16-مايو-2022
انتخابات

تتعدد على أرض الواقع الإشكالات أمام الاستفتاء المنتظر (ياسين القايدي/الأناضول)

 

اقترحت الهيئة الجديدة للإشراف على الانتخابات والاستفتاء في تونس، يوم الجمعة 13 ماي/أيار 2022، ما أطلقت عليه "مشروع رزنامة" لمختلف مراحل إجراء استفتاء 25 جويلية/يوليو 2022، الذي سبق أن أعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد عن موعده نهاية السنة الماضية وجدد في مناسبات عدة مؤخرًا تمسكه بتاريخه، ومن المنتظر أن يكون الاستفتاء على دستور جديد للبلاد.

ويأتي مشروع الرزنامة المقترح وفق القانون الانتخابي الجاري به العمل حاليًا وسبق تنظيم انتخابات 2019 وفقه وكذلك معظم الاستحقاقات الانتخابية التي عرفتها تونس إبان الثورة، لكن الرئيس التونسي قيس سعيّد كان قد أكد توجهه لتنقيحه أو إصدار مرسوم انتخابي جديد لكنه لم يصدر إلى حد الآن، ويبدو أنه يتجه لإجراء الاستفتاء على الدستور الجديد وفق القانون السابق في انتظار تعديله لاحقًا.

مشروع رزنامة الاستفتاء المقترح سيكون وفق القانون الانتخابي السابق والذي سبق أن لاقى انتقادات من الرئيس ومن الأطراف المعارضة لتوجهات سعيّد حاليًا

وعرف القانون الانتخابي الجاري به العمل حاليًا انتقادات حتى من الأحزاب المعارضة لتوجهات سعيّد حاليًا، إذ اعتبرته سابقًا متسببًا رئيسيًا في حالة تشتت الأصوات والعجز عن تكوين تحالفات واضحة في البرلمان.

 

 

يذكر أن أعضاء هيئة الانتخابات الجديدة في تونس قد أدوا، الخميس 12 ماي/ أيار 2022 بقصر قرطاج، اليمين أمام الرئيس التونسي قيس سعيّد. ويشار إلى أن سعيّد كان قد أصدر، في 22 أفريل/نيسان 2022، مرسومًا طال هيئة الانتخابات ويقوم من خلاله، بنفسه، بتعيين كل أعضائها وله وحده إمكانية عزل أحد الأعضاء. وقد أثار ذلك جدلًا وانتقادات واسعة في تونس وخارجها.

وتعيش تونس على وقع أزمة سياسية حادة منذ استحواذ الرئيس التونسي، منذ 25 جويلية/يوليو الماضي، على السلطة التنفيذية بإقالته رئيس الحكومة حينها ثم حله البرلمان والانطلاق في الحكم بمراسيم في خطوة وصفها خصومه "بالانقلاب"، ويعتبرها "تصحيحًا للمسار"، وسط انتقادات داخلية وخارجية من التوجه لترسيخ حكم فردي.

ومن المنتظر أن تشرف لجنة يكوّنها سعيّد وتكون تحت إشرافه بصياغة دستور جديد لتونس، (لم يعلن عن تركيبتها بعد)، وسيتم طرح هذا الدستور فيما بعد للاستفتاء في 25 جويلية/يوليو القادم ثم إجراء انتخابات برلمانية في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2022.

وفق الرزنامة المقترحة فإن عملية تسجيل الناخبين تنطلق يوم 27 ماي الجاري وتغلق يوم 5 جوان 2022

ووفق الرزنامة المقترحة، والتي لم تلق بعد تفاعلًا علنيًا من الرئيس التونسي، فإن عملية تسجيل الناخبين تنطلق يوم 27 ماي/أيار الجاري وتغلق يوم 5 جوان/يونيو 2022، "وذلك إثر استيفاء إجراءات انتداب الأعوان وتكوينهم والاتفاق مع المزودين واستيفاء مجموعة من الاستعدادات التنظيمية واللوجستية في فترة أسبوعين"، وفق هيئة الانتخابات التي انطلقت فعلًا في إجراءات الانتداب.

بالإمكان إثر ذلك الاعتراض على القائمات الأولية للناخبين بتاريخ 12 جوان/يونيو القادم، ثم يعلن عن القائمات النهائية للناخبين بتاريخ 8 جويلية/يوليو 2022.

وتكون وفق الرزنامة المقترحة، أيام الاقتراع في الاستفتاء خارج تونس أيام 23 و24 و25 جويلية/يوليو القادم، ويوم الاقتراع بالداخل في التاريخ المعلن سابقًا أي 25 جويلية، أما تاريخ الإعلان عن النتائج النهائية المقترح فهو 28 أوت/أغسطس 2022.

 

مشروع رزنامة الاستفتاء

 

 

وفق الرزنامة المقترحة، أيام الاقتراع على الاستفتاء خارج تونس هي 23 و24 و25 جويلية القادم ويوم الاقتراع بالداخل في 25 جويلية

من ردود الفعل الأولى التي تلت إعلان الرزنامة المقترحة، كان بيان منظمة أنا يقظ (منظمة تونسية مختصة في مكافحة الفساد ودعم الشفافية والحوكمة الرشيدة وسبق لها أن راقبت الانتخابات التونسية في مناسبات سابقة)، بتاريخ السبت 14 ماي/أيار 2022، والذي ورد فيه أن الرئيس التونسي قيس سعيّد ليس جاهزًا للاستفتاء المزمع تنظيمه في 25 جويلية/يوليو 2022، وكذلك هيئة الانتخابات، وطالبت المنظمة سعيّد بإلغائه.

وعللت أنا يقظ موقفها "نظرًا للصعوبات التي ستنجر عن إجرائه سواء من الناحية التنظيمية أو من ناحية العواقب القانونية التي ستنجر عن عدم احترام إجراءات الصفقات العمومية وما تقتضيه من شفافية وتكافؤ للفرص، أو كذلك من الناحية السياسية إذ من غير المستبعد أن يتم الطعن في نتائج هذا الاستفتاء للخروقات التي ستشوبه وإقصاء عدد لا بأس به من المواطنين الناخبين"، وفقها.

ودعت، في ذات البيان، كلّ مكوّنات المجتمع المدني إلى "اتخاذ مواقف واضحة وحاسمة وتظافر الجهود للدعوة إلى مقاطعة الاستفتاء إذا لم يتم التراجع عنه، وإحباط كلّ مخطط يهدف إلى التغرير بإرادة المواطنين والالتفاف على المسار الديمقراطي والحريّة"، حسب تعبيرها.

أكدت هيئة الانتخابات صعوبة تجاوز عدد المسجلين الجدد سقف الـ70 ألفًا خلال فترة تسجيل بـ9 أيام فقط وهو ما سيقصي حوالي مليوني تونسي

وبخصوص مدى جاهزية هيئة الانتخابات لتنظيم الاستفتاء، ذكرت المنظمة أنها تابعت مداولات مجلس هيئة الانتخابات بتاريخ 13 ماي/أيار 2022، وأنها لاحظت صعوبة تسجيل الناخبين نظراً لضيق الوقت، إذ نقلت عن الإدارة التنفيذية لهيئة الانتخابات تأكيدها أنه لن يتجاوز عدد المسجلين الجدد سقف الـ70 ألفًا خلال فترة تسجيل الناخبين والتي ستمتد من 27 ماي/أيار إلى 5 جوان/يونيو 2022 (أي 9 أيام فقط)، وهو ما سيقصي حوالي مليونيْ تونسي من التسجيل حسب ما أكده رئيس الهيئة نفسه فاروق بوعسكر".

كما توقعت المنظمة "استحالة احترام الآجال القانونية بالنسبة للصفقات العمومية الكبرى، وخاصة فيما يتعلق بحملات التوعية، محذرة من "إمكانية لجوء الرئيس قيس سعيّد إلى سن إجراءات استثنائية منطبقة على الطلبات العمومية، مثلما تم إقراره في علاقة بتنظيم القمة الـ18 للفرنكوفونية، المقرر تنظيمها بجزيرة جربة في شهر نوفمبر 2022 إذ ينص القانون على إبرام الطلبات العمومية "بناء على اختيار المشتري العمومي إما عبر تنظيم استشارة بتقديم عروض فنية ومالية في أجل أقصاه 10 أيام أو عبر التفاوض المباشر مع مزود بعينه"، مؤكدة أن ذلك "من شأنه أن يضرب مبدأ المنافسة وتكافؤ الفرص ويفتح باب المحاباة والمحسوبية".

 

 

 

كما أشارت "أنا يقظ" إلى أن القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء ينص على أن "تخصّص منحة بعنوان مساعدة عمومية على تمويل حملة الاستفتاء لفائدة "الأحزاب النيابية" المشاركة في الاستفتاء توزّع بالتساوي بينها". وكما ينص الفصل 116 منه على أن تعمل الهيئة على ضمان المساواة في استعمال وسائل الدعاية بين "الأحزاب النيابية" المشاركة في الاستفتاء، متسائلة "كيف ستتعامل الهيئة مع هذه الوضعية في غياب البرلمان بعد حله من الرئيس وبالتالي غياب أحزاب نيابية؟".

أنا يقظ: "استحالة احترام الآجال القانونية بالنسبة للصفقات العمومية الكبرى، وخاصة فيما يتعلق بحملات التوعية إذا تم اعتماد رزنامة الاستفتاء المقترحة ما قد يضرب مبدأ المنافسة وتكافؤ الفرص ويفتح باب المحاباة والمحسوبية"

كما أشارت إلى أن قانون الانتخابات والاستفتاء الحالي ينص على وجوب دعوة الناخبين إلى الاستفتاء بأمر رئاسي يلحق به مشروع النص الذي سيعرض على الاستفتاء، وهو ما يستحيل تطبيقه، خاصة وأن الرئيس لم يعلن إلى اليوم عن تركيبة اللجنة التي ستتولّى إعداد النص الذي سيعرض على الاستفتاء.

وشددت على أن "ضيق الرزنامة الانتخابية يجعل الحيز الزمني الفاصل بين تاريخ إعلان انتداب الأعوان وتاريخ البدء في تكوينهم لا يتجاوز 9 أيام فقط، وهي آجال غير معقولة مقارنة بحجم المسؤوليات التي ستلقى على عاتق هؤلاء الأعوان، وهو ما من شأنه أن يفتح باب الانتداب على أساس الموالاة وانعدام الكفاءة والخبرة اللازمين على مصراعيه".

أنا يقظ: "ضيق الرزنامة يجعل الحيز الزمني الفاصل بين تاريخ إعلان انتداب الأعوان وتاريخ البدء في تكوينهم لا يتجاوز 9 أيام فقط وهو ما من شأنه أن يفتح باب الانتداب على أساس الموالاة وانعدام الكفاءة والخبرة اللازمين على مصراعيه"

لكن الأصوات المنتقدة لرزنامة الاستفتاء المقترحة صدرت حتى من داخل هيئة الانتخابات الجديدة، إذ دوّن العضو بالهيئة سامي بن سلامة، الاثنين 16 ماي/أيار الجاري، أن "فكرة إجراء استفتاء دون تدقيق مستقل في سجل الناخبين ودون تسجيل التونسيين الذين لم يتم تسجيلهم بعد، مع منح الوقت الكافي للعملية، غير مقبولة من الأساس.."، وفقه.

 

 

عضو هيئة الانتخابات سامي بن سلامة: "فكرة إجراء استفتاء دون تدقيق مستقل في سجل الناخبين ودون تسجيل التونسيين الذين لم يتم تسجيلهم بعد، مع منح الوقت الكافي للعملية، غير مقبولة من الأساس.."

في سياق متصل، نبّه الناشط السياسي وهبي جمعة إلى ما اعتبره "أمرًا خطيرًا" وهو أن "مشروع رزنامة الاستفتاء المقترح يعتبر أن أشغال  لجنة إعداد الدستور الجديد يمكن أن تتواصل إلى 30 جوان/يونيو القادم، كما أعلن الرئيس قيس سعيّد عن ذلك مسبقًا، لكن القانون الانتخابي ينص صراحة على ضرورة نشر مشروع النص الذي سيعرض على الاستفتاء قبل شهرين من موعد الاستفتاء عليه يعني كآخر أجل يوم 25 ماي/أيار الجاري"، مع العلم أنه لم يعلن عن تكوين هذه اللجنة بعد أو عن أسماء أعضائها أو مداولاتها.

 

 

ويذكر أن الفصل 101 من القانون الانتخابي ينص على أن "تتم دعوة الناخبين بأمر رئاسي في أجل أدناه ثلاثة أشهر قبل يوم الاقتراع بالنسبة إلى الانتخابات التشريعية والرئاسية، وفي أجل أدناه شهران بالنسبة إلى الاستفتاء". وينص الفصل 113 "تتم دعوة الناخبين إلى الاستفتاء بأمر رئاسي يلحق به مشروع النص الذي سيعرض على الاستفتاء. وينشر هذا الأمر وملحقه بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية".

لا يزال استفتاء 25 جويلية محاطًا بتعتيم وضبابية بالغة، وهو ما قد يؤثر سلبًا على مشروعيته ومقبوليته داخليًا وخارجيًا وفق عديد المختصين

تتعدد على أرض الواقع الإشكالات أمام استفتاء سعيّد المنتظر ومنها الزمن الانتخابي ذلك أن القانون الانتخابي الحالي يفترض أن تكون الفترة الانتخابية قد انطلقت بالفعل، كما لم يتم تحيين السجل الانتخابي ولم يعلن عن النص الذي سيستفتى التونسيون حوله بعد ليتم نقاشه وشرحه وتفكيكه من الصحفيين والباحثين والمختصين ولم يعلن عن تركيبة اللجنة التي ستعده أو عن موعد بدء أعمالها بشكل واضح عدا لقاءات في قصر قرطاج بين سعيّد وعدد قليل من أساتذة القانون الممتنعين معظمهم عن التصريح، بما يوضح الصورة العامة للاستفتاء، الذي لا يزال يحاط بتعتيم وضبابية بالغة، وهو ما قد يؤثر سلبًا على مشروعيته ومقبوليته داخليًا وخارجيًا وفق عديد المختصين والمتابعين للشأن التونسي.

ويؤكد بعضهم أن الاستفتاء القادم هو في الحقيقة تكريس لما صار يعرف بـ"مشروع الرئيس" أو "مشروع البناء القاعدي" وهو ما تؤكده شخصيات من حملة الرئيس الانتخابية سنة 2019 ومن الأصوات الداعمة له على منصات التواصل وفي الإعلام بينما تنفيه التدخلات القليلة لأساتذة القانون الذين يلتقيهم سعيّد مما يعمق واقع الضبابية في المشهد السياسي التونسي.

 

تونس