01-نوفمبر-2023
احتجاجات أمام البرلمان التونسي للمطالبة بالمصادقة على قانون تجريم التطبيع

مخاض عسير لقانون تجريم التطبيع مع إسرائيل في تونس بعد تأخير جلسة النظر فيه وتواصل الجدل حوله (من مظاهرة يوم 30 أكتوبر 2023/ياسين القايدي/الأناضول)

 

مخاض عسير لقانون تجريم التطبيع في تونس بعد تأخير جلسة النظر فيه في البرلمان وتواصل الجدل بخصوصه، وذلك رغم التطورات الإقليمية في غزة والعدوان عليها وباقي الأراضي الفلسطينية وما بدا، بالنسبة للكثيرين، ظرفًا مناسبًا لتمريره على الجلسة العامة والمصادقة عليه. لنعد إلى منطلق الجدل مؤخرًا.

  • إلغاء جلسة يوم الاثنين ونواب يتهمون رئيس البرلمان

انتظر عديد التونسيين جلسة عامة في البرلمان يوم الاثنين 30 أكتوبر/تشرين الأول 2023، للنظر في مشروع قانون تجريم التطبيع مع إسرائيل، كما كان معلنًا سابقًا، لكن تصريحات رئيس البرلمان التونسي إبراهيم بودربالة قبل ذلك بأيام قليلة أتت بالجديد. 

ذهب رئيس البرلمان التونسي إلى ضرورة استشارة العديد من مؤسسات الدولة قبل النظر في مشروع القانون ومنها وزارة الخارجية والمجلس الأعلى للقضاء تجنبًا لتأويلات خاطئة لاحقًا

قال إبراهيم بودربالة، الجمعة 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إنّه ينبغي استشارة العديد من مؤسسات الدولة قبل النظر في مشروع القانون المذكور. وأوضح في مداخلة على إذاعة "ديوان" (محلية)، أنه سيتم التوجه للنقاش والتشاور مع وزير الخارجية نبيل عمار والمجلس الأعلى المؤقت للقضاء، مشددًا على أن "مثل هذه القوانين يجب أن تقع دراستها دراسة معمّقة ودقيقة حتى لا تكون هناك تأويلات خاطئة لاحقًا". 

وأعلن بودربالة بذلك إلغاء جلسة يوم الاثنين، دون تعيين موعد جلسة جديد. وهو القرار الذي أثار انتقادات حادة، خلال نهاية الأسبوع المنقضي، حتى من نواب البرلمان، إذ صرح بعضهم أن الأخير لم يستشر مكتب المجلس قبل إلغاء الجلسة واتخذ القرار بشكل أحادي. 

ذهب بعض النواب حتى لتوجيه اتهامات لبودربالة "باختلاق تعلات واهية لتعطيل المصادقة على مشروع القانون" ومنهم النائب بالبرلمان بلال المشري، الذي دوّن في صفحته الرسمية، السبت 28 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، معتبرًا "قرار إلغاء الجلسة العامة، تعطيل لهذا القانون ومحاولة للتسويف قصد إسقاطه". وأضاف بلال المشري أن "تصريحات إبراهيم بودربالة في الإعلام وتعلله برسالة ومهاتفة وزير الخارجية للاستماع إلى الوزارة حول القانون هي مغالطة للرأي العام إذ أن وزارة الخارجية أجابت اللجنة في مراسلة رسمية أن هذا القانون ليس من مشمولاتها"، وفقه.

وتابع: "حتى وإن افترضنا وجود استماعات أو مستجدات فلا يحق لرئيس المجلس اتخاذ قرار بتأجيل الجلسة العامة بل كان يفترض الدعوة لاجتماع مكتب المجلس وعرض المستجدات على أنظاره ويأخذ القرار بتصويت الأغلبية".

  • تحركات احتجاجية للمطالبة بالإصدار الفوري للقانون

صباح الاثنين 30 أكتوبر/تشرين 2023، وفي الموعد الذي كان يُنتظر فيه أن تتم المصادقة على مشروع قانون تجريم التطبيع، نظم نشطاء وقفة احتجاجية أمام مقر البرلمان للمطالبة بالإصدار الفوري لقانون يجرّم كافة أشكال التطبيع، وحضر بعض النواب التحرك الاحتجاجي أيضًا وألقوا كلمات. 

المحتجون على تأخير المصادقة على مشروع القانون اعتبروا أن في ذلك "مُحاولة لتفويت اللحظة الملائمة لسنّ القانون إلى أن يخفت حماس الناس"

إجمالًا، أجمع المحتجون على اعتبار إلغاء الجلسة العامة يوم الاثنين "مُحاولة لتفويت هذه اللحظة الملائمة لسنّ القانون إلى أن يخفت حماس الناس"، وفق تقديرهم، معتبرين أن سنه هو المكسب الوحيد تونسيًا في هذه المرحلة، وفق تقديرهم. 

  • تحرك سريع للبرلمان.. تعيين جلسة جديدة يوم الخميس 

في ظل الضغط الشعبي، سارع مكتب مجلس نواب الشعب للاجتماع برئاسة رئيس البرلمان في تونس الذي أكد مجددًا "ضرورة الاستماع إلى الوظيفة التنفيذية ممثّلة في وزارة الشؤون الخارجية ووزارة العدل، إضافة إلى المجلس الأعلى المؤقت للقضاء، فضلاً عن تدقيق صياغة فصول مقترح القانون بالاستعانة بالخبراء والمختصين اعتبارًا لدقّة الموضوع وعلاقته بالأمن القومي للبلاد".

برمجة جلسة عامة للنظر في مقترح القانون يوم الخميس 2 نوفمبر وذلك بعد  إجراء السماعات والاستشارات الضرورية وطلب إبداء رأي المجلس الأعلى المؤقت للقضاء

وتقرر برمجة جلسة عامة للنظر في مقترح القانون المتعلّق بتجريم التطبيع يوم الخميس 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 على الساعة العاشرة صباحًا، وذلك بعد  إجراء السماعات والاستشارات الضرورية وطلب إبداء رأي المجلس الأعلى المؤقت للقضاء. 

  • عودة لماضي مشروع قانون تجريم التطبيع

كانت رئيسة لجنة الحقوق والحريات بالبرلمان التونسي قد أفادت، الثلاثاء 24 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أن اللجنة صادقت، بتاريخ الاثنين 23 أكتوبر، على مشروع قانون تجريم التطبيع وتم تمريره لمكتب المجلس لتحديد جلسة بخصوصه.

مع العلم أن مقترح القانون المذكور قد تم تقديمه من كتلة "الخط الوطني السيادي" بالبرلمان التونسي، في 12 جويلية/يوليو 2023.

وبالتزامن مع عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وما تلاها من عدوان من الاحتلال الإسرائيلي، تقدم 97 نائبًا في تونس، في 9 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بطلب استعجال النظر في مشروع القانون. 

  • أبرز ملامح مشروع قانون تجريم التطبيع 

يتضمن مشروع القانون 7 فصول تم فيها تحديد مفهوم التطبيع ومتى يعتبر الشخص مطبعًا إضافة للعقوبات في حالة التطبيع وقد أدخلت لجنة الحقوق والحريات في البرلمان بعض التعديلات على المقترح الأولي وإليكم أسفله أبرز ما في النسخة التي ستعرض للنقاش الخميس:

يتضمن مشروع القانون 7 فصول تم فيها تحديد مفهوم التطبيع ومتى يعتبر الشخص مطبعًا إضافة للعقوبات في حالة التطبيع وقد أدخلت لجنة الحقوق والحريات في البرلمان بعض التعديلات على المقترح الأولي

ـ من هو مرتكب التطبيع حسب مشروع القانون؟

مشروع القانون يحدّد أنّ مرتكب التطبيع هو كل شخص يتعمد القيام أو المشاركة أو محاولة القيام بأحد الأفعال التالية: 

"ـ التواصل أو الاتصال أو الدعاية أو التعاقد أو التعاون بكل أشكاله بمقابل أو دونه بصفة عرضية أو متواترة بشكل مباشر أو بوساطة من قبل الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين من ذوي الجنسية التونسية مع كل الأشخاص الطبيعيين والمعنويين الذين ينتمون للكيان الصهيوني أفرادًا ومؤسسات ومنظمات وجمعيات وهيئات حكومية وغير حكومية عمومية أو خاصة باستثناء فلسطيني الداخل. 

ـ المشاركة بأي شكل من الأشكال في الأنشطة والفعاليات والتظاهرات والملتقيات والمعارض والمسابقات بأنواعها السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية والفنية والرياضية التي تقام على الإقليم التي تحتله أو تتحكم فيه سلطات الكيان". 

ـ ما هي العقوبات المسلطة على مرتكب جريمة التطبيع وفق هذا المشروع؟

وفق الصيغة المحيّنة من قبل اللجنة، "توجه تهمة الخيانة العظمى إلى كل من تخابر مع الكيان الصهيوني أو وضع نفسه على ذمته أو حمل السلاح معه ويعاقب مرتكبها بالسجن المؤبد. يعاقب مرتكب جريمة التطبيع عدا ما ذكر في الفقرة الأولى بالسجن لمدة تتراوح بين سنة و12 سنة وبغرامة مالية تتراوح بين 10 آلاف دينار ومائة ألف دينار وفي صورة العود يعاقب بالسجن المؤبد". 

وفي وقت سابق وحول جدل مشاركة الرياضيين التونسيين في مسابقات رياضية بحضور إسرائيليين، قالت رئيسة لجنة الحقوق والحريات: "القانون يطبّق على جميع حاملي الجنسية التونسية، وإذا كان اللاعب له القصد في المشاركة في مباريات أو دورات في الأراضي المحتلة فإنه بذلك يكون دخل في باب القصدية والتعمد وبالتالي يعاقب، أما إذا وجد نفسه عن غير قصد في مواجهة مع إسرائيلي فإنّ هناك آلية الانسحاب".

  • هل يحظى مشروع القانون بالإجماع داخل تونس؟ 

بعيدًا عن تأجيل جلسة النظر فيه وتعيين جلسة جديدة ومدى صحة التوجه للمصادقة عليه من عدمه، فإن مشروع قانون تجريم التطبيع في نسخته الحالية لا يحظى بإجماع في تونس وقد تعالت عديد الأصوات للتحذير من صياغة النص، ومنها أصوات لم تُعرف بعلاقاتها التطبيعية. 

مشروع قانون تجريم التطبيع في نسخته الحالية لا يحظى بإجماع في تونس وقد تعالت عديد الأصوات للتحذير من صياغة النص، ومنها أصوات لم تُعرف بعلاقاتها التطبيعية

من بين هذه الأصوات، نذكر الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي، نبيل حجي الذي انتقد النسخة الحالية من مشروع القانون، التي صادقت عليها لجنة الحقوق والحريات بالبرلمان، رغم أنه سبق له ولحزبه تقديم مشروع قانون في ذات السياق سابقًا، تحديدًا في الذكرى السنوية الرابعة لاغتيال محمد الزواري، 15 ديسمبر/كانون الأول 2020، وذلك من قبل الكتلة الديمقراطية في البرلمان حينها وكانت تضم أساسًا نواب حركة الشعب والتيار الديمقراطي. 

في تصريحاته لعدد من الإذاعات التونسية، يقول نبيل حجي إن مشروع القانون سنة 2020 كان قد أخذ بعين الاعتبار أدق التفاصيل، بينما النص الحالي "إنشائي، القصد منه جيد لكن النص خطير جدًا''، وفقه. كما دعم حجي أن يتم الاستماع مسبقًا لمواقف وزارات الدفاع والخارجية والداخلية ولمؤرخين ومختصين في القانون الدولي ومنظمات قبل تقديم النسخة النهائية منه واعتبر أن "هذا القانون يجب أن لا يصاغ في زمن المشاعر بل أن يناقش بعقل بارد"، وفق تعبيره، "دون استعراض للبطولات". 

يذهب البعض إلى رفض مشروع القانون الحالي على اعتبار أنه "إنشائي، القصد منه جيد لكن النص خطير جدًا'' 

وذهب حجي كعدد من المتابعين للشأن التونسي إلى أنه لن يتم التصويت على قانون تجريم التطبيع يوم الخميس في نسخته الحالية، وأنه سيعود للجنة من أجل مزيد التشاور. في الأثناء، ينتظر أن يتظاهر تونسيون أمام البرلمان تزامنًا مع جلسة الخميس في محاولة للضغط قصد المصادقة عليه.