09-أبريل-2018

إكراهات أمام شعار "نقرأ لنعيش مرتين"

"نقرأ لنعيش مرّتين" هو شعار الدورة الرابعة والثلاثين لمعرض تونس الدولي للكتاب، وهو شعار فلسفي أخّاذ يحملك على جناح فراشة إلى ضاحية الكرم، حيث يُقام المعرض سنويًا في مثل هذا الزمن. لكن السؤال الذي نريد طرحه هو الآتي، هل المعرض وفيّ لشعاره الفلسفي؟

فهل يوفّر للمتلقين كتبًا رفيعة ومادة ثقافية وفكرية تجعلهم فعلًا يعيشون مرّتين فتتضاعف حياتهم عندما ينهلون من كتابات المؤلفين الذين يضعون تجاربهم العميقة والثرية في الصفحات التي يحبّرونها؟ وهل فعلاً تتضاعف حياتهم عندما يلتقون لقاءً مباشرًا وحيًا الكتّاب والمفكّرين والروائيين والشعراء في الندوات واللقاءات التي تقام ضمن البرنامج الثقافي للمعرض؟

هل يوفّر معرض الكتاب للمتلقين مادة ثقافية وفكرية تجعلهم فعلًا يعيشون مرّتين؟ 

اقرأ أيضًا: تدشين مدينة الثقافة، أما بعد؟

لا أعتقد، في تقديري، أن معرض تونس الدولي للكتاب وفيّ لشعاره لأنه ثمة إكراهات تواجه القائمين على إدارة هذه التظاهرة الثقافيّة، ولا يراد لها الحلحلة رغم الأصوات المنادية من هنا وهناك منذ سنوات بضرورة التغيير. ومن بين هذه الإكراهات واقع المطالعة في تونس، الذي يتطلب تشخيصًا غير مزيّف حتى نخلق أو نوفّر جمهورًا حقيقيًا للمعرض.

فحسب آخر إحصائيات وزارة الثقافة، فإن أكثر من ربع التونسيين قرؤوا كتابًا واحدًا في السنة، فيما تبلغ نسبة التونسيين الذي لم يقرؤوا إلّا كتابًا واحدًا في حياتهم نحو 23 في المائة، أما نسبة الذين قرؤوا أول كتاب لهم قبل سن التاسعة فهي 70 في المائة. وتدعونا هذه الأرقام المخيفة للتفكير الجدي حول واقع المطالعة في بلدنا في مستوى الهيكلة، والبرمجة، والتنشيط، والإمكانيات المرصودة، والتشبيك مع وزارات التربية، والتعليم العالي، والرياضة، والمرأة، وذلك بالإضافة للمجتمع المدني المختص في مجالات الكتاب والنشر وثقافة الطفل. ويدفعنا التساؤل في هذا السياق، هل الأرقام، والمؤشرات، والصور التي تنبثق عن كل دورة من دورات معرض الكتاب تمّ تحليلها بالشكل المطلوب حتى نستطيع التطور وبناء المستقبل؟  

منذ بعث المعرض سنة 1982 وهو تحت الوصاية المباشرة لوزارة الثقافة، ولم يخرج من عباءتها إلى حدّ هذه اللحظة وهو ما أثّر بشكل من الأشكال على صورة المعرض، وأدائه، ومنتوجه. وهو ما جعله غارقًا في البيروقراطية ومكبّلاً بإداريات الوزارة، وقد حان الوقت لمأسسة المعرض وجعله مستقلًا إداريًا وماليّا حتى يتسنّى للشخصيّة الثقافيّة التي تترأسه العمل بكل حرية وهدوء، وأن تضع الأسس الجمالية والفكرية والحضارية للدورة، وأن تجعل المتلقين يحلمون ويلتقطون هواجس الكتّاب وتخييلاتهم ونظرتهم للحياة والوجود والقيم الكونية التي يدافعون عنها.

حان الوقت لمأسسة معرض تونس للكتاب وجعله مستقلًا إداريًا وماليّا حتى يتسنّى للشخصيّة الثقافيّة التي تترأسه العمل بكل حرية وهدوء

من جانب آخر ومن بين الإكراهات الأخرى، نجد الهيمنة الواضحة للعارضين وهم في غالبيتهم من أصحاب المكتبات التجارية، والموزعين، والوسطاء، ومنظمي المعارض الصغيرة للكتب، وهؤلاء تتسع معهم مساحة المعرض من دورة إلى اخرى لكن هذا التوسّع الذي تباهي به وزارة الثقافة يكون على حساب دور النشر المرموقة سواء التونسية أو العربية أو العالمية، وكذلك على حساب الجودة. هؤلاء التجار لا تعنيهم سوى جيوبهم رغم تظاهرهم بالثقافة والفكر، ولذلك لا بد من مراجعة للقانون الأساسي لمعرض الكتاب حتى يتسنى الحدّ من لوبي العارضين من جهة، والمحافظة على قيم هذه التظاهرة المركزية للثقافة التونسية من جهة أخرى.

اقرأ/ي أيضًا: ضياع حقوق الكاتب التونسي.. مأزق للثقافة يبحث عن حل

في الأثناء، دائمًا ما يخلق البرنامج الثقافي الموازي الذي يرافق عرض الكتب وعملية بيعها جدلًا واسعًا بين المثقفين والكتّاب وحتى عامة الناس، وهو جدل عادة ما يكون غير بنّاء. فخلال الدورة الحالية، تم ربط الاحتفاء بالمرأة التونسية والذي جاء تحت عنوان شعري "نساء بلادي نساء ونصف"، وهو عنوان قصيد للشاعر التونسي محمد الصغيّر أولاد أحمد، بما عاشه المجتمع التونسي مؤخرًا من نقاش مطوّل وغير منته بخصوص المساواة في الإرث.

واعتبر البعض أن مدير الدورة شكري مبخوت يساند بهذا الاحتفاء الشق المؤيد للمساواة في الميراث، وحتى تصريحاته الإعلامية بهذا الخصوص والنافية لذلك لم تنأى بالمعرض من جدل أعمى بل حادت به عن همه الثقافي الصرف، وحملته عنوة لتخوم الحديث السياسوي.

 تم ربط الاحتفاء بالمرأة التونسية خلال الدورة الحالية بما عاشه المجتمع التونسي مؤخرًا من نقاش حول المساواة في الإرث وهو ما حمل المعرض لتخوم الحديث السياسوي

وفي نفس السياق، تمّت قراءة الاحتفاء بدولة الجزائر كضيفة شرف للدورة قراءة سياسية وليس قراءة ثقافية، وذلك باعتبار سابقية الاحتفاء بالجزائر كضيف ضرف في دورات منقضية من معرض تونس الدولي للكتاب، في حين أن دولًا أخرى لم تنل هذا الاحتفاء، وهو ما جرّ تباعًا التظاهرة لمآزق هي في غنى عنها.

ويبدو، في الأثناء، البرنامج الثقافي الموازي مزدحمًا بعديد التظاهرات حول الطفل، والمسرح، والسينما، والفنون إضافة للجلسات الأدبية واللقاءات الشعرية والرحلات، وذلك مع تخصيص جوائز عديدة. وعادة ما يؤدي هذا الازدحام مباشرة للارتجال والارتباك، وبالتالي كان بالإمكان تلخيص البرنامج الثقافي الموازي وجعله نوعيًا.

ونهاية وحتى يستقيم شعار الدورة الحالية لمعرض تونس للكتاب وذلك بأن نعيش مرتين جرّاء فعل القراءة، لا بد من إزاحة الإكراهات السابق عرضها، وهو ما لا يتمّ إلا عبر الإصلاحات الجذرية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل تساهم الدولة في تفاقم أزمة القراءة في تونس؟

اتحاد الكتّاب التونسيين.. هل بات إرث الماضي عبئًا نحو المنشود؟