13-نوفمبر-2018

ما كان في السابق يصنف على أنه تدن أصبح اليوم يعتبر إبداعًا لدى البعض (Getty)

لا يتفق الجميع في تونس حول مفهوم الذوق العام، بل أن هناك من يدافع عن فكرة أن لكل شخص قناعته ولا علاقة لذوق شخص بشخص آخر، لكن بعض علماء الاجتماع يؤكدون أنه كما للفرد شخصية فالشعوب لها شخصيتها وشخصية الشعوب هي المشكل الأول لما يسمى اليوم بالذوق العام.

الكاتبة نرمين الحوطي فسرت الذوق بـكونه "صفة تشمل العديد من الصفات التي يتمتع بها كل إنسان، فهو بؤرة الإنسان التي تنظم له أفعاله وتهذبها وترتقي به، بل هي المقياس التوازني ما بين الإنسان وتعامله مع الآخر، لذا نجد أن نسبة الذوق تختلف من شخص لآخر وفق ما يمتلكه من صفات، تلك هي عملية الذوق وما تحتويه من أسس إنسانية وعادات شخصية مما يترتب عليه أن الذوق العام ليس بصفة عامة بل هو في بداية الأمر صفة خاصة، فالذوق يعنى احترام الإنسان لمفهوم معين أو مبدإ ما، وأن تقوم تصرفاته ببالغ الاحترام والأدب تجاه نفسه وتجاه الناس، فالذوق ما هو إلا ثقافة ومعرفة وسلوكيات، وعندما يمتلك الإنسان ذلك الكم من الذوق تكون الحصيلة الذوق العام".

فؤاد الغربالي (باحث في علم الاجتماع) لـ"الترا تونس": لا وجود لذوق عام ولكن يمكن الحديث عن المفاهيم الإنسانية والفنية التي تطوّر المجتمعات

اقرأ/ي أيضًا: "الكرونيكور" في تونس.. من يقدم الإثارة أكثر؟

لكن بعض الباحثين في تونس يرون أن الذوق العام هو مفهوم أشمل من الأخلاق وهو ضمان الحد الأدنى من الناحية الفنية في كل عمل يقوم به شخص ويقتحم جميع التخصصات من الصورة إلى المعمار ويصل حتى إلى غلاف علب الشكلاطة لكن هذا المفهوم يعيش أزمة حقيقة منذ سنوات.

قبل سنوات، صعد أحد الشعراء التونسيين المعروفين على المسرح لإلقاء قصيدة، لم تلاق القصيدة إعجابًا كبيرًا من الجمهور حتى أن أحد أبياتها أصبح محل سخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، يقول الشاعر في هذه الأبيات "حبيبتي تسبح وفي فمها شوينقوم ...يا ليتني شوينقوم في فمها أسبح"، دافع الرجل بشراسة عن أبياته بل أنه وصل لحد وصف القصيدة بالإبداع، لكن أحد المدونين علق على الموضوع قائلًا "لقد انهار الذوق العام انهيارًا فظيعًا". في المقابل، يرفض الباحث في علم الاجتماع فؤاد الغربالي هذا المفهوم. ويؤكد الغربالي لـ"الترا تونس" أنه لا وجود لذوق عام ولكن يمكن الحديث عن المفاهيم الإنسانية والفنية التي تطوّر المجتمعات والتي يجب أن تخضع لها جميع القطاعات، وفقه.

من جهة أخرى، لا يتفق المصور الفوتوغرافي طارق الخطيب، وهو صاحب شركة إنتاج أيضًا، مع طرح الباحث فؤاد الغربالي، ويقول الخطيب في حديثه مع "الترا تونس" إنه مادام لكل شعب لهجة ودينًا وثقافة ونمط عيش معين إذًا فلكل شعب ذوق عام مسيطر. وعن أسباب انهيار الذوق العام في تونس، يبيّن محدثنا "نحن نعيش أزمة أخلاق في تونس بشهادة المتابعين والسياسين والخبراء. وما دمنا نعيش أزمة أخلاق إذًا فنحن نعيش انهيارًا للذوق العام، أول سبب لهذا الانهيار هو الأزمة الاقتصادية".

ويضيف "في الماضي كنت في منافسة مع عدد من المصورين الفوتوغرافيين واليوم أصبح عدد المنافسين كبيرًا جدًا، في الماضي كانت معادلة السعر/الجودة تعمل بشكل جيد بمعنى أنه يمكن أن تكون صاحب أقل سعر ولكنك لا تربح الصفقة، اليوم أصبح هناك عامل واحد محدد للعملية هو السعر، هذا الأمر يؤثر بشكل مباشر على جودة الصورة في تونس ويؤثر على القطاع بشكل عام وهو ما حدث فعلًا حتى أن الصورة الرديئة أصبحت روتينًا يوميًا نعيشه".

اقرأ/ي أيضًا: "أنا أسكر.. إذًا أنا موجود": من الدوام إلى الحانة

أيمن (مهندس معماري) لـ"الترا تونس": اليوم أصبح السعر هو المحدد الأول والوحيد ولهذا أصبح المهندسون يصممون مخططات بسيطة لأنهم يعلمون أن المخططات التي تحتوي على نفحة فنية وإبداعية لن تُباع

يُعتبر الاعتداء على الذوق العام تهمة يعاقب عليها القانون في بعض الدول العربية في ما يتعلق بالأخلاق العامة وسلوك الأفراد حتى أن بعض الأنظمة استغلت هذه التهمة لتلفيقها لمعارضيها. أسئلة كثيرة تطرح في هذا السياق على غرار من أين سيستمد المجتمع قواعد الذوق العام؟ وهل نستطيع رسم إطار للذوق العام؟

سؤال تصعب الإجابة عنه في ظل عملية التغير الاجتماعي المستمر، وفي ظل استفحال هوس التحرر والليبرالية وطغيان البراغماتية على أنماط الحياة. يقول أيمن، وهو مهندس معماري، في معرض حديثه لـ"الترا تونس" إن فن المعمار عنصر أساسي في بناء الشخصية الفنية للمجتمع، موضحًا "سابقًا كان المواطن يعطي أهمية لشكل البيت، تفاصيل الغرف، لون الطلاء، اليوم أصبح سعر المخططات هو المحدد الأول والوحيد ولهذا أصبح المهندسون يصممون مخططات بسيطة لأنهم يعلمون أن المخططات التي تحتوي على نفحة فنية وإبداعية لن تباع ولن يبالي بها أحد". 

وفي نفس السياق، يقول فؤاد الغربالي إن تعبير "انحدار الذوق العام" هو تعبير عن الانهيار الثقافي والانهيار الاقتصادي والانهيار القيمي، مضيفًا "أعتقد أن السبب الأول في هذه الأزمة هو غياب مشروع تربوي يبث قيمًا معينة مثل الحب، السلام، الجمال، التسامح، هذه القيم مهمة لأنها شيئًا فشيئًا تسيطر على تفاصيل الحياة ويمكن أن تنقذنا من هذه الأزمة".

هي ظاهرة لها علاقة بتعاقب الأجيال فما كان في السابق يصنف على أنه تدن أصبح اليوم يعتبر إبداعًا، حسب البعض، وما كان في السابق يعتبر إبداعًا أصبح اليوم يعتبر رجعيًا، ويبقى السؤال المطروح عن كيفية ابتكار طرق جديدة في المحافظة على الذوق العام وضمان حد أدنى من الذوق الرفيع داخل المجتمع دون السقوط في الرجعية ربما؟

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

لعبة "البلانات".. الإدمان الخفيّ من أجل الربح السريع

الـ"فريلانس".. وجهة جديدة لشباب تونس الباحث عن عمل