05-يناير-2023
 قيس سعيّد ونجلاء بودن

يبدو أن رئيسة الحكومة الحالية مدركة للضغوط عليها وعلى حكومتها ولفرضيات التغيير (مصدر الصورة: الرئاسة التونسية)

مقال رأي 

 

عند النظر في بيانات الرئاسة التونسية الأخيرة حول لقاءات جمعت الرئيس قيس سعيّد مع رئيسة حكومته أو عدد من مسؤولي "الوزارات الاقتصادية" خاصة، يلفت انتباهنا ما يشبه اللوم المبطن وإلقاء المسؤوليات وتكرار الدعوات للتحرك في ملفات بعينها أحيانًا.

يتضح أن غضب الشارع، خاصة الاجتماعي والاقتصادي، يصل سعيّد حتى لو لم يعبر عنه علانية وقد يتجه نحو تحميل أخطاء السنة والنصف الأخيرة إلى رئيسة الحكومة وعدد من وزرائها

يبدو أن غضب الشارع، خاصة الاجتماعي والاقتصادي، يصل الرئيس ويشغله حتى لو لم يعبر عنه علانية ورده قد يتجه نحو تحميل أخطاء السنة والنصف الأخيرة وما آلت إليه الأوضاع إبانها، خاصة اقتصاديًا واجتماعياً، إلى رئيسة الحكومة نجلاء بودن وعدد من الوزراء.

هكذا يبدو أن التوجه نحو تغيير الحكومة صار أقرب من أي وقت سابق بالنسبة للرئيس، لكن مجرد التفكير في الأسماء البديلة، وفق ما بدا من توجهاته وعلاقاته والمحيطين به، يؤكد أن المهمة/التوازنات ليست هيّنة.

يُتداول قرب سعيّد بشكل خاص من وزراء بعينهم في حكومة بودن وبعضهم سبق أن انخرط في حملته الانتخابية/التفسيرية خلال الانتخابات الرئاسية 2019، لكن التوازنات وتشعب العلاقات لاحقًا، لا ييسر مهمة سعيّد بل يعقدها.

كأقصى حد، رد فعل سعيّد حاليًا، إزاء تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ودعوات الإصلاح من مسانديه ومن عدد من المنظمات الوطنية، هو إمكانية تغيير الحكومة ولا يُتوقع ذلك قبل إتمام انتخابات الدور الثاني من تشريعية 2022، التي يبدي حرصًا شديدًا على إنجاحها، وفق ما يتضح من تصريحاته وخطواته إبان نسبة المشاركة الضعيفة جدًا في دورتها الأولى.

كأقصى حد، رد فعل سعيّد حاليًا، إزاء تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ودعوات الإصلاح من مسانديه ومن عدد من المنظمات الوطنية، هو إمكانية تغيير الحكومة ولا يُتوقع ذلك قبل إتمام انتخابات الدور الثاني من تشريعية 2022

ويبدو أيضًا أن رئيسة الحكومة الحالية مدركة للضغوط عليها وعلى حكومتها ولفرضيات التغيير، وفي هذا السياق، يمكن قراءة عدة محاولات وتحركات ومن ذلك لقاؤها الأخير مع رئيسي منظمتي الأعراف (الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية) والعمال (اتحاد الشغل) والذي بدا مفاجئًا للكثيرين بعد سلسلة من الاتهامات وجهها أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل لها ولحكومتها إضافة إلى تصعيد نقابي لافت ومتعدد الأوجه مؤخرًا.

وهذا اللقاء هو رسالة أيضًا لصندوق النقد الدولي، الذي تتواصل مباحثات حكومة بودن معه منذ تعيينها إلى الآن (منذ أكتوبر 2021) دون الوصول إلى اتفاق نهائي حول قرض بـ1,9 مليار دولار، يؤكد الفاعلون في المشهد الاقتصاد التونسي ومنهم محافظ البنك المركزي أنه ضرورة وستكون سنة 2023 صعبة جدًا على البلد دونه.

تتعدد المبادرات من المعارضة في تونس ومن المنظمات الوطنية، والتي بلغت حد التخمة، لكننا لا نزال أبعد ما يكون عن خيار الحوار والتفاعل مع هذه المبادرات على اختلافها

وفي مقابل جهود بودن، تتعدد المبادرات من المعارضة في تونس ومن المنظمات الوطنية، والتي بلغت حد التخمة إبان نسبة المشاركة في الدور الأول من الانتخابات التشريعية (يبدو أن ضعفها بعث أمالاً واسعة عند طيف واسع)، لكننا لا نزال أبعد ما يكون عن خيار الحوار والتفاعل مع هذه المبادرات على اختلافها من المعارضة المدنية أو السياسية، كما أن هذه المبادرات وعلى شاكلة من يطلقها تُحافظ على عنصرين يساهمان في إضعافها منذ إطلاقها: الغموض وفقدان عناصر التحكم وكذلك حفاظها على عنصر الإقصاء وغياب التجميع.

في الأثناء، تكتفي السلطة بالرد على المعارضة، على اختلافها، بإثقالها بقضايا وشكايات من كل حدب وصوب، ذات معنى أو دونه، لكنها ستؤدي لإرهاقهم في المحاكم لسنوات وتشويهم معنويًا حتى لو سقطت لاحقًا.

يتم إثقال المعارضة في تونس بقضايا وشكايات من كل حدب وصوب، ذات معنى أو دونه، لكنها ستؤدي لإرهاقهم في المحاكم لسنوات ولتشويهم معنويًا حتى لو سقطت لاحقًا

وهي كذلك تقوم بإثقال الإعلام والمجتمع المدني بهذه المتابعات اليومية المرهقة لقضايا المحاكم والتنديد بمحاكمات الرأي والتخوّف من تراجع هامش الحرية والنشاط الجمعياتي، بينما تٌترك مساحة الشارع والتظاهر مفتوحة، وهي محدودة ومشتتة، وقد تفيد كرسالة للخارج عن الانفتاح.

في ظل غياب أي مراجعات من معارضة الرئيس في تونس، خاصة من حكم منها لسنوات، وبعضها يواصل بذات الخطاب البعيد عن الواقع أحيانًا، يبدو أن الوضع الاقتصادي في البلد، وهو في ترد متواصل، وخاصة انعكاساته على حياة الناس، هو فرضية الضغط الوحيدة على السلطة حاليًا وهو ما يٌعمق من قتامة الوضع.

 

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"