25-مارس-2018

مياه معالجة يتم تصريفها في خليج قابس (فتحي ناصري/ أ ف ب)

كذبة أخرى انكشفت للتونسيين المخدوعين بشعار "لبيب للبيئة حبيب"، الذي ابتدعه نظام زين العابدين بن علي، فالدولة لم يعد بوسعها أن تتكتم أكثر على جرائمها ولا أن تختبئ وراء اللغة الخشبية لتبرر انتهاكها لواحد من أهم حقوق الإنسان: الحق في الصحة. ولا يمكن اعتبار سكب أطنان النفايات الخطرة في الطبيعة إلا انتهاكًا للصحة العامة وحق التونسيين في بيئة نظيفة ومحيط سليم.

تقدّر الكمّيات السنويّة من النفايات الخطرة الخاصة بالأنشطة الصحية الملقاة في بحار بالبلاد التونسية بحوالي 8 آلاف طن

ولو لم تقدم دائرة المحاسبات في تقريرها الثلاثين أرقامًا صادمة حول كمية النفايات الخطرة الملقاة في مياه تونس لما تحركت السلط المشرفة على الملف ولا البرلمان من أجل المساءلة والمحاسبة على هذه الجريمة.

وتقدّر الكمّيات السنويّة من النفايات الخطرة بالبلاد التونسية بحوالي 8 آلاف طن بالنسبة لنفايات الأنشطة الصحيّة وستّة ملايين و150 ألف طن بالنسبة للنفايات الخطرة الصناعيّة منها 6 مليون طن من الفسفوجيبس، وفق ما ورد بتقرير المهمة الرقابية لدائرة المحاسبات حول النفايات الخطرة المنشور بتاريخ 30  جويلية/ تموز الماضي.

وأضاف التقرير أن منظومة التخلص من النفايات الخطرة التي أرسيت بداية التسعينيات ضعيفة وغير فعالة ولم تدخل أغلب المؤسسات التي انبثقت عنها حيّز العمل بعد أو توقفت أشهرًا بعد انطلاقها، إذ توقف مركز فرز النفايات الخاص بجرادو من ولاية قابس بعد سنة وشهرين من عمله، فيما لم ينطلق مركز صفاقس في العمل رغم إتمام أشغاله منذ العام 2012، أما نابل وبنزرت فلم يتم إنجاز المراكز الخاصة بهما رغم إقرارهما منذ سنوات.

وخلص التقرير أيضًا إلى أن الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات المشرفة أساسًا على متابعة التصرف في النفايات المشعة والصناعية، والتي أنشأت للغرض، محدودة الفاعلية ولا تتولى الرقابة الكافية على المؤسسات الملوثة. أما النفايات الصحية فقد عهد بها لوزارة الصحة لمراقبة تجميعها والتخلص منها من قبل المؤسسات الصحية، فقد تفرقت مسؤوليتها بين المستشفيات والخواص لتكون النتيجة أكثر من 2400 طن سنويًا ترمى كنفايات منزلية في الطبيعة رغم توقيع تونس على اتفاقيات دولية تنص بصرامة على ضرورة التخلص منها بطرق علمية تحمي الطبيعة وصحة الإنسان.

ولم يغب الفساد بدوره عن هذا الملف إذ لم تتم متابعة تصرف أصحاب المؤسسات الخاصة للتصرف في النفايات الخاصة في هذه الأخيرة لتبقى "مجهولة المآل دون حسيب أو رقيب"، وفق ما ورد بالمهمة الرقابية لدائرة المحاسبات.

اقرأ/ي أيضًا: تدخل حيز النفاذ اليوم: خطية بـ1000 دينار لإلقاء الفضلات في ملك الدولة العمومي

تونسيون ينظفون شاطئ قربص من النفط (فتحي بلعيد/ أ ف ب)

النائب حسونة الناصفي: خليج قابس أضحى مكبًّا للكيمياويات التي ترمى هناك في وضح النهار

ولم يترك تكتم الوزارات المكلفة بالملف عن الرد على تساؤلات الجمعيات البيئية والمهتمين بالموضوع من سبيل للحصول على ردود على ما ورد بالتقرير، غير مساءلة وزيري البيئة والصحة صلب لجنة مكافحة الفساد بالبرلمان التونسي. ومثلت "ضبابية الردود وتكتم وزير البيئة عن تقديم أية إيضاحات حول مصير آلاف الأطنان من النفايات الخطرة الوازع الأول لبعث لجنة تحقيق في الغرض"، على حدّ تعبير رئيس اللجنة حسونة الناصفي، لـ"الترا تونس".

ويستذكر الناصفي، في تصريح لـ"الترا تونس"، جانبًا من معاناة متساكني جهته بولاية قابس حيث يتم سكب نفايات الفسفوجيبس الكيمياوية في عرض البحر. وأشار إلى أن " خليج قابس أضحى مكبًّا للكيمياويات التي ترمى هناك في وضح النهار". وأضاف أن الصحة العامة هناك، كما في بقية الجهات التي توجد بها منشآت استخراجية، في أسوء حالاتها، حيث تنتشر أمراض الكبد وأمراض السرطان بكثافة وتمسّ كافة الشرائح العمرية وهو ما يستوجب وقفة حازمة لإنهاء المعاناة، وفق تصريحاته.

ويصف الناصفي الملف أنه "أخطر الملفات المطروحة اليوم إذ يتعلق بالصحة العامة خاصة وأن وزير البيئة لم يبد رغبة في الرد بخصوصه، لذلك التجأ النواب إلى تكوين لجنة تحقيق "تقنية" تبحث في أسباب صمت الإدارة وأسباب تخلفها لسنوات عن معالجة هذه الظاهرة".  

في المقابل، يرد وزير البيئة والشؤون المحلية رياض المؤخر في حديثه لـ"الترا تونس" أن الأمر وليد مسار سنوات من غياب عقيدة حماية البيئة والمحيط، مضيفًا أنه حين تمّ بعث المؤسسات الاستخراجية وربطها بالبحر لم تأخذ السلطات آنذاك بعين الاعتبار ما قد يخلفه ذلك من أخطار على صحة المواطنين وحقهم في بيئة سليمة.

وأبرز وزير البيئة أنه لم ينتظر مساءلة البرلمان حتى يتحرك فقد كان تقرير دائرة المحاسبات ذا مستوى رفيع قانونيًا وتقنيًا وانطلقت الوزارة على إثره في وضع حزمة من الإجراءات بشأن نفايات الأنشطة الصحية ومن بينها مشروع تنقية المحيط، الذي أختير كأحسن مشروع في العالم، حسب تعبيره. وقدّر الحيز الزمني المطلوب للمعالجة بعقد من الزمن يتم خلاله استكمال المنظومة القانونية التي لم تحيّن منذ ثلاثة عقود.

اقرأ/ي أيضًا: الشرطة البيئية أخيرًا في تونس.. الأمر بالنظافة والنهي عن التلوث!

نفايات الفسفوجيبس الكيمياوية تسكب يوميا في عرض البحر في قابس (STRINGER/ أ ف ب)

وزير البيئة التونسي: حين تمّ بعث المؤسسات الاستخراجية وربطها بالبحر لم تأخذ السلطات آنذاك بعين الاعتبار ما قد يخلفه ذلك من أخطار

وأقرّ المؤخر أن كمية النفايات الخطرة الملقاة في المحيط أضعاف الكمية المصرّح بها من قبل دائرة المحاسبات مبينًا أن مصالح الوزارة تتولى القيام بعملية جرد دقيقة للكميات الملقاة سنويًا من مجموعة تضمّ عشرين صنفًا من الفضلات الخطرة.

وإذ اكتفى المؤخر بالتطرق إلى إعادة تأهيل مصب جرادو وإنشاء مصب ثان وفق المعايير الدولية، فإنه تفادى التعريج على موضوع شائك وهو الرفض المجتمعي لإقامة هذه الوحدات وسط مناطق سكنية أو فلاحية. إذ يتشبث أهالي قابس برفض إقامة وحدة تصرف في هذه الفضلات الكيمياوية وسط منطقتهم الفلاحية معتبرين أنه لا ضمانة لهم بأن لا تحصل تسربات منها إلى أراضيهم وأطفالهم وتلحق بهم أخطار جديدة. ويشاطرهم في ذلك أهالي صفاقس الذين احتجوا بدورهم على قرار إحداث وحدة جديدة وسط مدينتهم التي تعاني بدورها من التلوث نتيجة مخلفات مصنع الفوسفوجيبس بالمدينة. ولا تعد المحاسبة ذات أولوية بالنسبة لوزير البيئة، على ما يبدو، فالأمر على حدّ قوله "لا يتعلق بالمحاسبة ومقاضاة المسؤولين عن عقود من التلوث، فالعالم أجمع يعيش أزمة تلوث لا تونس فقط، والمفهوم في حد ذاته حديث لم يكن في اعتبار السلطات في الحقب الماضية ولا في مسارها".

 

اقرأ/ي أيضًا:

الـ"بلوغينغ".. صيحة رياضية جديدة في تونس

البلفيدير في تونس.. تاريخ مهمل