04-ديسمبر-2015

متحف قلالة (صور نائلة الحامي/الترا صوت)

 

في جزيرة جربة بالجنوب التونسي ومن أعلى قمة بها يطل متحف قلالة، بناية شامخة وبيضاء من السهل الاعتقاد بكونها إحدى قلاع الرومان القدامى، تتربع على هضبة "طاسيطا" وتطل على ريف هادئ شرقًا وخليج "بوغرارة" غربًا وفي أسفلها مدينة قلالة العريقة.

يُجسد متحف "قلالة" تفاصيل الحياة "الجربية" وأهم ما يميز الجهة وعاداتها

وقلالة إحدى مدن جربة وهي تتبع معتمدية جربة أجيم، إحدى معتمديات جربة الثلاث، وتمتاز ببياض قبابها وخضرة غاباتها وزرقة بحرها كما تشتهر بصناعة الفخار خاصة. في الثاني عشر من نيسان/أبريل 2001، افتتح متحف جربة قلالة للفنون التقليدية والذي اشتهر بمسمى متحف "قلالة" وهو يُجسد تفاصيل الحياة الجربية وأهم ما يميز الجهة وعاداتها. ويعتبر المتحف من أكبر المتاحف الفنية في تونس إذ تقدر مساحته المغطاة بأربعة آلاف ومائتي متر مربع.

يتكون متحف قلالة من عدد من الأروقة ويحتضن كل رواق سلسلة من المشاهد التي تجسد بطريقة فنية الحياة اليومية في جربة والزواج الجربي والمهن اليدوية القديمة إضافة إلى العادات الشعبية. المتابع للمشاهد التي تُجسد الزواج الجربي يلاحظ أن الأهالي جعلوا من الزواج حدثًا استثنائيًا يدوم الاحتفال به أسبوعًا كاملًا وتنطلق التحضيرات قبل ذلك الموعد حيث تُحجب العروس عن أقاربها في إحدى غرف بيت أهلها أربعين يومًا وهي الفترة المعروفة بـ"الحجبة".

يتكون متحف قلالة من عدد من الأروقة ويحتضن كل رواق سلسلة من المشاهد التي تجسد بطريقة فنية الحياة اليومية في جربة والزواج الجربي والمهن اليدوية القديمة

 


إعداد خبز "الطابونة" وأكلة "الزميطة" الجربية(الترا صوت)

(صور نائلة الحامي/الترا صوت)

أن تكون المرأة ممتلئة وذات بشرة نضرة ونقية، تلك هي مقاييس الجمال الجربي، لذلك تتلقى العروس خلال "الحجبة" نظامًا غذائيًا يساهم في زيادة وزنها وتتلقى عناية ببشرتها عبر مواد طبيعية. 

وإثر انتهاء "الحجبة" تنطلق الاحتفالات والتي تشمل أيام الحنة وأخرى مخصصة لنقل هدايا العريس وجهاز العروس والحمام إضافة إلى محفل "الجلوة" الذي يقام في فناء منزل أهل العروس وتلبس خلاله العروس اللباس الجربي التقليدي "البسكري" وهو جلباب من الحرير الخالص مطرز بخيوط ذهبية كما تتزين العروس بمصوغ من الذهب.

"الجلوة" محفل نسائي صرف لا يحضره الرجال وتحييه فرقة فنية نسائية من جربة تدعى "الشواشن"

و"الجلوة" محفل نسائي صرف لا يحضره الرجال وتحييه فرقة فنية نسائية من جربة تدعى "الشواشن".

 

 


تجسيد حفل الجلوة (الترا صوت)

(صور نائلة الحامي/الترا صوت)

 

ويوافق اليوم الرابع للزواج الجربي يوم "البربورة"، يطوف خلاله العريس رفقة امرأتين من أقاربه تمثلان جيلين مختلفين حول شجرة زيتون باعتبارها رمزًا للخصوبة والخير وبعد الطواف تضع أمه تحت قدميه بيضة يقوم بدهسها لطرد عين الحاسد وسوء الحظ، حسب الاعتقاد المتداول عند أهالي جربة.

يوافق اليوم الرابع للزواج الجربي يوم "البربورة"، يطوف خلاله العريس رفقة امرأتين من أقاربه تمثلان جيلين مختلفين حول شجرة زيتون باعتبارها رمزًا للخصوبة والخير 

 


تجسيد حفل "البربورة" (الترا صوت)

(صور نائلة الحامي/الترا صوت)

 

 

ويختتم الزواج الجربي بمحفل "الجحفة" وهي هودج العروس المصنوع من خشب ويتم ربطه على ظهر جمل ويغطى بأقمشة ملونة، يتم إرساله بعد غروب الشمس إلى بيت العروس لينقلها إلى بيت زوجها مرفوقة بفرقة موسيقية تقليدية تسمى "الطبالة".

يختتم الزواج الجربي بمحفل "الجحفة" وهي هودج العروس المصنوع من خشب ويتم ربطه على ظهر جمل ويغطى بأقمشة ملونة

 


الطبّال الجربي(الترا صوت)

(صور نائلة الحامي/الترا صوت)

 

وعند وصول العروس إلى بيت أهل عريسها تجلس بجانب زوجها على منصة وسط فناء البيت، أو "الحوش" لدى "الجرابة"، وبعد عروض قصيرة للفروسية، يُدعى الجميع للوليمة الكبرى كما يتضمن العرس الجربي قفز العروس مرات متتالية على السمك طلبًا للحظ السعيد.

يتضمن العرس الجربي قفز العروس مرات متتالية على السمك طلبًا للحظ السعيد

 


قفز العروس على الحوت طلبًا للرزق والبركة(الترا صوت)

مشهد إعداد الوليمة في العرس الجربي(الترا صوت)

(صور نائلة الحامي/الترا صوت)

 

كل هذه التفاصيل عن الزواج الجربي يجدها الزائر لمتحف قلالة، تُروى بمحاكاة دقيقة عبر صور ومجسمات وحتى من خلال استحضار بعض الملابس التقليدية وغيرها من المتاع ذات العلاقة بالعرس الجربي. والمتحف المتميز بهندسة بسيطة تركز على بياض الجدران والقباب والمتماهية مع المعمار الجربي التقليدي، هو استثمار خاص قدرت تكلفته بـ 1.3 مليون دولار وهو تحت إشراف وزارة السياحة التونسية ويضم أيضًا مركبًا ترفيهيًا صغيرًا واستراحة مكونة من متنزه ومقهى ومطعم وبعض المتاجر.

في متحف "قلالة" يتزاوج الواقع بالخيال في انعكاس لحال الجزيرة التي طالما رُويت عنها قصص أسطورية

يواصل الزائر رحلته في متحف قلالة فيكتشف جوانب أخرى من الحياة الجربية انطلاقًا من عملية ختان الأطفال وطرق المداواة بالأعشاب الطبيعية وقراءة الكف والأشغال اليدوية كالحياكة والسيكاجة وصناعة الحصير والطريقة التقليدية في عصر الزيتون وصيد الأسماك وطريقة إعداد الأكلات الشعبية. وليهود جربة وعاداتهم قسم في متحف قلالة أيضًا. وقد مثلت الجزيرة على مدى تاريخها مستقرًا لشعوب من عرقيات وأديان مختلفة ويقدر عدد اليهود في تونس حاليًا بحوالي الألفين أكثرهم موجودون في جربة. كما يحج إليها سنويًا مئات اليهود لزيارة كنيس الغريبة.

في متحف "قلالة" يتزاوج الواقع بالخيال في انعكاس لحال الجزيرة التي طالما رُويت عنها قصص أسطورية وأشهرها قصة البطل الإغريقي "أوليس" الذي اكتشف الجزيرة ذات يوم صدفة لكنه رفض مغادرتها وقرر الاستقرار بها، أو هكذا تقول الأسطورة.

لكن حال الجزيرة بالأمس والذي صُور بمتحفها الشهير لا يشبه حالها اليوم، هكذا يقول العاملون بمتحف "قلالة"، فجزيرة الأحلام وأكبر الجزر في شمال أفريقيا تعاني منذ فترة من مشاكل بيئية إضافة إلى تأثر السياحة سلبًا بالوضع العام بالبلاد وانعكاس ذلك على أهلها الذين تخلى جزء منهم طواعية أو مجبرين عن جزء من تقاليدهم. تقاليد تحول جزء كبير منها إلى تراث يتم تخليده والاحتفاء به في المتاحف.