03-أبريل-2020

الثابت لدى الجميع أنّ الصين هي المصدر الجغرافي الذي مثل المحطّة الأولى لفيروس كورونا (صورة تقريبية/ getty)

 

إذا نظرنا إلى الأمور بخلفية نفعية أو جزائية قلنا إن "الأشياء بخواتيمها"، أمّا إن ارتأينا المقاربات التوثيقية والعلمية، فالأرجح أن ترتكز وجهتنا التحليلية على النظر في الأصول والأسباب والمنطلقات، فأخطر الأحداث والمواقف والقرارات تكمن في بداياتها، ذلك أنّ العتبات والمقدمات في جلّ التجارب أعلق بالقلوب والأذهان من التبعات والتطورات، فهي أوسع انتشارًا في الكتب والمؤلفات، وهي من أدق العيّنات والمراجع في الأخبار والبحوث سواء في التاريخ أو الفكر أو العواطف أو الطب أو في سائر الميادين الفنية والأدبية والرياضية والعسكرية.

لم تمهل الكورونا الوقت لوزير الصحة في تونس ليسترد أنفاسه بعد صراع الترشيحات والانتخابات ومعارك التعيينات والتسميات الحكومية

من العبارات المعتمدة في وصف البدايات تثمينًا وتأثيمًا، الشرارة الأولى، البيان الأوّل، ساعة الصفر، صافرة البداية، الافتتاح، الإصابة الأولى، أوّل العنقود، الصدارة، نقطة الانطلاق.. ولأنّ وباء كورونا هو الشغل الشاغل هذه الأيام في الأنفس وفي المشاهد والصور والألسنة والأقلام، ارتأينا النظر في عدد من البدايات الكمية والنوعية التي كانت لها تبعات هامّة في العالم وفي تونس، فألفينا عشرًا على الأقل.

اقرأ/ي أيضًا: كيف يعيش الموظف يومه في البيت زمن "الكورونا"؟

1- المكي من معركة التعييينات إلى حرب الكورونا(ت)

تمّ الإعلان عن أوّل إصابة بفيروس كورونا في تونس يوم الاثنين 2 مارس/ آذار 2020، المصاب عاد من إيطاليا يوم الأربعاء 25 فيفيري/ شباط 2020 وظهرت عليه أعراض المرض يوم السبت 29 من نفس الشهر، قبل ذلك بيومين أي يوم 27 فيفري/ شباط نالت حكومة إلياس الفخفاخ ثقة البرلمان، هذا التزامن النسبيّ بين الأحداث ظاهره لا يزيد عن الإخبار، وفي بعض دقائقه نظر وتعليق.

التعليق الأوّل يرتبط بعبد اللطيف المكي وزير الصحة الذي لم تمهله كورونا الوقت ليسترد أنفاسه بعد صراع الترشيحات والانتخابات ومعارك التعيينات والتسميات الحكومية، ولم تترك له هذه الجائحة الفرصة الكافية ليتحسس مكتب الوزارة، ويتملّى في أروقتها، ويفتح ملفاتها المزمنة التي كانت في انتظاره، فقد تخطّى الوباء كلّ الحواجز والطوابير، وتقدم رافعًا نفسه إلى أعلى سلّم الأولويات، فأرغم الوزير على الدخول في المعمعة دون مقدمات، فكانت الحرب منذ بدايتها حامية ملحمية خطيرة ودقيقة، فقد اقتضت مواجهة تجمع بين ردود الفعل الآنية والقرارات السريعة والاستباقية من جهة والتخطيط متوسط المدى وبعيد المدى من جهة أخرى، وممّا زاد الأمر تعقيدًا الدخول في جبهات جانبية ذات أبعاد ماديّة وتشريعية وسياسية وأمنية، فتحولنا من حرب الكورونا إلى حرب "الكورونات".

جمعت تجربة الكهل الأربعيني بين اللذعة واللذة فقد احتكر لقبين متضادين، فهو أول المصابين، وهو كذلك أول من تماثل للشفاء في تونس

التعليق الثاني يتصل بمصدر الوباء، فقد ثبت أنه وافد دخيل، وهو ما جعل الكثيرين يعتبرون هذه المحنة في جانب منها سليلة التردّد والتقصير، فقد تعالت منذ منتصف شهر فيفري/ شباط ( في فترة حكومة تصريف الأعمال) أصوات تنادي باتخاذ أعلى درجات التوقّي الجماعي، ومنها إغلاق المجال الجوّي، وكان التبرير المعلن ينطوي على معطى صحّي يتمثل في سرعة انتشار الوباء ومعطى مادّي يستند إلى ضعف التجهيزات في المستشفيات وصعوبة مواجهة هذه الجائحة عند حلولها، وقد عُدّت التجربة الإيطالية الدولة المجاورة متوسطيًا مرجعًا غالبًا ما يستند إليه التونسيون طلبًا للاتعاظ من الأخطاء.

2- الجمع بين اللذعة واللذة

جمعت تجربة الكهل الأربعيني بين اللذعة واللذة، فقد احتكر لقبين متضادين، فهو أول المصابين، وهو كذلك أول من تماثل للشفاء، فأدخل الفرحة إلى أهله وإلى الإطار الطبي والتونسيين الذين وجدوا في الخبر بعض الآمال والبشائر، فقد أعلنت أمال اللطيف رئيسة قسم الأمراض الجرثومية بمستشفى فرحات حشاد بسوسة عن شفاء أوّل مصاب بفيروس كورونا يوم 17 مارس/ آذار 2020، بهذا تكون فترة العلاج قد تواصلت بداية من الإعلان عن الإصابة خمسة عشر يومًا.

3- أول وفاة وبداية التداعيات

يوم 18 مارس/ آذار 2020، أي بعد يوم فقط من شفاء الكهل الأربعيني، توفيت امرأة مسنة قادمة من تركيا أثناء التزامها الحجر الصحّي، وبعد إجراء الاختبار، أعلن سامي الرقيق المدير الجهوي للصحة بسوسة أنّ الإطار الطبي قد تحقق من إصابتها بفيروس كورونا، يومها بدأ الحديث عن بداية التداعيات الصحية الخطيرة والجادة للوباء في تونس، وهو ما يقتضي إجراءات وقائية جماعية أكثر حزمًا.

اللافت أن عددًا كبيرًا من التونسيين لم يلتزموا بهذا الحظر التزامًا محكمًا

4- حكمة أم تتطاول على المقدسات

يوم 13 مارس/ آذار 2020، أوّل يوم يتمّ فيه تعليق صلاة الجماعة في تونس توقيًا من كورونا، وذلك ضمن مجموعة من القرارات اتخذها إلياس الفخفاخ رئيس الحكومة، ولئن عدّ البعض هذا الإجراء خاصّة في الساعات الأولى تطاولًا على المقدسات فقد اعتبره الغالبية آية حكمة وجرأة، وقد نحت العديد من الدول هذا المنحى، ففي السعودية بدأ تعليق صلاة الجماعة يوم الثلاثاء 17 مارس/ آذار، أما في مصر فقد اتخذت وزارة الأوقات والجامع الأزهر الشريف هذا القرار بداية من يوم 21 مارس/ آذار 2020.

اقرأ/ي أيضًا: "وينو الدواء".. صرخة مرضى الذئبة الحمراء من أجل الحق في الحياة

5- ما لا يُدرك بالوعي لا يُدرك بالحظر

دخلت تونس يوم الأحد 22 مارس/ آذار 2020 في بداية الحظر الصحي الشامل الذي أعلن عنه قيس سعيد رئيس الجمهورية إلى حدود يوم 4 أفريل/ نيسان، وقد وقع لاحقًا تمديد مدة الحظر إلى يوم 19 أفريل/ نيسان تزامنًا مع بلوغ أكثر من 400 إصابة بفيروس كورونا.

اللافت أن عددًا كبيرًا من التونسيين لم يلتزموا بهذا الحظر التزامًا محكمًا، تقوم دليلًا على ذلك المشاهد والصور التي نقلها الإعلاميون والمدونون من محطات الحافلات والمترو ومن مداخل بعض المؤسسات ذات الصبغة الاجتماعية، وهو ما يدفعنا إلى القول إنّ ما لا يُدرك بالوعي لا يدرك بالحظر.

وقد توجت ذاك الشعور بالخيبة صيحة فزع صدرت عن نصاف بن علية مديرة مرصد الأمراض الجديدة والمستجدة في إحدى الندوات الصحفية، قالت فيها بغضب خالطته لوعة: "أطالب الجميع بالالتزام بالحجر الصحي.. إذا لم نلتزم ستكون العواقب وخيمة على الجميع، جميعنا معنيون بالإصابة، سنخسر أفرادًا من عائلاتنا وأقاربنا وأصدقائنا..".

الثابت لدى الجميع أنّ الصين هي المصدر الجغرافي الذي مثل المحطّة الأولى لفيروس كورونا قبل أن ينتشر في جلّ أرجاء المعمورة

6- في إيطاليا الوفود السياحية أصل البلية

تزامنًا مع بلوغ عدد الوفيات في الصين 177 وعدد المصابين حوالي عشرة آلاف، حصلت يوم الخميس 30 جانفي/ كانون الثاني 2020 أوّل إصابة بفيروس كورونا في إيطاليا، لكن بعد شهرين فقط من هذا التاريخ بلغ عدد الوفيات أكثر من 13 ألفًا وتخطّى عدد المصابين 110 ألفًا.

وقد أرجع المتابعون هذه الكارثة الصحية إلى أسباب عديدة في مقدمتها الاستخفاف، فقد تواصل استقبال الوفود السياحية القادمة من دول شتى بما فيها الصين، فكان هذا البلد الآسيوي مصدر أوّل طعنة وبائية تصيب إيطاليا والقارة الأوربية، وهو ما يؤكد أن التردّد والافتقار إلى القرارات الاستباقية الصارمة قد مثل العامل المشترك بين جلّ الدول، يتجلى ذلك بوضوح من خلال السيناريو الإسباني والمسار الوبائي الأمريكي.

7- أمريكا الأولى.. حتّى في الوباء

عبارة "أمريكا الأولى" كانت قبل أسابيع تحملنا عبر محركات البحث في الانترنت إلى مقالات وكتب وصور ومشاهد تتصل بالمجال الاقتصادي والعلمي والعسكري والرياضي والفني، فالتفوق الأمريكي يكاد يكون شاملًا في جلّ الميادين، لو أعدنا النظر هذه الأيام كرة ثانية في نفس المحركات لحملتنا العبارة إلى عناوين تكشف لنا تصدر بلاد "العم سام" العالمَ في عدد المصابين بفيروس كورونا، فقد أصاب هذا الوباء إلى حدّ يوم الخميس 2 أفريل/ نيسان حوالي 240 ألفًا، وهو ما ينذر بتخطّي عتبة الربع مليون مصابًا في الساعات القادمة إذا تواصل النسق على هذا النحو المتصاعد، ممّا جعل إدارة ترامب تخضع إلى الأمر الواقع في كثير من الإجراءات الوقائية، فتتخطّى بذلك موجة التعالي والاستفزاز الذي مارسته في علاقة بالصين التي مثلت المصدر الجغرافي الأول للوباء.

لا  فرق عند الكورونا بين ذكر و أنثى ولا بين غني وفقير ولا بين ملك أو مواطن من عامّة الناس إلا بالتوقي

8- في البدء كانت الصين

الثابت لدى الجميع أنّ الصين هي المصدر الجغرافي الذي مثل المحطّة الأولى لفيروس كورونا قبل أن ينتشر في جلّ أرجاء المعمورة، ولئن اتفق كل المتابعين على حدوث أول إصابة في مدينة ووهان بمقاطعة هوبي، فقد ظلّ تاريخ الواقعة مفتقرًا إلى الدقة، فثمة من يكتفي بالإشارة إلى منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2019، وثمة من ادعى أن البداية كانت يوم 12 من نفس الشهر، في حين  تؤكد بعض المصادر العلمية أنّ التاريخ الأدق يرجع إلى17 نوفمبر/ تشرين الثاني، الثابت في كلّ الأحوال أن الفيروس قد ظهر أول مرة في نهاية سنة 2019.

وقد حمّل الباحثون والسياسيون هذا الارتباك في التحديد الزمني إلى ما تتصف به الصين في رأيهم من ميل إلى التعتيم والمغالطة، وكان لهذه السياسة حسب ترامب رئيس الولايات المتحدة أثر في الانتشار الواسع للوباء.

اتسع السجال ليتخطّى مسألة تاريخ الإعلان عن الفيروس ليشمل التسمية فقد تحوّلت إلى موضوع تنابز بين الصين والولايات المتحدة تجلي ذلك خاصة من خلال إصرار ترامب في البداية على نعته بالفيروس الصيني رغم أنّ منظمة الصحة العالمية قد حسمت الأمر.

9- منظمة الصحة العالمية وسياسة الحسم

اعتبرت منظمة الصحة العالمية بداية من يوم الأربعاء 11 مارس/ آذار 2020 فيروز كورونا وباء عالميًا بعد أن بلغ عدد المصابين حول العالم آنذاك 110 ألفًا وتجاوز عدد الوفيات الأربعة آلاف، ولئن أكدت أنّ هذه الجائحة يمكن السيطرة عليها فقد دعت إلى اتخاذ كلّ شروط التوقي.

وكانت منظمة الصحة العالمية قبل ذلك قد أنهت الجدل حول تسمية الفيروس فاعتمدت المعيار العلمي، ففي 11 فيفري/ شباط 2020 أعلن تيدروس أدهانوم غيبريسوس المدير العام للمنظمة عن الاسم العلمي Covid-19،  وقد تم نحت هذا الاسم من ثلاث كلمات ورقم، "كورونا" و"فيروس" و"مرض" والرقم 19 المحيل إلى السنة التي ظهر فيها الوباء أي آخر عام 2019.

فتم بذلك "الالتزام بالتوجيهات المتفق عليها بين منظمة الصحة العالمية والمنظمة العالمية لصحة الحيوان ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة على تحديد أسماء الأمراض والأوبئة دون الإشارة إلى موقع جغرافي أو حيوان أو فرد أو مجموعة من الأشخاص" وفق تعبير المدير العام لمنظمة الصحة العالمية.

10- لا فرق بين عبد وسيّد إلّا بالتوقّي

التباعد والامتناع عن لمس الأسطح والتعقيم من أوكد الاحتياطات التي ينبغي اتخاذها للنجاة، تلك أحكام كورونا، فلا فرق عندها بين ذكر و أنثى ولا بين غني وفقير ولا بين ملك أو مواطن من عامّة الناس إلا بالتوقي، آية ذلك فتكُ هذا الوباء بالعديد من الأسياد والوجهاء، ويمكن اعتبار الأميرة الإسبانية ماريا تيريزا من بوربون بارما، أوّل ضحية ذات منزلة ملكية تصيبها كورونا إصابة أفضت إلى موتها يوم الخميس 26 مارس/ آذار 2020، وقد أحصت بعض التقارير عديد الشخصيات العسكرية والرياضية والفنية والسياسية التي كانت فريسة الوباء فأصابت الكثير منهم وقتلت بعضهم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"أحكيلي".. منصّة مساعدة نفسية لمواجهة "الكورونافوبيا"

كيف استعدت أقسام الاستعجالي لتقبل المصابين بكورونا؟.. أطباء يجيبون