29-مارس-2018

خلال افتتاح مقر اتحاد الكتاب التونسيين في بداية ثمانينيات القرن الماضي

عندما نقرأ قراءة سيميائية صورة افتتاح مقر اتحاد الكتّاب التونسيين بالعاصمة في بداية ثمانينيات القرن الماضي، نفهم ما كان يحدث للكتّاب والمثقفين حينها، ونفهم أيضًا علاقة السلطة بالمثقف وربّما ذلك ما ظلّ مستمرًا إلى اليوم وإن تغير نوعًا ما. تحضر السلطة البورقيبية بثقلها في مشهد افتتاح المقر وقتها، نجد الوزير الأول حينها محمد مزالي، ووزير الشؤون الثقافية البشير بن سلامة إضافة لوجوه رسمية وأخرى حزبية وكذلك بعض الكتّاب. يظهر على يمين الصورة رئيس اتحاد الكتاب محمد العروسي المطوي، الذي شغل لفترة منصب سفير لتونس بالعراق، وعلى الشمال يوجد الكاتب مصطفى الفارسي.

ظاهر هذه الصورة عناية الدولة بالكاتب والمثقف خاصّة عندما نعلم أن محمد مزالي هو أحد مؤسسي الاتحاد سنة 1977 وباعث مجلة "الفكر" الشهيرة، بيد أنّ باطنها يكشف استسلام الكاتب للسلطة وذلك بالرغم من تعدّد التيارات الأيدولوجية والسياسية داخل اتحاد الكتّاب الذي لم يستطع نزع جلباب الأبوية البورقيبية عنه. بذلك لم تقم لحظة تأسيس الاتحاد على قيم الثقافة الحرّة والديمقراطية وهو ما جعله لا يقوم بدوره كقوة اقتراح داخل المجتمع باعتباره نقابة مستقلة مهمّتها الإعلاء من شأن الكاتب والمثقف.

اقرأ/ي أيضًا: تدشين مدينة الثقافة، أما بعد؟

اتحاد الكاتب وماضي مراكنة السلطة

عمدت السلطة أن يكون اتحاد الكتاب خافتاً بالرغم من علوّ قامات مؤسسيه على غرار محمد المرزوقي، فظهر الاتحاد كجمعيّة ثقافية لا تتجاوز أنشطته المنتديات، واللقاءات الأدبية والشعرية، والتكريمات وطبعًا الانخراطات الشرفية في الاتحادات الاقليمية والعالمية مثل اتحاد الأدباء والكتاب العرب أو اتحاد كتاب وأدباء آسيا وإفريقيا، وذلك بالإضافة لتأسيس بعض الفروع داخل البلاد. نشط الاتحاد على هذه الشاكلة بعيدًا عن مهمّة التفكير وواجب التنوير، فلم يتخذ مواقف تتعلق بالشأن العام رغم وجود بعض وجوه المعارضة داخله لعلّ أبرزها الميداني بن صالح الذي كان قياديًا بنقابة أساتذة الثانوي وعضوًا بالقيادة القومية لحزب البعث.

انخرط اتحاد الكتاب التونسيين في البروباغندا زمن الاستبداد وفي السياسة الثقافية العليا التي كانت تسطّرها السلطة

أمضى الاتحاد في الفترة النوفمبرية على "الميثاق الوطني" كغيره من مكونات الحياة السياسية والمدنية، وانسجم تمامًا مع سلطة بن علي حيث خفت صوته، وبات يتحصل على منحة قارة من وزارة الثقافة وصلت إلى حدود 15 ألف دينار تونسي خلال السنوات الأخيرة قبل الثورة، كما برزت وجوه من الاتحاد قريبة من النظام نذكر منها الروائي صلاح الدين بوجاه الذي كان عضوًا في البرلمان عن ولاية القيروان، وكذلك الشاعرة جميلة الماجري والقاصّ محمد البدوي. بذلك انخرط اتحاد الكتّاب طوعيًا في السياسة الثقافية العليا التي كانت تسطّرها سلطة الاستبداد.

"الكتّاب الأحرار" أو المقاومة الثقافية

رغم دخوله بيت الطاعة، لم يكن اتحاد الكتاب متجانسًا في داخله إذ نجد اديولوجيات وتيارات سياسية مختلفة، وتشهد كوليس مؤتمراته على الخلافات والتباينات التي انتهت بانسلاخ مجموعة من الكتاب احتجاجًا على انخراط الاتحاد خلف السلطة، وتأسيس "رابطة الكتّاب الأحرار" سنة 2001 في تحدّ ثوري للسلطة. ومن بين مؤسسي هذا الجسم الجديد سليم دولة، وجلول عزونة، ومحمد الجابلي، ونور الدين الشمنقي والحبيب الحمدوني، وقد ترعرع أغلبهم في أحضان الاتحاد العام التونسي للشغل. ورغم هرسلة السلطة لهم، صمد مؤسسو الرابطة التي مثلت صوتًا يصدح بالحرية.

انبثقت حركة احتجاجية داخل اتحاد الكتاب زمن الاستبداد أدت إلى نشأة "رابطة الكتاب الأحرار"

وعلى نفس هذا المنوال، تأسست نقابة للكتاب سنة 2010 انضوت تحت لواء الاتحاد العام التونسي للشغل، وذلك على يد الكتاب الأسعد بن حسين، وجمال الجلاصي، وعادل المعيزي، وسامي السنوسي، وفاطمة الشريف، وعبد الفتاح بن حمودة وعبد الوهاب الملوح. وانخرط ضمن هذه النقابة حوالي 110 كاتبًا فكانت بدورها صوتًا يصدح بالمقاومة والحرية، غير أنها باتت منذ 2014 نقابة منحلّة حسب القوانين الداخلية للاتحاد العام التونسي للشغل، وذلك لعدم قيامها بمؤتمرها.

رئيس الاتحاد: "نحن بصدد التجدّد على وقع اللحظة التاريخية"

انفتح الفضاء العام بعد الثورة، وساد مناخ الحرية المنشود من قبل الكتّاب والمثقفين وعامّة الشعب التونسي، فما الذي تغير داخل اتحاد الكتّاب التونسيين؟

اتصل "الترا تونس" بالرئيس الحالي للاتحاد الكاتب صلاح الدين الحمادي الذي قال إن "الاتحاد هو بصدد التجدّد على أكثر من صعيد في هذه اللحظة التاريخية التي تعيشها تونس" متحدّثا عمّا وصفه باستعادة العديد من الوجوه المنشقة وعلى رأسها الكاتب سليم دولة. وتحدث الحمادي عن تسجيل لـ"إقبال ملحوظ" من الجامعيين والكتاب الشباب، حيث أشار لارتفاع عدد الأعضاء المسجلين في السنوات الأخيرة إلى 1027 عضوًا، فيما بلغ عدد الأعضاء العاملين 532 عضوًا، وأضاف أنه تمّ في السنتين الأخيرين تأسيس "دار الاتحاد للنشر والتوزيع" الذي وصفه بأنه "حلم أجيال من الكتّاب".

وبخصوص مواقف الاتحاد مما يحدث على الساحة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، أكّد محدّثنا أن اتحاد الكتاب التونسيين "يتوخّى الرّصانة والتأنّي في بياناتهم الحرّة والمسؤولة التي تنتصر للشعب والقضايا العادلة بما أنّ الكاتب هو صوت الحكمة في مجتمعه".

[[{"fid":"99097","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":450,"width":600,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]

مقرّ اتحاد الكتاب التونسيين في تونس العاصمة (صورة لكاتب التقرير)

وقال الحمادي فيما يتعلّق بمستقبل الاتحاد أن هيئته المديرة تشتغل على ملفات هامة أهمّها إعداد مشاريع قوانين سيتم تقديمها لمجلس نواب الشعب تتعلق بالجوانب الاجتماعية للكاتب، إضافة للانكباب على ملف حضور الأدب التونسي في البرامج المدرسية. وأضاف الحمايدي أن الاتحاد يعدّ لملف خاص بالحقوق المهدورة للكاتب بسبب القرصنة والنسخ العشوائي، سيقدمه إلى المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة.

وأمّا عن علاقة الاتحاد بـ"رابطة الكتاب الأحرار"، تحدث صلاح الدين الحمادي عن وجود "علاقة جيدة فيها الكثير من الودّ"، مشيرًا لإعداد أعمال مشتركة بين الهيكلين، حيث أكّد محدّثنا في ختام حديثه معنا على ما اعتبرها أهمية التعددية في المشهد الثقافي وانعكاسها الإيجابي على المجتمع، وفق تعبيره.

اقرأ/ي أيضًا: ضياع حقوق الكاتب التونسي.. مأزق للثقافة يبحث عن حل

الكثير من المنشود.. الكثير من الخيبة

ظلّ السؤال حول رؤية الكتاب لاتحادهم وحضوره في المشهد الثقافي، وهو السؤال الذي حملناه إلى عدد من الكتّاب، وكانت البداية مع الشاعر والكاتب نصر سامي الذي صدر له 15 عنوانًا بين الشعر والرواية والترجمة والبحوث في الحضارة، الذي قال: "قدّمت استقالتي من الاتحاد منذ 2014 في رسالة رسمية شرحت فيها أسباب الاستقالة التي من أهمها "سوء وضع الاتحاد، وحالة الخنوع، والصمت الذي خيّم عليه حتى بعد الثورة" وفق تقديره، بل يصف نصر سامي الاتحاد بـ"الماكينة الصدئة التي تجد من الكتّاب التونسيين من يبرر صدأها"، ويختم حديثه لـ"ألترا تونس" بالإشارة إلى أنه اختار ما وصفها بالغربة عن وطنه، وقد ذكر بأنه بصدد التأسيس "لمشاريع إبداعية كبرى" كانت فيها البداية ببعث مجلّة محكمة بعنوان "الشاعر".

يتّهم الشاعر والكاتب نصر سامي اتحاد الكتاب التونسيين بأنه في "حالة خنوع" ويستنكر استمرار صمته حتى بعد الثورة

في ذات الإطار، يقول الروائي أنيس بن رجب العبيدي صاحب رواية "ليلة التأبين" إن فكرة الانخراط في الاتحاد لا تغريه أصلًا "لأنه لم يقم بالدور المحوري في المرحلة الراهنة ولم نر مواقف ترفع من شأن الكاتب في بلده". وأضاف أنه كان يتمنى أن يرى اتحاد الكتّاب التونسيين في الحوار الوطني مع اتحاد الشغل، واتحاد الأعراف، والهيئة الوطنية للمحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان، حيث قال بن رجب العبيدي إن اتحاد الكتاب التونسيين "يجب أن يكون قوة اقتراح وفضاء للتفكير وصناعة العقول"، وفق تعبيره.

من جانبه، يشير الكاتب والروائي لطفي الشابي صاحب رواية "المائت" لـ"الترا تونس" أنه انخرط في اتحاد الكتاب منذ سنة 2011 واصفًا قراراته بأنه "كان واعيًا ويتناغم مع التغيير الذي حصل في البلاد" بيد أنه يستدرك قائلًا: "عندما أقوم بمراجعة، لا أجد شيئًا تغيّر إذ لا يزال الاتحاد يسير عن نفس المنهج الذي اختاره له القدامى"، ويضيف الشابي أن الاتحاد "لم يتخلص من إرثه القديم ولم يقم بالمراجعات الضرورية والأكيدة" بتعبيره.

    يظلّ اتحاد الكتاب بين ماضي ثقيل من الارتهان للسّلطة وحاضر يسعى وفق القائمين عليه "للتجدّد على وقع اللحظة التاريخية"

بذلك يظلّ اتحاد الكتاب بين ماضي ثقيل من الارتهان للسّلطة وحاضر يسعى وفق القائمين عليه "للتجدّد على وقع اللحظة التاريخية" وذلك وسط خيبة وإحباط كتّاب وإن تظل تدفع رياح الثورة دائمًا للتوق نحو الكثير من المنشود في عالم الثقافة.  

 

اقرأ/ي أيضًا: 

في نسختها الأولى.. أيام قرطاج الشعرية تحتفي بالشعر والحياة

مهرجان سينما السلام 2018.. الواقع كما هو