02-مارس-2018

واجهة مكتبة في تونس العاصمة (كريستفور فيرلونغ/getty)

يبذل الكاتب من روحه وكيانه وعقله، فهو يشقّق الكلمات ويرصّفها ويذهب بعيدًا بالمعاني، فتحيا من بعده الأفكار خالدات في أفئدة الأجيال. هذا هو الكاتب: المفكّر والشّاعر والفيلسوف والرّوائي، صورته تقريبًا ذاتها في جميع المجتمعات، نجمة شمال وضّاءة تهتدي بها القلوب حتى لا تظلّ سبيلًا. فالكاتب هو رمز المجتمع وضميره، وناشر للمعرفة، ومرسّخ لهويّة شعبه أو أمّته. ويصل إلى الأقاصي عبر الطّباعة والنشر والترويج والتوزيع ومنها يقتات ويعيش.

بيد أنّ هذه الصورة متغيّرة بعض الشّيء في تونس، فالكاتب بلا حقوق وبلا ضمانات بالرّغم من ترسانة القوانين التي تحيط بعملية النّشر والتوزيع، وبالرّغم من وجود إدارة برمّتها في صلب وزارة الثقافة تُعنى بالكاتب والكتاب. فالمسألة أخلاقية واعتبارية بالأساس.

الكاتب بلا حقوق وبلا ضمانات بالرّغم من ترسانة القوانين التي تحيط بعملية النّشر والتوزيع في تونس

يبدو الكاتب التونسي يائسًا من تبدّل الأحوال، فأصبح يعوّل على نفسه أكثر فأكثر فلا يقصد دور النّشر بل يذهب مباشرة إلى المطبعة وينجز كل شيء بمفرده ويشرف وحيدًا على جميع مراحل الطًبع، وتُسمّى هذه الظّاهرة في تونس بـ "النشر على الحساب الخاصّ". ومن أسباب تفشّيها في الوسط الثقافي هو ضياع حقوق الكاتب بين البيروقراطيات من جهة واستيلاء الناشرين على مستحقات الكاتب بالطّرق القانونية المتاحة من جهة أخرى. حيث أنّ أغلب الكتّاب في تونس ترهبهم كلمة "دار نشر"، إذ يجمعون أنّ أغلب دور النّشر ليست لديها لجان قراءة، ولا تعطي الكاتب ما يستحقّ ولا تُعلي من مقامه الرّمزي في المجتمع.

اقرأ/ي أيضًا: النّشر في الفضاء المغاربي.. أحلام معلّقة

الناشر يتحالف مع الموزّع ضدّ الكاتب؟

من أغرب ما تراه العين في تونس أن يحمل كاتب حقيبة مليئة بنسخ من منشوره الجديد أو من مدوّنته وهو يتجوّل بين المكتبات التجارية ليعقد صفقات البيع ويتفاوض مع تجّار الكتب بخصوص التّخفيضات الممكنة وهوامش الرّبح. في هذا الجانب، صرّح الشاعر لطفي البرهومي، وهو صاحب خمس مجاميع شعرية منها "كل عام وأنت عربي" و"وجه النّار" وله رواية عنوانها "تغريبة شاس بن إسماعيل"، لـ"ألترا تونس": "كانت لي تجربة فاشلة مع دور النشر في مستوى توزيع الكتاب، بل ومهينة أحيانًا إذ النّاشر وبعد أن يطبع الكتاب يتنكّر إليك ولا يعطيك حقوقك المادية، ويتحالف مع الموزع ضدّك، وتبدأ عملية التآمر ويشرع في تسويفك إلى أن تكلّ وتملّ". ويضيف: "وهنا إمّا أن تذهب للقضاء المعلوم بتشعّباته ومصاريفه وإمّا أن تصرف نظر عن الموضوع وتنشغل بمشروعك الإبداعي". ويشير الشّاعر أنّ النّاشر قد يشارك الكاتب الجوائز المادية المتحصّلة من المسابقات الوطنية والدولية، واعتبر في ذلك "تعسّفًا على المبدع".

ويرى البرهومي أنّ الحلّ الأمثل يتمثّل في تعويل الكاتب على نفسه في مستوى التّوزيع حتّى يضمن وصول صوته ورسائله القيّمة ويضمن قوّته، إذ يقول "أطبع الكتاب على حسابي وأختار السعر المناسب الذي أراعي فيه قرّائي، وأضع استراتيجيا خاصّة بالتوزيع أستهدف من خلالها مؤسّسات التعليم العالي بكامل البلاد، وهكذا تكون كتبي في المكتبات الجامعية وبين أيادي الطّلبة". 

أكثر من مليون دينار سنويّا لدعم الكتاب الثقافي ولكن!

في الأثناء، يتمتّع الكتاب الثقافي سواء الموجّه إلى الكبار أو اليافعين أو الأطفال بدعم مباشر من وزارة الثقافة. ويتمثّل هذا التشجيع في دعم النّاشر في مستوى شراء الورق ويصل هذا الدعم الى حدود 75 بالمائة من الكلفة الجملية. وتقتني أيضًا الوزارة من النّاشرين والكتّاب أنفسهم بما قيمته تقريبّا مليون دينار سنويّا، وتُوزّع هذه الاقتناءات على المكتبات العمومية والمكتبات المتجوّلة المنتشرة على كامل البلاد.

في هذا الإطار، حاور "ألترا تونس" الكاتبة والرّوائية أمال مختار، وهي أوّل كاتبة تونسية تنشر عن "دار الآداب" البيروتية الشّهيرة، وصاحبة ستّ مجموعات قصصية وأربع روايات، ومن بين هذه العناوين "نخب الحياة" و"لا تعشقي هذا الرّجل" و"دخّان القصر" و"حفل الأشباح". وتقول الكاتبة في حوارنا معها تعليقًا على مسألة اقتناء الكتب إن "مسألة التوزيع هي مسألة مشوبة بالغموض في تونس، حيث يتمّ التعسّف على الكاتب من قبل لجنة الشّراءات إذ ليست هناك مقاييس موضوعية للاقتناء، فالكاتب يشقى من أجل توزيع كتبه وذلك في ظلّ غياب شركات مختصة في التّوزيع تمنح للمؤلف حقوقه". وتضيف الكاتبة قائلة إنّ "صورة الكاتب الذي يحمل كتبًا ويوزّعها بنفسه لا تليق به، ولا تليق بمقامه كشخصية اعتبارية في المجتمع".

اقرأ/ي أيضًا: الحكواتي في تونس.. فن منسي يتجدد

أزمة نشر وتوزيع وكتّاب وجدوا الحلّ في فيسبوك

يجد، أحيانًا، الكاتب التونسي أعماله المطبوعة مروّجة في السّوق الموازية حيث الكتب المستعملة والأسعار المتدنيّة، وكذلك حيث معارض الكتب العشوائية غير المعلوم مأتاها. وفي هذا الصّدد، يؤكد الشاعر عبد الفتاح بن حمّودة، الذي صدرت له عشر مجموعات شعرية منها "آنية الزهر "و "حركات الوردة" و"نزولاً عند رغبة المطر"، أنّ "الكاتب يحصل على الفتات بعد التّوزيع، وأحيانًا يرى أعماله تباع ولا يستطيع اقتناؤها لأنّ النّاشر ابتزّه فقط لأنه لا يملك مالًا من أجل الطّبع، وبعد النّشر يتسلّم المؤلف في المقابل مائة نسخة أو أكثر بقليل والتي تذهب في شكل إهداءات للأصدقاء والصحفيين".

ويضيف بن حمّودة أنّ "هناك بعض المطابع التي تخالف القانون فتسحب من الكتاب المطبوع نسخًا جديدة دون علم الكاتب لتختلسه مرّة أخرى فتوزّع تلك الطبعة الفاسدة بالمعنى الأخلاقي في السّوق الموازية فيجدها طالبوها معروضة على الرّصيف وفي أنهج بيع الكتب القديمة بالعاصمة والمدن التونسية الكبرى، وكذلك لدى موزّعي الكتب على المدارس والمعاهد من أجل استغلالها كجوائز مدرسية".

وأشار الشّاعر إلى أنّ "بعض الكتّاب التونسيين استغلّوا مواقع التواصل الاجتماعي وخاصّة فيسبوك لتوزيع كتبهم ونحت صورة جديدة للكاتب التونسي". ويذكر من بين هؤلاء الكتّاب الكاتب كمال الرّياحي، والرّوائي والمترجم وليد سليمان، والروائي أنيس بن الرجب العبيدي. واعتبر الشّاعر بن حمّودة في ختام تصريحه لـ"الترا تونس" أن "مثل هذه الطّرائق الجديدة لتوزيع الكتاب والتي يعتمدها الكاتب للتّرويج لمشروعه الإبداعي هي التّي ستغيّر الأحوال".

استغلّ بعض الكتّاب موقع التّواصل الإجتماعي فيسبوك في مواجهة أزمة النشر والتوزيع في تونس

أين المؤسسة التونسية لحماية حقوق المؤلفين؟

يبقى، بذلك، الكاتب التونسي ضحيّة غياب المهنية العالية في مستوى مهن الكتاب وخاصّة التوزيع، مع نقص التشريعات المطلوبة الضامنة للحقوق الأدبية والمالية.

ويأتي السؤال حول ضعف حضور المؤسسة التونسية لحماية حقوق المؤلفين التي من المفترض أن تتولّى ضمن مهامها رعاية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة والدفاع عن المصالح المادية والمعنوية لأصحاب تلك الحقوق.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تونس.. "الخلدونيّة" مدرسة التحديث والمقاومة

فن Slam.. تقدم جريء في تونس