رأي

كفى تطبيعًا مع التفاهة والرداءة

3 يناير 2019
D.PNG
موجة رداءة تكتسح الإعلام التونسي
رحمة خميسي
رحمة خميسيصحفية من تونس

 

مقال رأي

 

تسربت التفاهة تقريبًا إلى جميع المجالات في تونس، فلا تستغرب إن وجدت الأخبار الأكثر تعليقًا على مواقع التواصل الاجتماعي تلك التي تطلق عناوين ومضامين من قبيل "خطيبة علاء الشابي تمحو صورهما من الانستغرام" أو "تخون زوجها مع عطار الحومة"" أو "أفعى تبتلع ضفدعًا حيّا".

لا تنمّ كل هذه الأخبار "التافهة" إلاّ عن افتقار بعض المواقع الإخبارية القدرة على صياغة محتوى يرتقي إلى المعايير المهنية ويحترم عقل الجمهور. ولكن الغريب في الأمر أن هذه الأخبار هي التي تحصد أكثر "جامات" وتعليقات، مما يعكس اهتمام مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي بهذه الفئة من الأخبار. ويبدو أن هذه المضامين أصبحت تؤسس لثقافة "التفاهة" التي تسعى إلى إلغاء المحتويات ذات القيمة الإخبارية والعلمية والتثقيفية.

نلاحظ في السنوات الأخيرة تزايد البرامج "التهريجية" أو ما يمكن تصنيفه في خانة "تلفزيون الزبالة" التي تقدم مضامين سمتها الوحيدة هي الرداءة 

ومما لا يحتمل الشك أن الوظيفة الحقيقية للإعلام هي الإخبار وتشكيل الرأي العام وتوجيهه نحو القضايا المصيرية والمهمة، علاوة عن دوره في عملية التثقيف والتوعية، إلاّ أن الإعلام التونسي لاسيّما الخاص منه فله وظيفة عكسية أخذت على عاتقها الحط من الذوق العام وتدمير وعي الجمهور من خلال اعتماد استراتيجيات التسطيح الفكري والتصحر الثقافي، وتبني خطاب "ركيك" و"تافه".

ونلاحظ في السنوات الأخيرة تزايد البرامج "التهريجية" أو ما يمكن تصنيفه في خانة "تلفزيون الزبالة" (Télé poubelle) التي تقدم مضامين سمتها الوحيدة هي الرداءة وذلك عن طريق عرض مشاهد تحتقر المرأة وتستهزأ بها لتخرجها في صورة المتسلقة اجتماعيًا، أو مشاهد سخرية من سكان الريف لعل أخرها "سكاتش" تم عرضه في برنامج تونسي يسخر من طريقة احتفال الفقراء برأس السنة، وذلك بالإضافة إلى التهكم على المثليين وغيرهم من الأقليات التونسية.

اقرأ/ي أيضًا: توماس فريدمان و"إعلام العار"!

ويساهم كلّ ذلك في خلق جيل يرفض الاختلاف ويضع المختلف عنه محل سخرية واستهزاء، فضلًا عن الرسائل الجنسية التي يقع تمريرها تحت غطاء ما يعتقدون أنه كوميديا، وهو لا يعدو أن يكون إلًا استبلاهًا لعقول المشاهدين والحطّ من الذوق العام.

ويكتفي القائمون على هذه البرامج، أمام هذه الانتقادات، بالقول إنّ "الجمهور عاوز كده" وأن الفيصل بينهم هو زرّ بالإمكان تغيير المحطة في أي وقت، وهو ما يجرنا إلى التساؤل "هل فعلًا الجمهور عاوز كده؟"، وهل هذا حقًا المضمون الذي يطمح المشاهد إلى تلقيه؟ وهل مثل هذه البرامج لها القدرة على التثقيف ونشر الوعي وتقديم محتوى يحترم العقل البشري؟

طبعا الإجابة بلا، فلا تبحث هذه البرامج على تقديم مادة ترتقي لمفهوم التثقيف والتوعية بقدر ما تبحث عن زيادة نسب المشاهدة وعدد المشاركات والإعجابات في اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي. وما ادعاء "الجمهور عاوز كده" إلاّ شماعة أراد القائمون على وسائل الإعلام تغطية فشلهم وسقوطهم الأخلاقي وفراغهم الفكري عليها.

وقد طالت موجة التفاهة أيضًا الأغنية التونسية، فصار أشباه المغنين يرددون كلمات وعبارات ركيكة لا يمكن أن ترتقي إلى مستوى الأغنية. فقد انتشرت، مؤخرًا، على اليوتيوب أغنية بعنوان "هي طيح وأنا نطلعها" لشخص يدعى هيكل علي أراد أن يقتحم عالم الغناء في وقت قياسي عن طريق الإثارة لكنه سقط في مطب الاستسهال والتفاهة وأغرق في الإسفاف. فبمجرد سماعك كلمات الأغنية ومشاهدة الفيديو تنتابك حالة من الغثيان ورغبة في استفراغ كمّ الرداءة والابتذال الذي قذفته الأغنية في أذنك.

لا تبحث البرامج الرديئة على تقديم مادة ترتقي لمفهوم التثقيف والتوعية بقدر ما تبحث عن زيادة نسب المشاهدة وعدد المشاركات مواقع التواصل الاجتماعي

ويبدو أن أشباه المغنين الجدد حادوا بالأغنية التونسية عن مسارها الصحيح إلى حد الاستهجان والابتذال. فنجد أيضًا مصطفى الدلاجي يطلق أغنية بعنوان "البطية" كناية عن المرأة الممتلئة، ولكن هذه الأغنية لا تحمل في طياتها إلا استهجانًا واحتقارًا للمرأة ولا تعبر إلاّ عن وضاعة المستوى الذي بلغه أشباه المغنين.

ولكن من الواضح أن أصحاب هذه الأغاني تناسوا أن لهثهم خلف الإثارة والتهام درجات سلّم الشهرة في وقت قياسي عجل بموتهم فنيًا وحكم على إنتاجاتهم بالفشل والاندثار.

ولم تسلم الأعمال التلفزية بدورها من اجتياح موجة التفاهة الرائجة في تونس، لاسيما الأعمال من نوع "السيت كوم". ولعلّ من تابع الأعمال الرمضانية الفارطة سيتفطن إلى حجم تفاهة الأعمال وغياب الحبكة القصصية وفن الكوميديا والضحك واقتصارهم على تجميع نكت "فيسبوك" وسردها بطريقة مبتذلة تنفر المشاهد منها. وممّا لا شك فيه أن هذه الأعمال تعكس استسهال القائمين عليها لفن الإضحاك ممّا أوقعهم في شباك الرداءة والتفاهة نظرا لفقدانهم روح الإبداع والخلق والتمييز.

لا يخفى على أحد أن أذرع التفاهة تمددت كالأخطبوط في تونس لكن الجدير بالسؤال الآن هو متى سنكف عن التطبيع مع التفاهة؟

أظن أنه حان الوقت لمحاربة الرداءة والتفاهة بكل أشكالها وتجلياتها والقضاء على الإسفاف والتتفيه والتسطيح كسلوك يروج له اليوم في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وذلك عبر مقاطعة المضامين التافهة والمبتذلة وإرساء مضامين جديدة توعوية وتثقيفية وذلك عبر إزاحة "التافهين" الذي يتصدرون المشهد الإعلامي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

في تونس.. التافهون أسياد الموقف

الرداءة.. "هي تطيح وأنا نطلّعها"

الكلمات المفتاحية

المحاكمة السياسية في تونس.. لسان الدفاع "جاهز" رغم الحصار

المحاكمة السياسية في تونس.. لسان الدفاع "جاهز" رغم الحصار

الملاحقات القضائية ضد المحامين لا يجب أن تنجح في عرقلتهم عن أداء مهامهم وإن كان التحدّي متصاعدًا في مناخ تعسّف وقهر


بورقيبة

بورقيبة.. المادّة!

يمكن القول إنّنا ورثنا من تلك الحقبة البورقيبية مدوّنة هامّة تُغري أيّ باحث للتوغّل فيها، وهو ما لم تُتحه حقبة زين العابدين بن عليّ


قافلة الصمود: لن نغادر ليبيا إلا بعد إطلاق سراح جميع المعتقلين والمفاوضات مستمرة حتى صباح الغد

قافلة الصمود.. شهادة على الحلم المحاصر

في وقت من الأوقات، تحوّلت قافلتنا التي خرجت لكسر الحصار، إلى قافلة محاصرة، وتمادى القمع لدرجة منع سيارة إسعاف من نقل مريض.


الأطبّاء الشّبّان والرّئيس المعارض

الأطبّاء الشّبّان والرّئيس المعارض

نحن، إذن، أمام دولة منقسمة، إذ يُهدّد شقّ منها ويُصعّد، فيتدخّل شقّ آخر، ممثّلاً في رأس السّلطة، منقذًا، أو هو الثّوب الّذي يريد الخروج به..

الأساتذة النواب وكالة الصور EPA محمد مسرّة.jpg
مجتمع

وزارة التربية تتعهد باستكمال إدماج الأساتذة والمعلمين النواب سنة 2026

أعلن وزير التربية نور الدين النوري، يوم الاثنين 14 جويلية 2025، عن انطلاق الوزارة في التحضير لإدماج الدفعة الثانية من الأساتذة والمعلمين النواب، وذلك بداية من سنة 2026، مؤكدًا أن الملفات المعنية ستخضع للدراسة خلال الفترة القادمة لضمان التحاقهم بالوظيفة العمومية بصفة رسمية

رد مدير مهرجان الحمامات على انتقادات طالت عرض الشاب مامي
منوعات

بعد دعوات لمقاطعة حفل الشاب مامي.. مدير مهرجان الحمامات يرد

أثار إعلان مشاركة الفنان الجزائري الشاب مامي، ضمن فعاليات مهرجان الحمامات الدولي لسنة 2025 موجة من الانتقادات وفي المقابل، دافعت إدارة المهرجان عن خيارها


انس جابر تتراجع في التصنيف العالمي
منوعات

أنس جابر تتراجع إلى المرتبة 71 عالميًا بعد انسحابها من ويمبلدون

شهد التصنيف العالمي الجديد لرابطة محترفات التنس (WTA)، الصادر يوم الاثنين 14 جويلية 2025، تراجعًا جديدًا للاعبة التونسية أنس جابر، التي خسرت 12 مركزًا لتتراجع إلى المرتبة 71 عالميًا

الرباعي الراعي للحوار الوطني في تونس يرشّح فرانشيسكا ألبانيزي لجائزة نوبل للسلام
سیاسة

الرباعي الراعي للحوار الوطني في تونس يرشّح فرانشيسكا ألبانيزي لجائزة نوبل للسلام

فرانشيسكا ألبانيزي هي محامية وخبيرة قانونية دولية إيطالية، تشغل منذ عام 2022 منصب المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة

الأكثر قراءة

1
مجتمع

جدل الالتحاق بالمعاهد النموذجية في تونس.. وزارة التربية تتفاعل


2
مجتمع

هيئات التعليم الأساسي بعدة ولايات: تواصل معاناة المعلمين من مماطلة وزارة التربية


3
سیاسة

إطلاق الشبكة العربية لاستقلال القضاء.. مشاركة تونسية في سياق محنة القضاء


4
مجتمع

كيف تمر بالجمارك في تونس؟ دليل للمغتربين والعائدين


5
مجتمع

تضّرر 550 هكتارًا من الحرائق في تونس إلى حدود 10 جويلية 2025