07-يناير-2019

أدى يوسف الشاهد زيارة إلى منطقة مشراوة التابعة لجندوبة يوم الجمعة الفارط

 

مقال رأي

 

تونسيون، ليسوا في نظر الدولة سوى أرقام في سجلات الولادات والوفايات والتعداد السكاني، تونسيون يعرفون الدولة ويأملون ودّها ولكنها لا تعرفهم.

هناك في الشمال الغربي، عائلات ترزح تحت عبء الفقر والإرهاب وقسوة المناخ وتجاهل الدولة لواجباتها تجاهل مواطنيها، هناك في جندوبة مواطنون من الدرجة الثانية. في جندوبة مواطنون ألفوا الفقر وألفهم، الفقر تلك المفردة المؤلمة والقاسية والمرعبة، تلك الكلمة التي تتسلل بين ثنايا الإنسانية بقوة النظم السياسية والمجتمعية.

هناك في جندوبة وربوع أخرى من الوطن تقع على خط النسيان والتهميش والإرهاب والترهيب، تعشش الفاقة وتعمقها قسوة الطبيعة والمناخ، ولكم أن تتخيلوا أناسًا يعيشون داخل أكواخ متداعية آيلة للسقوط، يحاصرهم البرد القارس والثلج في الخارج ويخيم حولهم شبح الإرهاب.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا لا تمتلك القصرين خالًا مثل حسيب بن عمار؟

يوم الجمعة الماضي كانت مشراوة التي تسود فيها مظاهر الخصاصة، قبلة لرئيس الحكومة ونحن على أعتاب سباق انتخابي يبدو أن الشاهد سيكون أحد أطرافه

ولئن كان الفقر ظاهرة قديمة متجدّدة في تاريخ الإنسانية، إلا أن تمظهراته ووطأته تختلف باختلاف السياسات والظرفيات، فأن تستثمر وضعية الفقر لأغراض سياسية وشعبوية بحتة فهذا سيعمّق وقعه على المتضررين منه.

وحالات الفقر قد تختلف من حيث الأرقام لكنها تتشابه في وقعها على الإنسان، وفي تعامل السلطات معها، نفس نظرات الانكسار والأمنية تراها في عيون أولئك الذين يعيشون خارج السياق ونفس الوعود تتهاطل عليهم كل شتاء واستحقاق انتخابي.

وفي منطقة مشراوة بعين دراهم تعيش مئات العائلات تحت خط الفقر في أكواخ بالية لا تقيهم عصف الرياح ولا هطول المطر، والحال لا يختلف كثيرًا في مناطق أخرى من الجمهورية التونسية.

ويوم الجمعة الماضي، كانت مشراوة التي تسود فيها مظاهر الخصاصة، قبلة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد، ونحن على أعتاب سباق انتخابي يبدو أن الشاهد سيكون أحد أطرافه. هي زيارة، قيل إنها غير معلنة، مع أن الأمر لن يختلف كثيرًا إذا تم الإعلان عنها، فلن يكون من الهين طمس كل معالم الفقر، ولا تعبيد المسالك التي يصعب السير فيها ولا طلاء الممرات المفقودة.

وخلال وجوده بمشراوة، عاين رئيس الحكومة ظروف عيش عدد من العائلات، معاينة قرر إثرها الشروع الفوري في تحسين سكن ألف عائلة معوزة في ولايات جندوبة والكاف وسليانة والقصرين بقيمة 5 مليون دينار تشمل كل العائلات الموزعة على المعتمديات المعرضة لموجات البرد القارس.

حزمة القرارات التي أعلن عنها الشاهد من شأنها أن تغير واقع المهمشين والمفقرين لكن عيبها أنها تندرج في إطار وعود انتخابية وتسجيل نقاط في اللعبة السياسية

اقرأ/ي أيضًا: القليل من الحكمة لحلحلة أزمة المدرّسين في تونس..

وحزمة القرارات التي أعلن عنها الشاهد من شأنها أن تغير واقع المهمشين والمفقرين ولكن عيبها أنها تندرج في إطار وعود انتخابية وتسجيل نقاط في اللعبة السياسية. لم انتظر الشاهد سنة 2019 لإعلان هذه القرارات؟ هل ضلّت مطالب أهالي الجهات المهمشة طريقها إلى المجالس الوزارية؟ ولم يبلغ صداها الشاهد إلا مع قرب الاستحقاقات الانتخابية؟

والإجابات عن الأسئلة السابقة لا يتطلب الكثير من الحكمة فهي كامنة في توقيت الإعلان عن الزيارة وظرفيتها، ففي الوقت الذي تكاد لا تنقطع فيه الاجتماعات استعدادًا للإعلان عن "حزب الشاهد الجديد"، يجعل الشاهد من مآسي الفقراء جسرًا لطموحاته السياسية.

وصور الشاهد مندسًا وسط المهمشين بنظراتهم وكلماتهم وهيئاتهم البسيطة تحيلنا إلى الزيارات التي كان يؤديها بن علي إلى المناطق النائية كلّما أراد أن يرفع من أسهمه في البورصة السياسية.

التوجه نحو الاستثمار في الفقر والتهميش وإن كان لا يتناسب مع حجم هذه المآسي ووقعها على الناس فإنّه جسر البعض لبناء مستقبل سياسي

وزيارة العائلات الفقيرة لالتقاط بعض الصور وإعلان حزمة من الوعود التي تتبدّد ما إن يغادر المتاجرون بالمآسي الأكواخ البالية ويمضون في سيارتهم على طريق يصعب السير فيه، أصبحت صيحة يعتمدها بعض الأشخاص للظهور في صورة رجال الدولة الذين يهتمون لمشاكل المواطنين في كافة ربوع البلاد.

والاستثمار في الفقر والتهميش ليس بظاهرة جديدة أو مستحدثة سواء في السياسة أو المجتمع، وقد يؤدّي الاستثمار في مآسي الناس أحيانًا إلى تعميق إحساسهم بالتهميش، وهو ما حصل خلال زيارة الشاهد إلى مشراوة حيث لم تميّز مواطنة "سيادة الرئيس" وتوجّهت بالصفة لوالي الجهة.

والتوجه نحو الاستثمار في الفقر والتهميش وإن كان لا يتناسب مع حجم هذه المآسي ووقعها على الناس، فإنّه جسر البعض لبناء مستقبل سياسي على أنقاض نفوس دمرها عدم تكافؤ الفرص بين الجهات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

في رذيلة استقبال أمير المنشار في تونس

العتبة الانتخابية الجائرة والانتقال الديمقراطي