أسالت مسألة إدماج التربية على الصحية الجنسية في البرامج التعليمية الكثير من الحبر وأثارت جدلًا واسعًا على الساحة الوطنية بين مساند لها على اعتبارها قد تكون إحدى العوامل المحصّنة للطفل من الاعتداءات الجنسية، وبين معارض لها بادعاء تنافيها مع القيم الإسلامية.
حاتم بن سالم لـ"ألترا تونس": التربية الجنسية لن تفرد بمادة خاصة بل سيتم إدماجها في بعض المواد التي يمكن أن تتداخل معها بطريقة علمية
وإدراج مادة التربية على الصحة الجنسية في المناهج التعليمية، وليد شراكة انطلقت منذ سنة 2017 بين المعهد العربي لحقوق الإنسان والجمعية التونسية للصحة الإنجابية وصندوق الأمم المتحدة للسكان بتونس بالتنسيق مع وزارة التربية.
اقرأ/ي أيضًا: حراس المدارس.. أمناء على التلاميذ أم مغتصبون؟!
القرار لم يكن سهلًا
يؤكّد وزير التربية حاتم بن سالم أن قرار إدماج التربية على الصحة الجنسية في المناهج التعليمية لم يكن سهلًا، مبينًا، في ندوة انتظمت حول إدراج المادة الجديدة أن "مسؤولية اتخاذ هذا القرار هو أمر صعب نظرًا لحساسية الموضوع بالنسبة لمسؤول سياسي في إطار التجربة الديمقراطية في تونس".
وقال في ذات الإطار إنه "يجب أن يكون لكل مسؤول من الجرأة والإرادة ما يجعله يتقدّم بالمنظومة التربوية"، مشيرًا إلى أن السبب المفصلي في اتخاذه هذا القرار يعود إلى تقارير التفقدية العامة التابعة لوزارة التربية والذي يضم أمورًا لا تُصدّق عن التحرّش الجنسي داخل المؤسسة التربوية وخارجها وفي كل الحالات الضحايا من التلاميذ، وفق تعبيره.
واعتبر أن موضوع التربية على الصحة الجنسية "ليس من التابوهات" مبينًا أن دولًا إسلامية كثيرة تعتمدها و"لن يقف الصائدون في المياه العكرة أمام إرادتنا في التقدم بالمجتمع". وأوضح أن هذا المشروع يستند على معيارين، الأوّل يتعلّق بالمرحلية من أجل ضمان توافق أوسع بخصوص مفاهيم هذه المادة، والثاني يتعلّق بالخبرة والكفاءة فالخبراء هم المعهودون بتحديد تصوّر لهذه المادة لتحصين التلاميذ بطريقة علمية بعيدًا عن التجاذبات السياسية.
عبد الباسط بن حسن لـ"ألترا تونس": قضية الصحة الجنسية مهمة ومتعلقة بالمساواة وبالإدماج وبحقوق الجنسين
وعن التصوّر المطروح لتدريس هذه المادّة، تحدث وزير التربية حاتم بن سالم في تصريح لـ"ألترا تونس" أن الخبراء يعكفون على إعداده وإن التربية الجنسية لن تفرد بمادة خاصة بل سيتم إدماجها في بعض المواد التي يمكن أن تتداخل معها بطريقة علمية وبيداغوجية.
ويشير محدثنا إلى أن تجربة إدماج التربية على الصحة الجنسية في البرامج التعليمية تنطلق في العودة المدرسية المقبلة، معتبرًا أنّها تجربة رائدة في العالم العربي والإسلامي وأنها ليست مشروع وزير أو حكومة بل مشروع مجتمعي وتحدّ حضاري.
ويضيف "في الصائفة القادمة سيشارك المربون الذين سيحصنون التلاميذ من السلوكيات الشنيعة في تدريب يجعلهم مستعدين نفسيًا وعلميًا وبيداغوجيًا لتدريس مادة التربية على الصحة الجنسية التي ستكون مدمجة ضمن المواد الأصلية التي يدرّسونها".
رؤية جديدة لدور التعليم
من جهته، يعتبر رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان عبد الباسط بن حسن أن هذه الخطوة لبنة في مسار متعدد في مجال إدماج الصحة الجنسية والانجابية في برامج التعليم، مشيرًا إلى أن المعهد يساند هذه التجربة ويعمل عليها في بلدان أخرى مثل لبنان، على حدّ قوله.
وأشار، في كلمته خلال الندوة الوطنية، إلى أن المشروع يندرج في إطار رؤية جديدة لدور التعليم في مجتمعنا ويؤسس لقضية المساواة وحقوق الإنسان، وهو تفعيل لما جاء في النتائج الأولى لإصلاح التعليم، وفق تعبيره.
إيناس دربال (الجمعية التونسية للطب الجنسي): التربية على الصحة الجنسية من التابوهات المسكوت عنها
وعن مساهمة المعهد العربي لحقوق الإنسان في هذه التجربة، يقول بن حسن في تصريح لـ"ألترا تونس"، أن المعهد أسهم في هذه التجربة الرائدة عن طريق الخبراء وبمحاولة إدماج مقاربة حقوق الإنسان فيه"، مشيرًا إلى أن قضية الصحة الجنسية مهمة ومتعلقة بالمساواة وبالإدماج وبحقوق الجنسين.
ويؤكّد محدّثنا أنّ التعليم جزء من الحل وأنه وسيلة لحماية الطفل من المخاطر التي تعترضه في المدرسة وفي مواقع التواصل الاجتماعي وفي المجتمع عمومًا، لافتًا إلى أن التربية على الصحة الجنسية تمكن التلميذ من معرفة خصائص جسده وكيفية حماية كرامة هذا الجسد.
اقرأ/ي أيضًا: "#EnaZeda".. عن ذكرى تحرّش جنسي لم تُمح من الذاكرة
لا بد من تجنب الأفكار المغلوطة
نائب رئيس الجمعية التونسية للطب الجنسي إيناس دربال تؤكّد أن التربية على الصحة الجنسية تقدّم معلومات صحيحة، مشيرة إلى أن المادة التي يدرسها التلاميذ تركّز فقط على الصحة الإنجابية والجانب الصحي والبعض يحاول تجنب تدريسها، وفق قولها.
وتضيف دربال، "التربية على الصحة الجنسية من التابوهات المسكوت عنها وهناك من يعتقد أنها حديث عن الممارسة الجنسية ولكن الأمر يتعلق الجسد والتغيرات التي تطرأ عليه وكيفية التعامل معه وحمايته والوقاية من المخاطر وطلب المساعدة عند الحاجة".
ليلى بن ساسي (وزارة التربية): قرار إدماج مادة التربية على الصحة الجنسية يعود إلى ارتفاع حالات التحرش بالتلاميذ واغتصابهم داخل المؤسسات التربوية وخارجها
وتؤكّد ضرورة تجنب كل الأفكار المغلوطة عن هذه المادة، مشيرة إلى أن التربية على الصحة الجنسية لا تشجع على الممارسة الجنسية وأنها تسهم في نقص في حالات العنف الجنسي، ومبينة أن هذه المادة تشمل العلاقات الاجتماعية والصحة الإنجابية والسلوك الجنسي، وهي مقسّمة حسب أربع فئات عمرية من سن الخامسة إلى الثامنة ومن التاسعة إلى الحادية عشر ومن الثانية عشر إلى الخامسة عشر والسادسة عشر إلى الثامنة عشر.
التربية الجنسية ليست الجنس
من جهتها، ترجع مديرة المرصد الوطني للتربية بوزارة التربية ليلى بن ساسي قرار إدماج مادة التربية على الصحة الجنسية إلى ارتفاع حالات التحرش بالتلاميذ واغتصابهم داخل المؤسسات التربوية وخارجها، لافتة إلى أن المادة لن تكون مستقلة وسيتم إدراج المادة في مواد أخرى على غرار علوم الحياة والأرض والتربية المدنية واللغات.
وتشير بن ساسي إلى أن مشروع التربية على الصحة الجنسية يلائم البرامج التعليمية وسن المتعلم والمعايير الدولية ويهدف إلى تعزيز ثقة التلميذ بنفسه وحماية نفسه بنفسه، موضّحة أنه سيتم تدريب المدرسين ليتفطّنوا إلى التغيّرات في سلوك التلاميذ الذين قد يواجهوا مخاطر التحرش أو الاغتصاب، وفق قولها.
عائدة الفرشيشي النكاعي (خبيرة تربوية): اشتغلنا في إطار مرجعي كوني في إطار ورشات تهدف إلى تطوير المشترك القيمي والقانوني والعقدي المنصوص عليه في الدستور
وعن احتجاج أحد الأئمة لعدم تشريكه في النقاشات بخصوص التربية على الصحّة الجنسية، تؤكّد في حديثها مع "ألترا تونس" انعقاد جلسات مع أئمة من تطاوين، إلى جانب جلسات مع بيداغوجيين في مادة التربية الإسلامية ذلك أن بعض محاور هذه المادة يمكن أن تكون مرتبطة بالمادة الجديدة.
وعن الجدل الذي أثارته هذه المادة، تقول محدثتنا إنه يمكن أن يكون عائدًا إلى التسمية إذ يعتقد البعض أنه سيقع تدريس الممارسات الجنسية ولكن في الواقع هي ليست الجنس كما تروج لذلك التصورات الخاطئة والأفكار المغلوطة وإنما تربية تقوم على أسس علمية وبيداغوجية الهدف منها حماية الطفل.
إطار مرجعي كوني
وعن كيفية إدماج مادة التربية الجنسية في المناهج التعليمية، تقول المتفقدة العامة في وزارة التربية اختصاص عربية والخبيرة التربوية لدى المعهد العربي لحقوق الإنسان عائدة الفرشيشي النكاعي إن وزارة التربية وممثلي المجتمع المدني اتفقوا على التروّي في علاقة بهذا الخيار ومن تجلياته أنهم اشتغلوا على عينة، وفق قولها.
وتلفت الفرشيشي في حديثها مع "ألترا تونس" إلى أن الاختيار كان عشوائيًا وشمل جهات يمثلها متفقّدو اللغة العربية والتربية المدنية وعلوم الحياة والأرض واشتغلوا في إطار مرجعي كوني في إطار ورشات تهدف إلى تطوير المشترك القيمي والقانوني والعقدي المنصوص عليه في الدستور، على حدّ تعبيرها.
وتضيف "هو في طور التجريب اشتغل عليه بعض المتفقدين ومازلنا نشتغل عليه لتطويره أو إخراجه في صيغة نتفق عليها في إطار المشترك القيمي المنصوص عليه في منظومتنا التربوية وفي دستورنا. وفي الأثناء تم اقتراح أنشطة في المواد الثلاث التي تستوعب برامجها محتويات التربية على الصحة الجنسية ولا تبدو مسقطة بل على العكس تثريها".
وتتابع بالقول "بنيت مثالًا قدمته لزملائي متفقدي العينة، ويتمثل في إدراج الطفل الذي يُتاجر بجسده في محور أطفال العالم الذي يهدف إلى إكساب الطفل مهارة التعاطف، ومن خلال هذا الإدماج يمكن الحديث عن التحرش الجنسي الذي لا يُصدح به عاليًا لأنه من باب المحظورات لأسباب اجتماعية وغيرها".
اقرأ/ي أيضًا:
"في بيتهم وحش".. قصص عن اغتصاب أطفال من ذوي القربى