15-أبريل-2020

طبيب الفقراء وأحد وجوه الحركة الوطنية في مواجهة الاحتلال الفرنسي

الترا تونس - فريق التحرير

 

أعادت أزمة فيروس كورونا للواجهة أسماء أطباء خطوا اسمهم من ذهب في تاريخ تونس، ويعّدون اليوم شخصيات أيقونية بفضل إنجازاتهم وأدوارهم على المستويين الاجتماعي والسياسي، لتُخلّد ذكراهم على غرار الطبيبة توحيدة بالشيخ التي كانت توصف بـ"طبيبة الفقراء" وقد كرّمها البنك المركزي نهاية مارس/آذار 2020 بطرج ورقة نقدية جديدة فئة عشرة دنانير تحمل صورتها.

ومن بين الأطباء الذين خُلدت أسماءهم أيضًا عبد الرحمان مامي الذي يحمل مستشفى الأمراض الصدرية بأريانة اسمه، وهو المستشفى الذي تحوّل إلى مركز مخصّص لعلاج مرضى فيروس كورونا في تونس.

اقرأ/ي أيضًا: كيف استعدت أقسام الاستعجالي لتقبل المصابين بكورونا؟.. أطباء يجيبون

طبيب الفقراء

عبد الرحمان مامي هو طبيب وقيادي في الحزب الدستوري الحر ومن الشخصيات الناشطة ضد الاحتلال الفرنسي خاصة في فترة الأربعينيات والنصف الأول للخمسينيات. وهو من مواليد 1904 أصيل تستور ومن عائلة ذات أصول أندلسية، باشر خطة معاون صحّي بالمستشفى الصادقي بعد المرحلة الثانوية قبل أن يقرّر مواصلة دراسته للطب في فرنسا ليتحصل سنة 1935 على شهادة الدكتوراه ببحث بعنوان "دور الكوينكارين في علاج الملاريا".

عبد الرحمن مامي هو طبيب وقيادي في الحزب الدستوري الحر ومن الشخصيات الناشطة ضد الاحتلال الفرنسي خاصة في فترة الأربعينيات والنصف الأول للخمسينيات

عاد إلى تونس ليفتح عيادة ضمن قلة قليلة من الأطباء في تونس، وكان يُعرف بمداواته للمحتاجين والفقراء بدون مقابل في عيادته في باب سويقة فلُقب بـ"طبيب الفقراء". وكان قد وفر الإسعافات الأولية لمصابي أحداث 9 أفريل 1938.

تحصّل مامي على دكتوراه في الطب في فرنسا وعاد ليفتح عيادة في تونس

 

اختاره محمد الأمين باي في ماي/آيار كي يكون طبيبه الخاص، وعمل مامي عبر هذا القرب لدفع الباي لعدم الرضوخ لضغوط المقيم العام الفرنسي. واُختير الطبيب المقاوم لاحقًا من أعضاء "مجلس الأربعين" الذي شكّله الباي في أوت/أغسطس 1952 لدراسة مشاريع الإصلاحات المقترحة من المحتلّ الفرنسي. وكان ممن نشط لترفض اللجنة هذه الإصلاحات نهاية لخلوّها من مطالب الاستقلالية والسيادة الوطنية.

وقد اكتشف مامي محاولة لتسميم الباي في جوان/يونيو من نفس العام، وقد قام بنفسه بتقديم شكاية في مركز أمن حلق الوادي باسم الباي، في قضية أثارت الرأي العام. وقد عرض عليه الباي لاحقًا منصب وزير الصحة بعد سقوط حكومة صلاح الدين البكوش، ولكنه رفض العرض مشددًا أنه لن يقبل أي منصب حكومي قبل استقلال تونس.

اغتيال على يد عصابة اليد الحمراء

اندلعت وقتها المقاومة التونسية المسلحة، وتصاعدت حصيلة القمع الاستعماري ضد التونسيين مع استهداف القيادات الوطنية، إذ اغتالت منظمة اليد الحمراء التابعة للمخابرات الفرنسية الاستعمارية فرحات حشاد، مؤسس الاتحاد العام التونسي للشغل وأحد أبرز زعماء الحركة الوطنية، يوم 5 ديسمبر/كانون الأول 1952 في جهة رادس. كما ضرب رصاص الغدر الزعيم الهادي شاكر وهو أمين مال الحزب الحرّ الدستوري يوم 13 سبتمبر/أيلول 1953.

اقرأ/ي أيضًا: الجرائم الفرنسية ضدّ التونسيين والثأر غير المنسي

وكان الطبيب عبد الرحمان مامي، وقتها، في الصفوف الأولى المقاومة للاحتلال، ما دفع عصابة اليد الحمراء للانتقام منه واغتياله أيضًا بوابل من الرصاص في سيارته وأمام منزله في المرسى يوم 13 جويلية/يوليو 1954 ذلك في من آخر محاولات الفرنسيين لإرهاب القيادات الوطنية قبيل الدخول في مفاوضات الاستقلال الداخلي.

اغتالت عصابة "اليد الحمراء" الفرنسية عبد الرحمن مامي أمام منزله في المرسى

 

توفّي مامي متأثّرًا بجراحه في اليوم الموالي ليوارى الثرى في جنازة شعبية، وقد نعته قيادات عدة منها الحبيب بورقيبة إضافة للساسي الأسود، من قادة المقاومة المسلحة، ليُخلّد اسمه في تاريخ الحركة الوطنية جامعًا بين دوره كطبيب ساعد المحتاجين وقيادي سياسي نذر حياته من أجل قضية الاستقلال.

اغتالت عصابة "اليد الحمراء" الفرنسية عبد الرحمن مامي أمام منزله في المرسى يوم 13 جويلية/يوليو 1954 في واحدة من آخر محاولات الفرنسيين لإرهاب القيادات الوطنية قبيل الدخول في مفاوضات الاستقلال الداخلي

وتكريمًا له، دشنت الحكومة سنة 1960 مستشفى مختص في الأمراض الصدرية باسم عبد الرحمان مامي، وهو الاختصاص الذي عُرف بمهارته فيه، في حفل تحت إشراف رئيس الجمهورية وقتها الحبيب بورقيبة وبحضور شخصيات ديبلوماسية منها أمين عام الاتحاد الدولي ضد السل. كما تمت تسمية شارع في المرسى باسمه.

وبعد الثورة، قام الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، سنة 2013 بمناسبة الذكرى 57 للاستقلال، بمنح عبد الرحمان مامي وسام الاستقلال من الصنف الثاني رفقة آخرين من شهداء الحركة الوطنية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

التباعد الاجتماعي يعزّز الهجرة إلى الريف زمن الكورونا

من كليات الهندسة إلى المستشفيات.. خط إمداد بالمعدات لمواجهة كورونا