27-أكتوبر-2023
حياة عمامو مؤرخة تونسية التضليل في سردية الكيان الصهيوني

حياة عمامو: وقع تأسيس الكيان الصهيوني على أساس سردية تخلط بين الدين والقومية

الترا تونس - فريق التحرير

 

ألقت المؤرخة ومديرة مخبر البحث حول تاريخ الاقتصاد والمجتمعات في العالم العربي، الأستاذة حياة عمامو، الأربعاء 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، محاضرة حول "التضليل في سردية تأسيس الكيان الصهيوني"، خلال ندوة فكرية نظمها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية،  تضامنًا مع الشعب الفلسطيني.

  • أسس السردية الصهيونية:

تقول عمامو إنه وقع تأسيس الكيان الصهيوني على أساس سردية تخلط بين الدين والقومية، فاليهودية هي "ديانة" و"قومية" في الوقت نفسه، وهذه القومية وقع إعادة تأسيسها على أساس سردية بعد الشتات الذي تعرّض له اليهود أثناء الحكم الروماني في بداية القرن 2 م.

المؤرخة حياة عمامو: تقوم السردية الصهيونية على أنه حتى إن لم تحدث المجزرة اليهودية في ألمانيا عن طريق النازية فإنّ ملايين اليهود كانوا سيعودون إلى "أرض اليهود" للاستيطان

ورغم أنها حركة قومية، فإنها اعتمدت في سرديتها لتأسيس إسرائيل على ما ورد في العهد القديم وهو التوراة، ولذلك لا يوجد أي إسرائيلي لا يعتقد من دون أن ينتابه أي شك في أنّ اليهود وجدوا منذ أن تلقوا التوراة في سيناء، وأن كل يهودي في العالم هو سليل مباشر وحصري لهذا الشعب، فكل إسرائيلي مقتنع تمام الاقتناع بأنّ الشعب اليهودي خرج من مصر ثمّ استقر في "أرض الميعاد" أين تم تشييد مملكة داوود وسليمان المجيدة التي قُسّمت بعد ذلك إلى مملكة يهوذا ومملكة إسرائيل.

ويعتقد كل إسرائيلي أيضًا أنّ الشعب اليهودي عرف الخروج مرّتين، مرة بعد تهديم الهيكل الأول في القرن 6 ق.م، ومرة بعد تهديم الهيكل الثاني سنة 70 م، أي بعد حوالي 6 قرون من الخروج الأول، ثم عرف الشعب اليهودي بعد ذلك "التيه" لمدة تقارب الألفي سنة وهي المدة التي جعلتهم يعيشون المحنة ويتفرقون بين اليمن وبلاد المغرب وإسبانيا وألمانيا وبولونيا وحتى في أعماق روسيا.

المؤرخة حياة عمامو: لم يساهم الباحثون اليهود في نقاش ملتزم خاضه المؤرخون الجدد، الذين طرحوا أفكارًا جديدة عن الماضي اليهودي والصهيوني

وبالرغم من هذا الدين، استطاع هذا الشعب أن يحافظ على علاقات الدم بين مختلف طوائفه البعيدة جدًا بعضها عن بعض، ولذلك لم تتغير وحدته بسبب الشتات، بل نضجت الظروف في القرن 19 لعودة يهود الشتات إلى الوطن القديم، وحتى إن لم تحدث المجزرة اليهودية في ألمانيا عن طريق النازية فإنّ ملايين اليهود كانوا سيعودون إلى أرض اليهود للاستيطان فيها لأنهم حلموا بهذه العودة منذ ألفي سنة، وفق السردية التي أسستها الحركة الصهيونية ابتداء من النصف الثاني من القرن 19، وستزيد في تعميقها بعد حرب 1967.

فقد "كانت أرض فلسطين العذراء تترقب شعبها الأصلي من أجل أن يعود ويعمل على أن تزهر من جديد لأنها تنتمي إليه ولا تنتمي إلى هذه الأقلية العربية"، ويقصدون الفلسطينيين، حسب السردية الصهيونية، ومن هنا تكون الحروب التي يشنها الشتات اليهودي لاستعادة أرضه، عادلة، في حين يقع تجريم أية مقاومة يقوم بها السكان المحليون.

  • من أين أتى هذا التأويل لهذا التاريخ اليهودي؟

هذا الإنجاز يعود إلى رواة كبار اهتموا بإعادة بناء الماضي منذ منتصف القرن 19، وقد أمكن لهؤلاء من خلال خيالهم الخصب القائم على تجميع قطع من الذاكرة الدينية اليهودية والمسيحية، من اختراع تسلسل جينيالوجي متواصل للشعب اليهودي، حسب حياة عمامو.

المؤرخة حياة عمامو: سردية التاريخ القومي اليهودي لم تعرف أي نضج أو تطور منذ نشأة الكيان الصهيوني

وتتضمن الاسطوغرافيا الغزيرة عن اليهودية عديد المقاربات، كما ظهرت الاكتشافات الكفيلة بدحض صورة هذا الماضي الخطي، ولم تحظ تقريبًا بأي صدى يُذكر، وقالت: "لقد حالت الضرورة القومية دون السماح بأي شكل من أشكال التناقض أو الانحراف عن السردية المهيمنة، وساهمت المؤسسات المختصة في إنتاج المعرفة عن ماضي اليهود في ترسيخ ذلك، عبر أقسام التاريخ المخصصة حصريًا للشعب اليهودي (التاريخ في إسرائيل مقسّم بين أقسام للشعب اليهودي، والتاريخ العام"، وفقها.

النقاش في الصبغة القانونية حول "من هو اليهودي؟" لم يشغل بال المؤرخين الذين يعتقدون أن اليهودي هو سليل شعب أجبر على الخروج من أرضه منذ ألفي سنة، فلم يساهم هؤلاء الباحثون عن ماضي اليهود كذلك في نقاش ملتزم خاضه المؤرخون الجدد، إذ طرح بعض الفاعلين في الشأن العام القادمين من اختصاصات وخلفيات خارج الأوساط الجامعية، أفكارًا جديدة عن الماضي اليهودي والصهيوني.

المؤرخة حياة عمامو:

وشدّدت المؤرخة على أنّ سردية التاريخ القومي اليهودي لم تعرف أي نضج أو تطور منذ نشأة الكيان الصهيوني، ومع ذلك فإنّ تحيين الأحداث عن طريق البحث يطرح أسئلة مثيرة للدهشة، وفق تعبيرها، مثل: "هل يمكن أن نعتبر الكتاب المقدس كتابًا تاريخيًا؟".

  • هل يمكن أن نعتبر الكتاب المقدس كتابًا تاريخيًا؟ 

لا يرى المؤرخون اليهود خلال النصف الأول من القرن 19 (أغلبهم من الفكر اليساري) الكتاب المقدس، سوى كتاب لاهوت مؤسس لمجموعات دينية يهودية بعد تركيب الهيكل الأول، ولم يبرز المؤرخون الذين ينظرون إلى التوراة كفكر قومي إلا في النصف الثاني من القرن 19، فتحول خروج إبراهيم إلى كنعان، أو الخروج من مملكة داوود وسليمان الموحدة، إلى سرديات ماض قومي أصيل ما انفك المؤرخون الصهاينة يكررونه منذ أكثر من قرن فأصبحوا يدعون أنها حقائق توراتية فضلًا عن أنه الخبز اليومي للسياسة التربوية الصهيونية لأنه يدرّس في المدارس.

المؤرخة حياة عمامو: اكتشافات أثرية جديدة في ثمانيات القرن الماضي، زعزعت مكانة الأساطير التوراتية المؤسسة للكيان الصهيوني، إذ تتناقض مع إمكانية حدوث هجرة كبيرة في القرن 8 ق.م

ولفتت عمامو إلى أنّ الزلزال الذي حدث في ثمانيات القرن الماضي زعزع مكانة الأساطير التوراتية المؤسسة للكيان الصهيوني، ويتعلق ذلك بالاكتشافات الأثرية الجديدة التي تتناقض مع إمكانية حدوث هجرة كبيرة في القرن الثامن قبل الميلاد، كما أنّ النبي موسى لم يقم بإخراج العبريين من مصر وقادهم إلى أرض الميعاد، لأن هذه الأرض كانت في ذلك الزمن تحت سيطرة المصريين، ولا نجد علاوة على ذلك، أي أثر على ثورة للعبيد في إمبراطورية الفراعنة، ولا أثر لغزو سريع لبلاد كنعان من قبل عنصر أجنبي، ولا توجد إشارات تذكّر بفخامة ما ترويه السردية القومية التوراتية على مملكة داوود وسليمان، لأن كل ما وضحته الاكتشافات الأثرية الأخيرة هو وجود مملكتين صغيرتين وهما إسرائيل ويهوذا.

ولم يتعرض سكان مملكة يهوذا إلى أي نفي خلال القرن السادس قبل الميلاد، بل وحدها النخب السياسية والفكرية استقرت في بابل بالعراق، وقد كان التقاؤها مع الديانات الفارسية أساسيًا في ميلاد اليهودية التوحيدية، متسائلة: "فهل حدث فعلًا نفيٌ سنة 70 م الذي تتحدث عنه السردية التوراتية المؤسسة للكيان الصهيوني؟".

  • هل حدث فعلًا النفي الذي تتحدث عنه السردية المؤسسة للكيان الصهيوني؟

تعقّب عمامو وتقول: "من المفارقة أن هذا الحدث المؤسس في تاريخ اليهود الذي يستمد منه الشتات جذوره التاريخية لم يثمر أي كتاب بحث في هذه المسألة الحيوية، ولذلك لم يثبت تاريخيًا أن الرومان قد قاموا بنفي شعب بأكمله على الجانب الشرقي للبحر المتوسط، فباستثناء المساجين الذين تحولوا إلى عبيد، واصل سكان يهوذا العيش على أراضيهم حتى بعد تهديم الهيكل الثاني، وفي الأثناء اعتنق جزء منهم المسيحية ابتداء من القرن الرابع ميلادي، وانضم أغلبهم للإسلام أثناء الفتح العربي في القرن 7 ميلادي.

المؤرخة حياة عمامو: لا نجد أي أثر على ثورة للعبيد في إمبراطورية الفراعنة، كما لم يتعرض سكان مملكة يهوذا إلى أي نفي خلال القرن السادس ق.م

على أنّ انتصار المسيحية في بداية القرن 4 م، لم يؤد إلى ضمور اليهودية (وهي أول ديانة تبشيرية) وتراجعها، بل أدى إلى دفعها نحو التراجع إلى أطراف العالم، وأصبحوا بعد حرب 67 يدّعون أنهم من السلاسة المباشرة لمملكة داوود الكبرى وأنكروا تمامًا انتماءاتهم الإثنية المختلفة، وفي خطأ قاتل، أصر الكيان الصهيوني على تمجيد الإثنية المركزية لليهودية ما أدى إلى تغذية العنصرية التي تفرّق بين اليهودي وغيره من الأجناس الأخرى وخاصة العرب.