26-أكتوبر-2015

نجم الكوميديا المصري عادل إمام (جلال المرشدي/الأناضول)

مقال رأي 

 

لو أردنا الحديث عن الأحق بلقب "زعيم الكوميديا" في كلّ من مصر، وسورية، وتونس، قد لا يختلف المشاهدون والنقّاد على كلّ من عادل إمام، ودريد لحّام، والأمين النّهدي، كلّ في بلده على التّوالي، لكنهم لا يشتركون في تربّع عرش الكوميديا في بلدهم فقط بل يشتركون كذلك في كونهم، وإن بدت أعمالهم الفنية جريئة أحيانًا تجاه السلطة، فقد كانوا الأكثر تزلفًا في الواقع لهذه السّلطة والأكثر سعيًا للتقرّب منها على حساب حمل هموم شعبهم والدفاع عن تطلّعاته أمام الكاميرا ووراءها، استجابة للدور المنتظر من الفنان. وقد كانت الثورة العربية المجيدة التي اندلعت في تونس ورمت برياحها في مصر وسورية، كاشفة لذلك فكانوا فناني الشعب لكن أمام الكاميرا فقط.

لم يؤيد إمام ثورة الخامس والعشرين من يناير حين اندلاعها بل هاجم الشباب المتظاهر في الميادين 

عادل إمام "زعيم" لكن "هلفوت"

بقدر ما بدا عادل إمام ثائرًا في مسرحيته "الزّعيم" منضمًا في نهايتها إلى الشّعب في مواجهة عصابة السلطة، بقدر ما كان مؤيدًا للزعيم الحقيقي في بلاده مبارك طيلة سنوات حكمه غير آبه بهموم شعبه. فلم يخف عادل إمام طيلة لقاءاته السابقة دعمه لمبارك إذ كان يصرح دائمًا بأنه مرشّحه المفضّل في الانتخابات الرئاسية. وقبيل اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير بأشهر قليلة ومع تصاعد الجدل حينها حول سيناريو التوريث، صرّح إمام أنه سيصوّت لصالح جمال مبارك حال ترشّحه للانتخابات، مهاجمًا الإخوان ومحمد البرادعي.

ولم يؤيد إمام ثورة الخامس والعشرين من يناير حين اندلاعها بل هاجم الشباب المتظاهر في الميادين. ثم لم يلتحق بركب المرحّبين بالثورة إلا إثر تنحية صديقه مبارك حينما لم يبق له إلا ذلك الخيار على غرار أغلبية الفنّانين في مصر لحفظ ماء الوجه ولو قليلًا. ثم وأثناء إدلائه بصوته في انتخابات الجولة الثانية من رئاسيات 2012، رفض إمام إعلان المرشح الذي صوّت له، وذلك هو الأصل فهو لا يعلن دعمه إلا لمن يوجد في كرسي السلطة مهما كانت خلفيته. وحين حكم مرسي، لم يخف تملّقه عبر تصريحات مختلفة ومنها تصريح قال فيه حرفيّا إن "فوز مرسي برئاسة مصر هدّأ من توتر الأوضاع".

وإثر انقلاب الثالث من يوليو، أعلن إمام دعمه للسيسي مباركًا لاحقًا ترشيحه للرئاسيات ومصرّحًا أنه "لا يرى رئيسًا لمصر غيره". ومؤخرًا، نشرت الصّفحة الرسمية لعادل إمام على فيسبوك صورة تجمعه بجمال مبارك قبل أن تحذفها بعد سويعات إثر الجدل الواسع الذي أثارته بين معجبيه. وهذا هو "الزعيم" و"الهلفوت". من جهة أخرى، يرى كثيرون أن الأفلام التي قدّمها إمام في بداية التسعينيات حول الإرهاب لم تكن مجرد خيار فني، بل كانت تتكامل وتوّجه السلطة السياسية وتعكس رؤيتها التي شجعت على إنتاجها، وبذلك كان إمام "كومبارس" قبل أن يكون بطلًا.

"غوّار" مؤيد لنظام بشّار

"كنت أحبّك أما الآن يا سيدي فقد انقلب حبي إلى عشق"، هكذا كتب الفنان دريد لحّام على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك في بداية شهر سبتمبر/أيلول الفارط موجهًا حديثه إلى بشار الأسد. وقد تلخّص هذه الجملة المأخوذة من قصيد مدحيّ طويل حجم دعم دريد لحّام منذ اندلاع الثورة السورية للنظام السوري والأسد المسؤول الأول عن قتل مئات الآلاف من السوريين وتهجير الملايين من بيوتهم إلى الملاجئ في الدول المجاورة وإلى شواطئ جنوب أوروبا إن وصلوها أحياء.

ففي سياق دعمه المطلق لرئيسه، سبق وأن هاجم لحّام بقوّة الفنانين الذين دعموا الثورة الشعبية خاصة إثر بيان الحليب في 2011 متهمًا إياهم بالخيانة والعمالة. هكذا هو غوّار مؤيد "الجزار". وغوّار الطّوشة هي الشخصية الشهيرة التي قدّمها دريد لحام ومثّلت أيقونة لصورة المواطن العربي البسيط. ورغم تناول أعمال دريد لحام القضايا السياسية وهموم الشعب العربي على غرار مسرحية "كاسك يا وطن" حتى بدا عن طريق أدواره صوتًا لمن لا صوت له في سورية، لكن الصورة الحقيقية كانت غير ذلك.

رغم تعرّضه لبعض المضايقات زمن بن علي، لم يكن الأمين النّهدي بطلًا مغوارًا معارضًا للسلطة كما يُحاول أن يصوّر نفسه دائمًا

فمع الفرز إثر اندلاع الثورة السورية، اختار لحّام الاصطفاف إلى جانب قاتل شعبه فانقلب لحّام الممثّل عن لحّام الذي عرفته الجماهير طيلة عقود في أفلامه ومسرحياته أو على الأقل عن لحّام الذي كان يُنتظر منه أن يصطف إلى جانب شعبه كما بدا على خشبة مسرح، ولذلك يتصدّر اليوم دريد لحّام قائمة الفنّانين الدّاعمين للنظام السوري والتي يحلو للبعض تسميتها بالفنانين "الشبيحة".

النّهدي من أتباع "حزب اللّطيف"

رغم تعرّضه لبعض المضايقات من جهاز الرقابة في عهد بن علي، لم يكن الأمين النّهدي بطلًا مغوارًا معارضًا للسلطة كما يُحاول أن يصوّر نفسه دائمًا، إذ لم يُعرف عنه أي موقف علني معارض للسلطة سواء قبل اندلاع الثورة أو أثناءها بل كان ولا يزال يؤكد شكره الدائم لبن علي لدعمه له في أزمة صحيّة سابقة.

وفي مسرحيته الأخيرة "ليلة على دليلة" التي تناول فيها معاناة المواطن التونسي في ظلّ الأوضاع الصعّبة للبلاد بأسلوب كوميدي ساخر، انطلق النّهدي من ثنائية اختلاف الوضع بين ما قبل الثورة وما بعدها، وكأن الوضع كان أفضل حالًا قبل الثورة حتى جاءت الثّورة وأفسدت الأمور. وتكشف هذه الثنائية البيّنة في نصّ المسرحية، التي شارك في كتابتها النّهدي نفسه، بشكل بيّن رؤيته وكيفية معالجته كفنّان للمشهد والمستجّدات التي حلّت بالبلاد.

في المقابل، يبدو منافسه الأول في المسرح الكوميدي وهو الفنان رؤوف بن يغلان أكثر التزامًا وانخراطًا في القضايا الفكرية والسياسية وأكثر جرأة في الدفاع عن مواقفه إذ شارك مؤخرًا في اجتماع شعبي للمعارضة لرفض قانون المصالحة الاقتصادية الذي اقترحته رئاسة الجمهورية.

ولقد سبق وأن سُأل النّهدي حول حقيقة دعمه للحزب الحاكم الحالي، فنفى ذلك قائلا بأنه من أتباع "حزب اللّطيف" في إشارة إلى أنه غير مهتمّ وغير آبه بالشأن السياسي. وقد لا يعلم الأمين أن المعضلة قد تسكن هنا، حينما يكون الفنان متجاوزًا لقضايا المجتمع ودوره في إعلاء قيم الحق، بدل أن يكون مجرّد مهرّج على خشبة، هدفه الإيرادات المالية والمحافظة على زعامة هي في الأصل مبتورة.

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"