجمهورية الجديدة" إلا بكونه يحمل نية محاولة إعادة الاتحاد إلى حجم ودور أقل في المشهد السياسي التونسي

 

 

  • مداولات الهيئة غير علنية

إبان ثورة 2011، اعتاد التونسيون على البث المباشر لكل جلسات البرلمان ولجلسات عدة منظمات مستقلة إضافة إلى قوانين تدعم حق النفاذ إلى المعلومة وتوفر محاضر جلسات لجان البرلمان للاطلاع علنًا أو أيضًا محاضر جلسات مؤسسات أخرى.

واعتاد الرئيس التونسي قيس سعيّد الحديث في كلماته المطولة للشعب التونسي عن "الغرف المظلمة" التي يحوك فيها السياسيون، وفقه، الاتفاقات المضرة بالبلد.

أعضاء الهيئة محملون بواجب التحفظ وحفظ سر مداولات الهيئة مما يعني أن هذه اللجنة وعلى أهمية مخرجاتها وضرورة فهم مداولاتها قبل التصويت على الدستور ستكون مغلقة بعيدًا عن الكاميرات والمجتمع المدني

لكن اللافت أن المرسوم الذي يحدث هيئة تأسيس "الجمهورية الجديدة" ينص على أن أعضاءها محملون بواجب التحفظ وحفظ سر مداولات الهيئة مما يعني أن هذه اللجنة وعلى أهمية مخرجاتها وضرورة فهم مداولاتها قبل التصويت على الدستور "الصادر عنها"، ستكون مغلقة بعيدًا عن كاميرات الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني وبالتالي عن عموم الشعب.

  • ماذا عن الاختصاص والتكوين؟

أثارت بعض التعيينات أو غياب أخرى عن تركيبة هيئة "الجمهورية الجديدة" تساؤلات واستياء لدى عديد المتابعين للمشهد السياسي في تونس.

يمكن ذكر تعيين عميد المحامين الحالي إبراهيم بودربالة كمثال، إذ تم تعيين الرجل رئيسًا للجنة الاقتصادية ضمن لجنة الجمهورية الجديدة وهو الذي لا خبرة اقتصادية تذكر له، وما زاد التعيين جدلًا هو تصريح بودربالة للإعلام المحلي إبان تعيينه قائلًا إن بإمكانه إدارة اللجنة وإيجاد الحلول الاقتصادية باعتباره "يعرف كيف يصرف أمواله وكيف يدخر"، مع العلم أن عمادة المحامين تعاني عجزًا في صندوق تقاعد المحامين مما اضطر العميد ذاته لطلب دعم من رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي في وقت سابق.

 

بودربالة

 

من اللافت أيضًا غياب ممثل عن الحكومة في هذه الهيئة وهي التي تتابع المفاوضات مع صندوق النقد الدولي حول ما سمي لسنوات "الإصلاحات الاقتصادية الكبرى" فكيف تغيب عن اللجنة الاستشارية الاقتصادية؟ إضافة إلى غياب مكونات مهمة في المشهد الاقتصادي التونسي كالبنك المركزي أو حضور منظمات كاتحاد المرأة ورابطة حقوق الإنسان في اللجنة الاقتصادية، بينما تغيب جمعيات فاعلة لسنوات بشكل لافت كالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وغيره من الجمعيات.

من اللافت غياب ممثل عن الحكومة في الهيئة الاقتصادية وهي التي تتابع المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وكذلك غياب ممثلين عن عديد الفاعلين الاقتصادييين والاجتماعيين البارزين

أما على مستوى اللجنة الاستشارية القانونية فقد اقتصرت تركيبتها، كما وردت بالمرسوم، على عدد من رجال القانون وهي التي ستكلف بمهمة كتابة دستور جديد لكنها تخلو من أي مختصين في مجالات أخرى/ يبدو حضور ممثلين عنها ضروري عند كتابة الدستور كاختصاصات علم الاجتماع والعلوم الاقتصادية وغير ذلك.

وقد ورد في المرسوم الرئاسي أن لجنة الحوار الوطني لها مهمة تأليفية بين المقترحات التي ستقدمها اللجنتين القانونية والاقتصادية وذلك "بهدف تأسيس جمهورية جديدة". وهو ما لفت الانتباه لغياب فلسفة الحوار الوطني خاصة كما عرفته تونس سابقًا إبان أزمة اغتيالين سياسيين سنة 2013 إذ كان شاملاً وموسعًا إلا لمن رفض المشاركة ولم يستند على مخرجات مسبقة.

 

 

  • أين الشباب؟

عندما كان يطرح موضوع الحوار الوطني على الرئيس قيس سعيّد طيلة السنتين الماضيتين، كمقترح من اتحاد الشغل أو عدد من الأحزاب، كان يجيب في كلماته للشعب أن الحوار الحقيقي هو حوار مع الشعب وخاصة الشباب.

ما أثار استغراب البعض أن اللجنة الاستشارية لتأسيس الجمهورية الجديدة لم تتضمن شبابًا بل إن معظم تركيبتها ممن هم في حدود الستين وتجاوز رئيسها عتبة الثمانين عامًا

وسبق أن صرح حتى كرد على مبادرة تقدم بها اتحاد الشغل أن الحوار سيكون مع الشباب، الرد الذي لم يرق حينها للمنظمة الشغيلة وقالت إن أخذ رأي الشباب مهم لكن على أن تشارك المكونات الفاعلة في المشهد التونسي والتي بيدها تغيير الأوضاع سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا. لكن ما أثار استغراب البعض أن اللجنة الاستشارية لتأسيس الجمهورية الجديدة لم تتضمن شبابًا بل إن معظم تركيبتها ممن هم في حدود الستين سنة وتجاوز رئيسها "الرئيس المنسق" الصادق بلعيد عتبة الثمانين عامًا.

  • كتابة دستور في 3 أسابيع أم أن الدستور جاهز؟

نص المرسوم الرئاسي أن تقدم اللجنة الاستشارية القانونية مقترحها لدستور جديد قبل أسبوع من تاريخ 20 جوان/يونيو القادم أي أن الفترة المخصصة لإعداد "الدستور" هي حوالي 3 أسابيع وهو ما يبدو غريبًا لبعض المختصين.

لكن العودة إلى معطى سبق أن أكد عليه الرئيس سعيّد في مناسبات عدة وهو أن الدستور سيكون وفق مخرجات "الاستشارة الإلكترونية"، والتي سبق أن أعلن سعيّد أنها تنص على توجه لنظام رئاسي وعلى الانتخاب على الأفراد في التشريعية، وأكد تمثيليتها رغم مشاركة حوالي 5٪؜ من الذين يخول لهم المشاركة فقط.

يعطي المرسوم المحدث للهيئة كلمة الحسم في النص القانوني الذي سيعرض على الاستفتاء للرئيس سعيّد وليس لمختلف اللجان المكونة للهيئة إلا أدوار استشارية لا غير

كما يتداول أن الدستور قد يكون جاهزًا من قبل سعيّد، وهو الذي سبق أن قدم مقترح دستور على المجلس الوطني التأسيسي إبان الثورة، كما أن المرسوم الذي أصدره يعطيه كلمة الحسم في النص القانوني الذي سيعرض على الاستفتاء وليس لمختلف اللجان المكونة إلا أدوار استشارية لا غير.

 

يطرح الكثيرون السؤال عن إمكانيات التعديل على تركيبة أو مهام هذه الهيئة بالنظر لحجم النقد على مستوى النخب التونسية أو عن تداعيات رفض طرف أو أكثر المشاركة كاتحاد الشغل، لكن المتابع لمسار وطريقة اختيار سعيّد لخطواته يعلم جيدًا أن لا تراجع في خطوات الرجل، الذي يتأنى كثيرًا قبل الإعلان عنها ولكنه لا يعبث بها تحت طائلة أي نقد أو تشكيك أو طوارىء على الخط. وتركيبة الهيئة خير دليل على ذلك إذ لا تتوقف أعمالها على "توفر نصاب قانوني" كما ورد في المرسوم، ودورها استشاري لا غير، متى غاب أحد مكوناتها فلن تتغير المعادلة بالمرة.

نسبة المشاركة ومدى مقاطعة الاستفتاء وغير ذلك من العناصر المحددة لنجاح استحقاق الاستفتاء من عدمه ليست من المسائل ذات الأهمية بالنسبة بسعيّد، الذي يواصل تنفيذ مشروعه بحذافره في ظل تشتت للمعارضة وضعف من الجميع على كسب الشارع

يمضي سعيّد نحو خطوة أخرى مما صار يعرف بـ"خارطة الطريق"، التي أعلن عنها في ديسمبر/كانون الأول 2021، ورغم ما يبدو من حرص من قبله على نجاح الاستفتاء في 25 جويلية/يوليو القادم، وقد أكده بنفسه مؤخرًا عند مقابلة رئيس هيئة الانتخابات الجديدة التي عيّنها، إلا أن نسبة المشاركة ومدى مقاطعة الاستفتاء شعبيًا وغير ذلك من العناصر المحددة في عديد الدول الديمقراطية لنجاح الاستحقاق الانتخابي من عدمه، ليست من المسائل ذات الأهمية بالنسبة بسعيّد، الذي يواصل تنفيذ مشروعه السياسي بحذافره في ظل تشتت للمعارضة وضعف من الجميع على كسب الشارع.