يرتبط عيد الأضحى في المخيال الجمعي التونسي بعدد من الطقوس والعادات التي لا تزال إلى اليوم صامدة وإن كان بعضها يواجه الاندثار على غرار دباغة الجلود في المنزل. إذ لا تزال بعض الأسر إلى اليوم تحتفظ بجلد الأضحية لاستغلاله في فراش المنزل، فيما تخلت أغلبها عن هذه العادة خاصة تلك التي تقطن بالمدن والأحياء الراقية.
لا تزال بعض الأسر إلى اليوم تحتفظ بجلد الأضحية لاستغلاله في فراش المنزل، فيما تخلت أغلبها عن هذه العادة خاصة تلك التي تقطن بالمدن والأحياء الراقية.
العائلات التي لا تهتم لدباغة الجلود في المنزل تبحث، بعد الذبح، عن طرق للتخلّص منها إما برميها في المكان الذي تخصصه البلديات وإما بيعها لمن يمتهنون الدباغة. لكن الأسر التي لا تفرّط في جلود أضاحيها، تتبع طقوسًا معيّنة في حفظها وتهيئتها لتكون على شاكلة بساط يستعملونه للجلوس أو لتزيين البيوت.
اقرأ/ي أيضًا: المهن الموسمية في عيد الأضحى.. فرصة لاسترزاق بعض التونسيين
كيف تدبّغ الجلود في المنزل؟
ولمعرفة مراحل تهيئة الجلد ليكون صالحًا للاستعمال إما للزينة أو الجلوس، تواصل "ألترا تونس" مع الخالة خديجة المرايحي وهي ستينية أصيلة منطقة الشمال الغربي، مازالت تدأب على عادة دباغة جلود الأضحية.
تقول الخالة خديجة إنّها كانت تحضر طقوس دباغة جلود الإضحية منذ كانت طفلة صغيرة، إذ كانت أمها تدأب على ممارسة هذه العادة إبان كل عيد أضحى، ومنها تعلّمت مراحل تهيئة الجلد. وتشير إلى أنّه من الضروري الحفاظ على الجلد أثناء عملية السلخ وتجنب إلحاق الضرر به على اعتبار أنه كلما كان الجلد خاليًا من الثقوب ومن التمزيق كانت دباغته أسهل، وفق قولها.
الخالة خديجة المرايحي: من الضروري الحفاظ على الجلد أثناء عملية السلخ وتجنب إلحاق الضرر به على اعتبار أنه كلما كان الجلد خاليًا من الثقوب ومن التمزيق كانت دباغته أسهل
وعن مراحل الدباغة، تبيّن محدّثتنا أنّها تنطلق بإزالة الزوائد اللحمية من الجلد لتسهيل تنظيفه ومن ثم تنطفّه جيّدًا بالماء والصابون لإزالة بقايا الدم والشوائب منه، ومن ثم تنزع عنه الصابون بغسله بالماء قبل أن تنقعه في محلول الماء والملح لمدّة ثلاثة أيام على الأقل.
وتتابع بالقول: "بعد نقعه في الماء والملح، يعرض الجلد لأشعة الشمس حتّى يجفّ تمامًا وبعد أن يجف يتم دهنه بمحلول من الطحين والماء ليضفي عليه بياضًا وملمسًا ناعمًا ومن ثم يغسل جيّدًا بالماء وتتكرر عملية تجفيفه تحت أشعة الشمس ومن ثم يصبح الجلد صالحًا للاستعمال" .
وتؤكّد محدّثتنا ضرورة تجفيف الجلد جيّدًا خلال دباغته وذلك لتجنب تعفنه وبعثه لروائح كريهة تجعل منه غير صالح للاستعمال فيما بعد، مشيرة إلى أنّها مازالت إلى اليوم تحافظ على عادة دباغة الجلود وإن كانت لا تستهوي أبناءها.
الجلود مصدر رزق..
تخلي بعض العائلات عن عادة دباغة الجلود يعود بالفائدة على بعض الأفراد الذين يجمعون هذه الجلود من المنازل أو الأماكن التي تخصصها البلدية لوضعها خلال عيد الأضحى ويبيعونها لمصانع الجلد أو يقوم بعضهم بدباغتها وبيعها للمحلات التي تستثمر في الصناعات التقليدية.
وفي هذا السياق، التقى "ألترا تونس" بعادل وهو شاب ثلاثيني يسكن أحد الاحياء الشعبية بالعاصمة، ويعكف كل عيد أضحى على جمع جلود الأضاحي التي تتخلّص منها بعض الأسر.
تخلي بعض العائلات عن عادة دباغة الجلود يعود بالفائدة على بعض الأفراد الذين يجمعون هذه الجلود من المنازل أو الأماكن التي تخصصها البلدية لوضعها خلال عيد الأضحى ويبيعونها لمصانع الجلد
اقرأ/ي أيضًا: 5 من أشهر عادات الاحتفال بعيد الأضحى في تونس
ويقول عادل إنّ والده كان يقوم بنفس العمل وأنه استلم المشعل بعد وفاته ولم ينقطع عن جمع الجلود رغم أنه يمتهن مهنة أخرى، مشيرًا إلى أنّه يجمعها ويتولى دباغتها برفقة والدته.
ويضيف أنّه يبيعها في كل مرة إلى محلّ متخصص في بيع المنتوجات ذات الطابع التقليدي، ويوفّر منها موارد مالية إضافية على اعتبار أن والدته متمكّنة من طرق صباغة الجلود أيضًا بمواد طبيعية على غرار الحناء والرمان.
مضيعة للوقت؟
وفيما يحافظ البعض على هذه العادة ويستثمرها البعض الآخر اقتصاديًا، تعتبر رانيا، فتاة عشرينية، أن دباغة الجلود مضيعة للوقت وللجهد في حين بالإمكان شراؤها دون تكبّد عناء غسلها وتجفيفها. وتقول في حديثها معنا أنّها من أنصار التخلّص من الجلد بعد ذبح الأضحية لأنه في اعتقادها يحمل رائحة كريهة لا تذهب بمجرّد تجفيفه في المنزل، على عكس الجلود التي يتم اقتناؤها جاهزة.
وتشير إلى أنّها حضرت في مناسبات قليلة على طقس دباغة الجلد من قبل جدّتها، معتبرة أنّ الأمر يبعث على الملل خاصة في علاقة بتكرار عملية غسل الجلد، وفق تعبيرها.
حملة وطنية لتثمين الجلود
في ظل تخلّص بعض العائلات من الجلود بطرق قد تضر بالمحيط، تتواصل هذه السنة أيضًا الحملة الوطنية لتثمين جلود الأضاحي بشعار "جلد العيد.. في عوض ترميه وتلوث بيه.. يولي ثروة كي تستحفظ عليه"، وهذه الحلمة أطلقها المركز الوطني للجلود والأحذية بمشاركة الشبكة الوطنية للجمعيات "فايقين" وبإشراف وزارة الصناعة المؤسسات الصغرى والمتوسطة.
تتواصل الحملة الوطنية لتثمين جلود الأضاحي بشعار "جلد العيد.. في عوض ترميه وتلوث بيه.. يولي ثروة كي تستحفظ عليه"
وبلغ عدد البلديات المنخرطة في هذه الحملة إلى حد الآن في الحملة الى 63 بلدية موزعة على 12 ولاية في انتظار ان يتضاعف العدد قبل يوم عيد الأضحى مقابل 21 بلدية بولايات تونس الكبرى السنة الفارطة، وفق ما صرح به الرئيس المدير العام للمركز نبيل بن بشير لوكالة تونس افريقيا للأنباء (الوكالة الرسمية).
اقرأ/ي أيضًا: