21-يناير-2023
 محمود المستيري

كان الرجل لحوالي 30 سنة أحد قادة الدبلوماسية التونسية

 

تكون أحيانًا متعة وفائدة عمل ما مضاعفة بسبب ما أسميها عادة "اكتشافات الطريق" أو ما يطرأ في مسار العمل من بحث ومعرفة وتجارب ومصاعب. هكذا اكتشفتُ عن كثب الدبلوماسي التونسي محمود المستيري خلال عملي على فيلم وثائقي حول أفغانستان وحكم طالبان.

عرف العالم محمود المستيري خاصة ما بين جانفي 1994 وماي 1996 حينما عُين من قبل الأمين العام للأمم المتحدة ممثلاً له بأفغانستان وشغل حينها مهمة الوساطة الصعبة

ومحمود المستيري هو وزير خارجية سابق ودبلوماسي تونسي 1929 ـ 2006، عرفه العالم خاصة ما بين جانفي/يناير 1994 وماي/أيار 1996 حينما عُين من قبل الأمين العام للأمم المتحدة ممثلاً له بأفغانستان وشغل حينها مهمة الوساطة الصعبة، على الأرض التي كانت قد طردت حينها حديثًا القوات السوفياتية.

لكن قبل ذلك التاريخ، كان الرجل لحوالي 30 سنة أحد قادة الدبلوماسية التونسية متجولًا بين مناصب مهمة منها سفير تونس في باريس وفي القاهرة وموسكو وبون وكندا وممثل تونس في الأمم المتحدة إضافة إلى تعيينه على رأس الدبلوماسية التونسية لمدة سنة وزيرًا للخارجية.

ومحمود المستيري هو أخ أحمد المستيري السياسي والمحامي ومؤسس حركة الديمقراطيين الاشتراكيين المعارضة، وقد درس الحقوق والعلوم السياسية في فرنسا.

 

بعد الانسحاب السوفياتي، فُتح الباب لمرحلة جديدة من تاريخ البلد وتحوّل الصراع الأفغاني السوفياتي إلى صراع أفغاني أفغاني

 

بعد الانسحاب السوفياتي من أفغانستان، فُتح الباب لمرحلة جديدة من تاريخ البلد وتحوّل الصراع الأفغاني السوفياتي إلى صراع أفغاني أفغاني، كما تحوّل زعماء "الجهاد الأفغاني"، كما كان يطلق عليهم حينها سريعًا إلى رموز الحرب الأهلية واللا استقرار. ساءت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بشكل لافت وبلغت أفغانستان وضعًا إنسانياً متدهورًا في ظل صراع بين القادة العسكريين على السلطة، وازدهار تجارة المخدرات  وتردي الوضع الإنساني.

في هذا السياق وحتى قبله قليلًا، ظهرت حركة طالبان للعلن وتم التفطن لانتشارها ووزنها في البلاد، وتزعم الدبلوماسي التونسي محمود المستيري البعثة الأممية للبلد القائم على الصراعات والتسلح حينها.

تزعم محمود المستيري البعثة الأممية لأفغانستان في سياق اتسم بظهور حركة طالبان للعلن والتفطن لانتشارها ووزنها وفي ظل صراع أفغاني أفغاني بين قادة الحرب التي أدت للانسحاب السوفياتي

في حديثه عن تكليفه من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بمهمة الوساطة في الملف الأفغاني، يقول محمود المستيري في كتاب "أفغانستان السياسة الغائبة والسلام المسلح" لكاتبه الصحفي التونسي صالح عطية، والذي طرح فيه عشرات الأسئلة على الدبلوماسي التونسي لاستيضاح خفايا تجربة مميزة تونسيًا، يقول المستيري "الاتصالات الأولية جرت بين الأمين العام للأمم المتحدة بطرس بطرس غالي وسفير تونس في الأمم المتحدة صلاح عبد الله الذي كان يشغل منصب سفير تونس في القاهرة فترة تولي بطرس غالي وزارة الخارجية في مصر. تم التنسيق أيضًا مع وزير الخارجية التونسية الحالي الحبيب بن يحيى ومع الحكومة التونسية وذلك قبل أن يتصل بي الأمين العام للأمم المتحدة لإعلامي بقرار تكليفي بمهمة الوساطة في أفغانستان".

وعن المهمة التي كٌلف بها، يقول محمود المستيري، في ذات الكتاب، "مهمتي لا تتصل بمهمة حفظ أمن عادية بل هي نوع من الوساطة وهناك فرق كبير بين الصيغتين.. الوساطة يغلب عليها الجانب الدبلوماسي والحوار والتفاوض.. بينما عملية حفظ الأمن تقتضي آليات أخرى من قوة عسكرية ودعم مالي. كان تكليفي بمهمة الوساطة رغبة من الأمم المتحدة في التوصل إلى حل يجمع شتات الأحزاب والفصائل الأفغانية ويوحد صفها، كانت المهمة سياسية ولا علاقة لها بالنواحي العسكرية والأمنية".

محمود المستيري: "مهمتي لا تتصل بمهمة حفظ أمن عادية بل هي نوع من الوساطة.. كان وراء تكليفي رغبة من الأمم المتحدة في التوصل إلى حل يجمع شتات الأحزاب والفصائل الأفغانية ويوحد صفها"

ويتابع "كانت البعثة تتكون من 4 شخصيات، أحدها يشغل رئيس مكتب الأمم المتحدة الخاص بمتابعة الشأن الأفغاني وهو مكتب يتخذ من باكستان مقرًا له ويشرف عليه موظف أممي من أصل يوناني هو موسوريس، ويقتصر دور هذا المكتب على المتابعة الصحفية لما يجري داخل أفغانستان كما يراقب الأوضاع من زاويتها السياسية ويتدخل في بعض العمليات الإنسانية. الشخصية الثانية هو شارلي سانتوس من أصل أمريكي ومعروف بتمكنه من من الملف الأفغاني وهو موظف له رتبة متوسطة حسب الأمم المتحدة، ومن بين أعضاء البعثة الأوغندي أوكالو الذي بدا على معرفة دقيقة بالمنطقة إضافة إلى خبير في الشؤون الاقتصادية من أصل إسباني والذي كان مكلفاً بتقويم الوضع الاقتصادي والاجتماعي في أفغانستان".

عن ملابسات إرسال البعثة، يشرح محمود المستيري، في ذات الكتاب، "الأمم المتحدة سهرت بل حرصت على خروج الاتحاد السوفيتي من أفغانستان فقد شاركت بصفة فعالة في المفاوضات المتعلقة بهذا الشأن وساهمت في إيجاد حل لهذا الموضوع لكن بعد مغادرة السوفيات التراب الأفغاني ودخول معطيات جديدة في  الوضع هناك، لم تتمكن الأمم المتحدة من مراقبة الأمور عن كثب".

 

المستيري: "حين وطأت قدماي كابول، كانت رحى الحرب دائرة بين برهان الدين رباني رئيس الدولة وزعيم الجمعية الإسلامية من جهة، وقلب الدين حكمتيار زعيم الحزب الإسلامي من جهة ثانية وكان لكل منهما أنصاره"

 

ويضيف، خلال حديثه للصحفي التونسي صالح عطية في الكتاب الصادر سنة 2000: "في نظري من أسباب فشل مهمة الأمم المتحدة حينها اعتمادها على موظفين وليس سياسيين وعلى ما يبدو، عند تعييني كان ذلك أول مرة يوضع الشأن الأفغاني بين يدي سياسي ودبلوماسي".

محمود المستيري: من أسباب فشل مهمة الأمم المتحدة قبل تعييني في أفغانستان، اعتمادها على موظفين وليس سياسيين وقد كان تعييني ذلك أول مرة يوضع الشأن الأفغاني بين يدي سياسي ودبلوماسي

ويستذكر في الكتاب المذكور، عبر أسئلة الصحفي، تفاصيل من تجربته في أفغانستان وما كان يحيط بها من ملابسات "حين وطأت قدماي كابول، كانت رحى الحرب دائرة بين برهان الدين رباني رئيس الدولة وزعيم الجمعية الإسلامية من جهة، وقلب الدين حكمتيار زعيم الحزب الإسلامي من جهة ثانية وكان لكل منهما أنصاره".

ويتابع المستيري "كان مع رباني حزب الاتحاد الإسلامي بقيادة عبد رب الرسول سياف، الذي عرف بعلاقته الجيدة مع السعودية وهو رجل يملك أموالًا طائلة.. كانت هناك أيضًا حركة الانقلاب الإسلامي، التي يتزعمها محمد نبي محمدي وهو عالم دين له أتباعه وعدد من المسلحين وثمة الحركة الإسلامية ذات المنحى الشيعي ويتزعمها آية الله محسني".

يغوص كتاب "أفغانستان السياسة الغائبة والسلام المسلح" في عوالم البلد في التسعينيات ويقدم الدبلوماسي التونسي محمود المستيري شهادته بتفاصيل لافتة

يغوص كتاب "أفغانستان السياسة الغائبة والسلام المسلح" في عوالم البلد في التسعينيات وما قبلها مع محاولة استشراف ما بعدها، تٌطرح أسئلة عدة حول الشأن الأفغاني الداخلي والتدخلات الخارجية فيه ويقدم الدبلوماسي التونسي محمود المستيري شهادته بتفاصيل لافتة وهنا دعوة لاستكشافه والغوص في تفاصيل مشهد أفغاني كان اللبنة الأولى للمشهد في أفغانستان حاليًا. 

 

كتاب "أفغانستان السياسة الغائبة والسلام المسلح"

كتاب "أفغانستان السياسة الغائبة والسلام المسلح"  ـ محمود المستيري / صالح عطية ـ دار الجنوب للنشر 2000