09-يناير-2024
منها الترجي والنجم والإفريقي.. مدربو الأندية الكبرى في مرمى الطرد والتعنيف

تدريب الأندية الكبرى شرف كبير لكلّ مدرّب، لكنّ المغامرة تقتضي وعيًا بالكثير من الخصوصيات (صورة توضيحية/ getty)

 

بلغت علاقة الأندية التونسية بمدرّبيها ذروة التوتّر، وقد تشكّل ذلك من خلال المطالبة الصاخبة المحمومة بتغيير الإطار الفنّي لصنف الأكابر مطالبةً اتخذت أساليب تخطّت في بعض المواقف النقد والتجريح لتدرك ألوانًا من العنف المادّي واللفظي.

اللافت في الأمر أنّ هذه الظاهرة طالت كلّ الجمعيّات بصرف النظر عن ترتيبها في سباق الرابطة المحترفة الأولى، والأطرف من ذلك أنّ الجمعيّتين المتصدّرتين للترتيب لم تنجوا من هذا المزاج الكرويّ العامّ.

علاقة الأندية الكبرى في تونس بمدرّبيها بلغت ذروة التوتّر، ويظهر ذلك من خلال المطالبة المحمومة بتغيير الإطار الفنّي لصنف الأكابر بأساليب تخطّت النقد والتجريح لتصل إلى العنف المادّي واللفظي

طارق ثابت في الترجي الرياضي التونسي وعماد بن يونس في النجم الرياضي الساحلي لم يشفع لهما دخول مرحلة التتويج وقد ملأ كلّ منهما سلّته بكلّ نقاط الحوافز الممكنة.

يحدث هذا مع بطلي المرحلة الأولى من سباق البطولة فلا عجب أن يطال الضغطُ النادي الإفريقي والنادي الصفاقسي، فقد انقاد كلّ منهما إلى الهزيمة ذهابًا وإيّابًا ضدّ منافسيهما المباشرين الترجي والنجم.

بمَ نفسّر هذه القسوة على المدرّبين خاصّة في الأندية الكبرى؟ هل يرجع الأمر إلى النتائج أم إلى الأداء الفنّي أم إلى دوافع أخرى؟ هل ثمّة " لوبيّات" تساهم في اللعب بانطباعات الجماهير وردود أفعالها لفائدة هذه الجهة أو تلك؟ لو سلّمنا بوجاهة مطالب التغيير ما هي المعايير الأمثل لتخيّر المدربين؟ للإجابة عن هذه الأسئلة استأنسنا برأي يوسف الزواوي المحلل الرياضي ومدرب المنتخب الوطني في تسعينيات القرن الماضي، وعلي الكعبي أحد النجوم التي لمعت في ملحمة الأرجنتين سنة 1978 والمستشار الوطني الحالي للنخبة في الجامعة التونسية لكرة القدم.

  • ضغط النتائج وضريبة تدريب الأندية الكبرى

ردّا على سؤال "الترا تونس" حول تحميل المدربين مسؤوليّة الإخفاق في جلّ الأندية التونسية، ذكر علي الكعبي بأنّ مسألة الإخفاق والنجاح نسبيّة، فما يعدّ تألقًا في هذه الجمعية من حيث النتائج يراه جمهور فريق آخر إخفاقًا، لذلك يؤكد الكعبي على ضرورة وضع أهداف معلنة على ضوئها يتم تقييم أداء المدرّب.

علي الكعبي لـ"الترا تونس": جميع الأطراف تتقاسم مع المدرب التتويج فتظهر في الصورة ولكنها غالبًا ما تُحمّله وحده ضريبة الفشل ويجب وضع أهداف معلنة يتم تقييم أداء المدرّب على ضوئها

هذه الأهداف ينبغي أن تراعي حسب محدّثنا الرصيد البشري والإمكانيات المادية وجملة من المعطيات الموضوعيّة حتّى لا نكلّف النادي والإطار الفني فوق طاقته فتكثر الاحتجاجات وتتلوها الإقالات.

اختيار مدربين الأندية في تونس، وفق الكعبي، أصبح يستند إلى عناوين جديدة من قبيل مدرب ألقاب ومدرّب منقذ وغيرها، والحال أنّ المسألة أكثر تعقيدًا من ذلك لأنّ الإطار الفني تحكمه في نجاحه وإخفاقه عدة شروط، فجميع الأطراف -يضيف الكعبي- تتقاسم مع المدرب التتويج فتظهر في الصورة ولكنها غالبًا ما تُحمّله وحده ضريبة الفشل، هذا ما جعل عددًا من المدربين يتوخون الحذر في قبول العروض وفيهم من لا يقبل أيّ جمعية إلا إذا تأكّد أنها جاهزة مستقرة وزاخرة بالطاقات الكروية فيتسنى له العمل في أريحية وتنفيذ خططه على النحو الذي يراه مناسبًا، على غرار فوزي البنزرتي في الكثير من التجارب المحلية والعربية السابقة.

يوسف الزواوي لـ"الترا تونس": النوادي المراهنة على الألقاب المحليّة والقاريّة تسلّط على المدرّب ضغطًا استثنائيًا، وبالتالي اختيار الإطار الفنّي ينبغي أن يراعي أيضًا القدرة على استيعاب الضغط والتفاعل معه

في السياق نفسه، ذكر يوسف الزواوي لـ"الترا تونس" بأنّ النوادي المراهنة على الألقاب المحليّة والقاريّة منها الترجي والنجم الساحلي تسلّط على المدرّب ضغطًا استثنائيًا، وبناءً على ذلك فإنّ اختيار الإطار الفنّي ينبغي أن يراعي حسب رأيه فضلًا عن الخبرة والكفاءة، القدرة على استيعاب الضغط والتفاعل معه وحسن توظيفه.

فالجمهور الرياضي يمثّل سندًا يساهم في تحفيز اللاعبين أيام المباريات، لكنّه لا يتردّد في صبّ جام غضبه على جميع الأطراف عند الإخفاقات، وهو أمر ينبغي أن يكون المدرب على بينة منه قبل قبول المهمة.

اتفق الزواوي والكعبي على أنّ تدريب "الأندية الكبرى" شرف كبير لكلّ مدرّب، لكنّ المغامرة تقتضي وعيًا بالكثير من الخصوصيات أهمّها المراهنة الدائمة على التتويج والانتصارات، فهل يستجيب الرصيد البشريّ الحالي في الأندية الكبرى في تونس للمراهنة على كل التتويجات بما فيها الألقاب الإفريقية؟

  • فاقد الشيء لا يعطيه

يقول يوسف الزواوي: "لا شكّ أنّ المدرّب يتحمّل قسمًا هامًا من مسؤوليّة الإخفاق، إمّا بسبب سوء اختياراته التكتيكيّة أو عدم التزامه بتطوير كفاءته من خلال المشاركة في التربّصات التكوينية".

ويستدرك الزواوي قائلًا: "لكن حتى إن توفرت الكفاءة في الإطار الفنّي فإنّ مهارات اللاعبين تظلّ مُحدّدًا هامًّا للنجاح والإخفاق، وفي ظلّ ما تعانيه الساحة التونسية من شُحّ على مستوى اللاعبين الصاعدين فإنّ الانتظارات ينبغي أن تكون مراعية للإمكانيات" وفقه.

يوسف الزواوي لـ"الترا تونس": المدرّب يتحمّل قسمًا هامًا من مسؤوليّة الإخفاق، إمّا بسبب سوء اختياراته التكتيكيّة أو عدم التزامه بتطوير كفاءته

لتفسير هذه النقطة يضيف الزواوي: إنّ اللاعب الذي لا يحسن التمرير والترويض الموجَّهَ والتسديد المؤطّر ولا يقدر على التوزيع الدقيق لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن يُطبق أيّ خطّة يرسمها المدرّب، فهذه الأبجديات الفنية لا غنى عنها وفق الزواوي لتنفيذ أي تصوّر تكتيكيّ للمدرب.

مدرّبُ الأكابر ليس ملزمًا، يضيف الزواوي، بتطوير المهارات الفنية الفردية للاعب، فوظيفة الإطار الفني الأساسيّة في هذا المستوى تكتيكية وتأطيرية وذهنية ودوره يتمثل في حسن توظيف عناصر جاهزة يفترض أن تكون قد تكونت في أصناف الشبان من المدارس إلى الأواسط.

يوسف الزواوي لـ"الترا تونس": الجمهور الرياضي الذي يخضع إلى شحن نفسي من مصدرين مختلفين، أحدهما وقوعه فريسة المغالطة والإيهام من قبل بعض المحلّلين

وممّا يزيد الأمر تعقيدًا -حسب الزواوي- الجمهور الرياضي الذي يخضع إلى شحن نفسي من مصدرين مختلفين، "الأوّل يتمثّل في وقوعه فريسة المغالطة والإيهام من قبل بعض المحلّلين الذين ينفخون في صورة اللاعبين ويصفونهم بما ليس فيهم، وحينما يعاين المحبّ المردود المهتز أو الضعيف من هذا المهاجم أو ذاك المدافع يظنه متهاونًا والحال أنّ العرض والمجهود يعكسان الإمكانيات الحقيقة، ففاقد الشيء لا يعطيه، ولا ينبغي أن ننتظر من اللاعب ما ليس فيه أصالة حتى إن دفع بالمجهود إلى منتهاه".

وممّا يزيد في خيبة المشجعين، المصدر الثاني للشحن والتوتر وهو المفارقة التي تحصل في أذهانهم، يضيف الزواوي: "تخيلْ محبًّا يشاهد ليفربول وبرشلونة والبيارن وغيرها من الأندية الأوروبية مساء السبت ويمضي يوم الأحد إلى أحد الملاعب التونسية بنفس الذائقة الكروية، فتكون انتظاراته كبيرة ويجد نفسه، ويا خيبة المسعى، أمام مباريات صغيرة بكلّ المقاييس فينتهي به الأمر إلى الاحتجاج على اللاعب ثمّ سرعان ما يُحمّل المسؤولية للمدرب بدافع تلقائي عفويّ أو بتأثير من بعض صفحات التواصل الاجتماعي".

  • غياب الرؤية الواضحة

يحمّل الزواوي المسؤوليّة إلى جميع الأطراف غير أنّه يصرّ في حديثه إلى "الترا تونس" على توجيه الاتهام إلى القائمين على الاختيار، فهم في الغالب مفتقرون إلى وضوح الرؤية، ويضرب يوسف الزواوي مثلًا على ذلك، ما حدث ويحدث في الترجي والنجم الساحلي إذ يتمّ الاستنجاد ظرفيًا بالمدير الرياضي أو بمساعد المدرّب بعد الاستغناء عن المدرب الأوّل كما حصل مع طارق ثابت وعماد بن يونس خلفًا لمعين الشعباني وفوزي البنزرتي، وحينما تكون النتائج مقبولة يقع ترسيم هذا المدرب وتحويله من الوضع الاستثنائي إلى وضع قارّ، وعند أوّل إخفاق يكون عرضة للانتقاد والتجريح والحال أنّه قد دخل المغامرة من باب التعويض لا وفق خطّة مضبوطة وبرنامج مركّز، وفق قوله. 

يوسف الزواوي لـ"الترا تونس": يتمّ الاستنجاد ظرفيًا بالمدير الرياضي أو بمساعد المدرّب بعد الاستغناء عن المدرب الأوّل، وحينما تكون النتائج مقبولة يقع ترسيم هذا المدرب، الذي يكون عرضة للانتقاد والتجريح عند أوّل إخفاق

وستظلّ الجمعيات حسب رأي الزواوي تعاني من عدم الاستقرار في الإطار الفنيّ ما لم تكن الاختيارات محكمة خاضعة إلى التروّي وحسن التدبير ولا نستثني من ذلك وفق تعبيره بقية الأندية بما فيها تلك التي تقع في وسط الترتيب أو أسفله كالنادي البنزرتي واتحاد تطاوين والأولمبي الباجي ومستقبل سليمان وغيرها، فالشعار القائم للأسف "من يخسر في أي مباراة أو لقاء لا حقّ له في الاستمرار والبقاء".

الأمر المستفزّ في كلّ ذلك، تدخّل كل من هبّ ودب في اختيارات المدرب، وإرغامه أحيانًا على تغيير تصوّراته، فكيف نفسّر نعت المدرب الذي يتوخّى خطّة الهجمة السريعة أو الهجمة المعاكسة بكونه "خوّافًا"، ألم تحصل فرنسا على كأس العالم في روسيا بتلك الخطّة؟ إنّ المدرب أعلم بإمكانيات لاعبيه وأكثر اطلاعًا على دقائق وحيثيات خاصّة بالرصيد البشري المتوفر هي التي تدفعه إلى ترجيح خطة على أخرى.

علي الكعبي لـ"الترا تونس": ظاهرة تغيير المدربين والتدخل المفرط في اختياراتهم التكتيكية يساهم بلا شكّ في تواصل انحدار المستوى الفني العام للكرة التونسية

وحول خطورة عدم استقرار المدربين في علاقة بالمنتخب، قال علي الكعبي " إنّ ظاهرة تغيير المدربين والتدخل المفرط في اختياراتهم التكتيكية يساهم بلا شكّ في تواصل انحدار المستوى الفني العامّ للكرة التونسية، ولكنّ تأثير هذا التذبذب على المنتخب التونسي يبدو أقلّ لأنه غالبًا ما يرتكز من حيث الرصيد البشري على اللاعبين الناشطين في البطولات الأوربيّة، فالتشكيلة الأساسية لا تضمّ في أحسن الحالات أكثر من لاعب أو لاعبين على أقصى تقدير.

يتضح من خلال هذا التقرير أنّ الجمهور الرياضي في تونس رغم شغفه بكرة القدم ومتابعته للمباريات المحلية والعالمية، يظلّ في حاجة إلى لون من الترشيد والإنارة من قبل مختصين يستندون في تقييمهم إلى معايير موضوعيّة علميّة بعيدًا عن المزايدة و"الشعبويّة" والإثارة والتعصّب لأنّ تواصل فوضى الانطباعات وتداعي الخواطر التقييمية في كرة القدم التونسية منذر بمزيد الارتباك والتراجع.