25-نوفمبر-2018

استقبال ابن سلمان هو قبلها خيانة لمبادئ الثورة التونسية وقيمها (فائز نورالدين/أ.ف.ب)

عادة ما يتفادى العديد الظهور علانية حذو من اشتهر بفاحش القول وشيْن السلوك وسوء الفعل، وذلك كي لا يجلب لنفسه، لدى الخاصة أو العامة، شبهة، وكي لا يُقال إنه يعرف، وليس مجرد يصادق، ممن لا يُرى إلا بعين النقيصة.

لا تبعد الصورة كثيرًا في العلاقات الدولية بالنسبة للسفاحين ومجرمي الحرب، في علاقة بالدول التي تأخذ من الدفاع عن قيم ما كرأسمال لصناعة النفوذ، وهو ادعاء دفاع، وكذا فرضًا من الدول التي تجددت أنظمتها على وقع ثورات وذلك في لحظة استدعاء، وليس ادعاء، لقيمها، قيم الثورة، في رسم السياسات وذلك في اختراق مؤقت، وربما فريد، للبعد المصلحي البحت للعلاقات الدولية.

 زيارة السفاح محمد بن سلمان عار ورذيلة لتونس وهي تأتي ضمن جولة استعراضية يسعى من خلالها ولي العهد السعودي للخروج من عزلته الدولية

وتُحمل على تونس، وهي "الإجابة" في الحد الأدنى عن سؤال الثورة العربية المجيدة، رسائل واجبة من هذا المنطلق، خاصة وأنها تمثل نبض الشارع العربي، وهي التي استطاعت أن تتجاوز، أو تفلت، من مخططات التآمر المستهدفة لمسارها الديمقراطي، وللحق العربي في الحرية والكرامة. قدمت تونس موقفًا مشرفًا من الثورة السورية وطردت سفير نظام التشبيح سنة 2012 في قرار شرف كلّف من اتخذه الكثير، وانحازت للشعب المصري رفضًا لانقلاب الجيش سنة 2013، وهي ملزمة أن تتبنى ديبلوماسية تستجيب لقيم ثورتها وتنحاز للقضايا العادلة للشعب العربي خصوصًا.

تمثل، بذلك، زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أمير المنشار، كما بات يُنعت في العالم، إلى تونس، عار ورذيلة. لم يزر ابن سلمان تونس منذ صعوده لولاية العهد قبل نحو 4 سنوات، والزيارة المنتظرة لا تهدف لتعزيز العلاقات الثنائية معها، ولا لإبرام عقود وصفقات استثمارية سعودية، بل تهدف فقط لتبييض صورة "أمير المنشار" الذي يعيش عزلة دولية بعد ثبوت تورطه الشخصي في إزهاق روح الكاتب الصحفي جمال خاشقجي بطريقة فضيعة. أزمة لا تزال تهدد أحلامه لبلوغ كرسي العرش، وهو يعوّل على تواطئ ترامب في التغطية عليه مقابل استمرار مسلسل ابتزازه بشكل بات مهينًا، سعوديًا وعربيًا، أكثر من أي وقت مضى.

اقرأ/ي أيضًا: خيبة تورط تونس مع مملكة آل سعود

وقد نقل الديوان الملكي السعودي أن جولة ابن سلمان تأتي بدعوات من الدول المستضيفة، والمرجح أن السبسي قد وجه فعلًا دعوة لابن سلمان سابقًا، على الأقل بمناسبة المؤتمر الدولي للاستثمار "تونس 2020" الذي انعقد نهاية 2016. ولكن لم يستجب لتلك الدعوة ولم يزر تونس طيلة السنوات الماضية، وهو لطالما تآمر على ديمقراطيتها، ولا يريد أن يظهر مباركًا لمسارها، وهو ما انعكس في محدودية الاستثمار السعودي في تونس. ولكن يقرّر الاستجابة، في الوقت الحاضر، لدعوة زيارة تونس، التي يُنظر إليها في الإعلام الدولي بأنها النموذج الوحيد الناجح في "الربيع العربي"، وذلك بغاية مصلحية بحتة لتبييض صورته دون أي مصلحة تونسية، بل بالعكس ستضرّ بصورة تونس أمام العالم، في وقت يُنتظر أن نشاهد في أعمال قمة العشرين كيف سيتفادى بعض الرؤساء المشاركين الظهور في محادثة ثنائية مع السفاح أمام وسائل الإعلام.

يتداعى، في الأثناء، حراك شعبي ومدني وسياسي رفضًا أن يغسل السفاح جرائمه عبر تونس التي اكتوت بنار تآمر محور الشر العربي، السعودي الإماراتي. والعار أن يقيل الباجي قايد السبسي لعب دور المبيّض للسفاحين ومجرمي الحرب، والحال كان يمكن طلب تأجيل الزيارة لوقت لاحق على الأقل، وهو ما يبدو الموقف الرسمي المغربي وفق ما نقلت تقارير صحفية متواترة، فيما لم تؤكد بعد السلطات الجزائرية استقباله، وهو ما يؤكد مدى الحرج والثقل الذي يحمله استقبال مجرم كابن سلمان.

لكن ما يثير الريبة حول هذه الزيارة أيضًا هو أنها تأتي في سياق متغيّرات في التوازنات الداخلية في تونس مع انضمام رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي، وحزبه نداء تونس، لدفة المعارضة للحكومة التي يتحالف فيها رئيسها يوسف الشاهد مع حركة النهضة. توجد خشية جدية أن السبسي يسعى للعب أوراق الاستقواء الإقليمي مع الحلف السعودي الإماراتي، وهو ليس بغريب بالعودة لزمن ما قبل 2014، حينما كانت السيارات الإماراتية تُرسل هبة لحماية السبسي، الذي لم يغامر لاحقًا في مخطط محور الشر العربي بعد 2014، وقد صرح وألمح في أكثر من مناسبة عن المطلوب وكلفته، والأمر يتعلق أساسًا بالتعامل مع الإسلاميين.

من العار أن يقبل الباجي قايد السبسي لعب دور المبيّض للسفاحين ومجرمي الحرب باستقبال ابن سلمان في خيانة لقيم الثورة التونسية

لكن يبدو أن شعور السبسي مؤخرًا باستصغاره وتهميشه من الشاهد والنهضة، قد يجعله يغامر مجددًا في السنة الأخيرة في قرطاج، بلعب ورقة الاستقواء الإقليمي، خاصة وأنه محاط، سواء في القصر أو الحزب الذي يقوده ابنه، بشخصيات دائمًا ما تدفع نحو هذا الخيار.

وما يزيد في هذه الريبة هو استقبال السبسي، قبل أيام، رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، وهو أبرز رجال الأعمال المنخرطين فعلًا لا تواطئًا فقط في الانقلاب العسكري في مصر، ومن المقرّبين من دوائر صنع القرار في أبو ظبي على وجه التحديد. لم يُستقبل ساويرس، الذي قال إنه جاء للحديث عن دعم استثماراته، مع رئيس الحكومة أو عضو منها متخصص في الملف الاقتصادي، إذ لم يستقبله إلا السبسي وحزب نداء تونس المنضم للمعارضة، دون استقباله من أي من أحزاب الائتلاف الحاكم بما في ذلك حزب مشروع تونس. وما يزيد في إثارة الريبة أن ساويرس زار السبسي سنة 2014 في خضم الحملة الانتخابية. وقد انتقد وقتها الرئيس السابق المنصف المرزوقي هذه الزيارة، وقد وصف حينها رجل الأعمال المصري بأنه "عراب الثورات المضادة".

يدّعي السبسي، في الأثناء، أنه يرفض الدخول في سياسة المحاور الإقليمية، ولكنه يتورط يومًا بعد يوم في الاصطفاف خلف العربية السعودية، بداية من تنظيم مناورات عسكرية مشتركة مع جيش طيرانها المتورط في ارتكاب جرائم حرب في اليمن، وثم التصويت المهين ضد اللجنة الأممية التي يقودها كمال الجندوبي للتحقيق في الانتهاكات في اليمن، وبعدها الموقف الخسيس في اغتيال خاشقجي، ليتواصل الآن مسلسل الاصطفاف باستقبال السفاح ابن سلمان.

يخون السبسي بتوريط الديبلوماسية التونسية في انحياز مهين مع السفاح السعودي، وهو انحياز غير نفعي حتى لدى من يفكرون بصفة مصلحية في ظل ضعف الاستثمار السعودي في تونس. هي خيانة لوعده بعدم الاصطفاف، ولكنها قبلها خيانة لمبادئ الثورة وقيمها، ولزوم بناء ديبلوماسية تونسية تضمن المصالح العليا للدولة بما يتلائم مع الدفاع عن حقوق الشعب العربي والقضايا العادلة والانتصار للمظلومين في كل مكان، وهو التزام في توطئة دستور 2014 المعمّد بدماء الشهداء.

 

اقرأ/ي أيضًا:

في لزوم تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني

نقابة الصحفيين للسبسي: استقبال ابن سلمان خطوة استفزازية واعتداء على ثورتنا