حذّر المستثمرون في قطاع الجلود والأحذية منذ سنوات من اندثار هذه الصناعة في تونس بسبب تهريب أغلب منتجات الجلود والأحذية عبر الحدود خاصة مع الجزائر، وبسبب تفاقم ما يعتبرونه التوريد العشوائي أساساً من الصين وتركيا، هذا إضافة إلى أنّ أكثر من 80 في المئة من تجار هذا القطاع يشتغلون في السوق الموازية.
وقد أكد المتدخلون في القطاع إفلاس العديد من الحرفيين، وغلق عدّة مؤسسات صغرى وكبرى في قطاع الجلود خلال السنوات الأخيرة، وفقدان الآلاف من العمال لوظائفهم في قطاع كان يعدّ من أبرز القطاعات الحيوية في البلاد.
أكدت الجامعة الوطنية للجلود والأحذية تعمّق أزمة القطاع أكثر خلال هذه الفترة جرّاء تأثير "أزمة كورونا" على العديد من القطاعات الصناعية في تونس
يُشار إلى وجود أكثر من 300 مؤسسة في قطاع الجلود والأحذية توفر أكثر من 40 ألف موطن شغل، فيما يبلغ عدد مصانع الملابس المستعملة في تونس 47 مصنعًا.
اقرأ/ي أيضًا: صناعة الأحذية.. حرفة تواجه الاندثار في تونس
وقد عقدت الجامعة الوطنية للجلود والأحذية خلال السنوات الأخيرة عدّة اجتماعات لمكتبها التنفيذي بمقر الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، للتطرّق إلى الإشكاليات التي يواجهها قطاع الجلود والأحذية. وسبق أن أكدت الجامعة تعمّق أزمة القطاع أكثر خلال هذه الفترة جرّاء تأثير "أزمة كورونا" على العديد من القطاعات الصناعية في تونس.
وطالب ممثلو الغرفة الوطنية للجلود والأحذية بضرورة تقديم الدعم المادي للحرفيين المتضررين، عبر بعث صندوق دعم لمنح قروض صغرى بسبب ارتفاع نسبة المديونية، وضرورة تطبيق القوانين التي تنظم توريد الأحذية وخاصة المستعملة، والتصدي للتجارة الموازية ولعمليات التهريب من الجزائر، لتجاوز تبعات أزمة كورونا وإيجاد حلول عاجلة للمحافظة على مواطن الشغل.
فيما يطالب صغار الحرفيين والتجار في قطاع الجلود والأحذية بتمكينهم من قروض صغرى من البنك التونسي للتضامن على غرار ما تم إقراره لفائدة محاضن ورياض الأطفال، كما طالبوا بجدولة الديون المتخلّدة بذمة المهنيين لفائدة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والقباضات المالية، مع طرح الخطايا لمساعدتهم على تخطي الأزمة المالية التي يمرون بها.
يطالب صغار الحرفيين والتجار في قطاع الجلود والأحذية بتمكينهم من قروض صغرى من البنك التونسي للتضامن
وقد أكد أكرم بلحاج، رئيس الجامعة الوطنية للجلود والأحذية بالاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، أن القطاع في تونس فقد منذ انتشار "كورونا" 20 في المئة من المؤسسات المنتجة، فيما تراجعت صادرات القطاع بنسبة 30 في المئة، إضافة إلى إغلاق 30 في المئة من المؤسسات المصدرة كليًا لعدم وجود رؤية واضحة على مستوى الأسواق الخارجية ونقص التمويل لخلاص اليد العاملة وضمان ديمومة المؤسسة.
غياب كراس شروط ينظم التوريد
وأكد رئيس الجامعة ضرورة الدفع نحو إلغاء المعلوم الديواني على المواد الأولية والمقدر بـ30 في المئة والعمل على إدراجه في قانون المالية التكميلي لسنة 2020، إضافة إلى إخضاع توريد الأحذية إلى كراس شروط على غرار المواد الأخرى كالخزف والأثاث، والإسراع في إصدار وتفعيل النصوص القانونية المنظمة لنشاط الأحذية. ودعا إلى عرض ملف صعوبات قطاع الجلود والأحذية على مجلس وزاري مضيق لوضع برنامج إنقاذ لصناعيي وحرفيي القطاع، وتمكين المؤسسات الصغرى والحرفيين من قروض صغرى في حدود 10 آلاف دينار من قبل البنك الوطني للتضامن.
من جهته، أشار وجدي ذويب، رئيس الغرفة الوطنية لحرفي الجلود والأحذية، لـ"ألترا تونس" أن القطاع يشهد انهيارًا منذ سنوات بسبب غياب نصوص قانونية تنظم نشاط القطاع، أيضًا نظرًا لتأثره بشكل كبير بالسوق الموازية والتهريب"، مؤكدًا أنّ "أزمة كورونا عمقت أزمة مهنيي القطاع لا سيما صغار الحرفيين بسبب تعطل نشاطهم وفقدان بعض المواد الأولية".
اقرأ/ي أيضًا: أكثر من ثلاثة أرباع التونسيين يقتنون البضائع المقلدة
فقدان المواد الأولية
في ذات السياق، أشار حافظ المشرقي، أحد حرفيي صناعة الأحذية والجلود لـ"ألترا تونس" إلى أنّه ترك العمل في هذه الصناعة منذ خمس سنوات بسبب غزو البضائع المهربة السوق التونسية، وعدم قدرة أغلب حرفي ومنتجي الأحذية في تونس على ترويج بضائعهم، نظرًا لإقبال المواطنين على البضائع المهربة لانخفاض تكلفتها مقارنة بالمصنّعة في تونس".
حافظ المشرقي لـ"ألترا تونس": تركت العمل في صناعة الأحذية والجلود منذ 5 سنوات بسبب غزو البضائع المهربة السوق التونسية
وأضاف المشرقي أنّ "أغلب المواد الأولية من الجلود تستورد من الخارج مما يجعل السوق تشهد نقصًا كبيرًا في المواد الأولية في فترات مختلفة مثل التي تشهدها الآن بسبب تأثير جائحة كورونا على المبادلات التجارية في العالم".
من جهته، أشار عبد الحميد (55 سنة) وأحد مصنعي الأحذية لـ"الترا تونس"، إلى أنّه "أغلق محلّه الصغير الذي يُشغل أربعة حرفيين نتيجة فقدانه للمواد الأولية التي تستورد لا سيما وأنّ العديد من أنواع الجلود لا تتوفر في تونس"، مضيفًا أنّ "توقف محلّه عن العمل طيلة الحجر الصحي فاقم ديونه، الأمر الذي دفعه إلى غلقه نهائيًا".
وخلال التجول في بعض الأسواق العتيقة على غرار العاصمة وصفاقس وسوسة حيث كانت توجد مئات دكاكين حرفيي الأحذية والجلود، نلاحظ إغلاق أكثر من 60 في المئة منها، وتحوّلها إلى محلات لممارسة أنشطة أخرى بسبب تزايد عمليات تهريب الأحذية خصوصًا من الجزائر، وانتعاش نشاط التوريد العشوائي بسبب غياب كراس شروط ينظم عملية التوريد.
وسبق أن أشار المدير العام للديوانة يوسف الزواغي في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء (الوكالة الرسمية) إلى أنّ "الديوانة تواجه صعوبات في مراقبة الأحذية المستعملة لأنّها تدخل إلى السوق غير منفصلة عن الملابس المستعملة"، قائلاً "نحن نقوم بدورنا في المراقبة لكن هناك دائمًا عملية تسريب لهذه الأحذية".
وأفاد الزواغي أنّ "لجنة تشكلت على مستوى رئاسة الحكومة بمشاركة كلّ من وزارة الصناعة ووزارة التجارة إلى جانب الإدارة العامة للديوانة، تعمل على إيجاد تصورات لإصلاح قطاع الجلود والأحذية وحماية الحرفيين في هذا القطاع"، وفقه.
اقرأ/ي أيضًا: