06-ديسمبر-2019

نددت الغرفة النقابية بما اعتبرتها "هجمة" يواجهها قطاع الفريب (صورة أرشيفية/ تييري موناس/ getty)

 

هو مكان يتسّع للجميع، الفقير وميسور الحال. كلاهما ينبشان في ما تحمله "بالة الفريب" من ملابس، بين باحث عن ماركات عالمية بأرخص الأثمان للتباهي، وباحث عن لباس بخس الثمن لقلة ذات اليد، ولا تعنيه الماركات العالمية ولا يفقه حتى أسماءها. لكنّ "الفريب" الذي بات وجهة قرابة 90 في المائة من التونسيين، يشكو منذ سنوات مشاكل عديدة لم تجد الأطراف المتدخلة في هذا القطاع حلولًا لها، لاسيما وأنّه قطاع مهمّش لم يتم تعديل القانون الذي ينظمه منذ سنوات.

ولم يعد القطاع يشغل بال المعنيين والمشتغلين فيه فقط، بل بات يشغل عامة الناس على حدّ السواء، لا سيما إذا تواترت أنباء عن الاتجاه نحو منع توريد الملابس المستعملة، أو إعلان المهنيين الدخول في إضراب وإيقاف توريد "الفريب" رفضًا لبعض القرارات المجحفة في حقّهم. وككل مرّة فإنّ تلك الأخبار التي تثير تذمر المهنيين وأهل القطاع، تثير أيضًا سخط التونسيين الذين يعبّرون عن الموقف بشكل فكاهي كالعادة، فبرز هاشتاغ "سيب الفريب"، و"منين بش نلبسو" و"الشعب بش يدور في الشارع كيف طرزان"، وغيرها من التعبيرات التي يستعملها اليوم كلّ رافض لفكرة الإضراب وإيقاف توريد الملابس المستعملة.

تذمّر مهنيي قطاع الفريب هذه المرة جاء نتيجة للنشرية الصادرة  بتاريخ 22 نوفمبر 2019 التي تعتبر فرز الأحذية في المعامل جنحة

تذمّر المهنيين هذه المرة جاء نتيجة للنشرية الصادرة  بتاريخ 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، التي تعتبر فرز الأحذية في المعامل جنحة، بما يعني تهديد أهل القطاع بالسجن. وقد أعلنت الغرفة الوطنية لتجار الملابس المستعملة بالجملة والتفصيل عن تنفيذ إضراب عام مفتوح يوم 20 من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وغلق كافة المصانع إلى حين الاستجابة لمطالبهم، معتبرة أنّ أبناء القطاع أصبحوا مهددين بالإفلاس والسجن.

كما نددت الغرفة بما اعتبرتها "الهجمة الشرسة التي يواجهها القطاع في كلّ مرة"، لاسيما وأنّ المهنيين رفضوا نهاية 2016 قرار الحكومة المتعلق بإحداث وكالة لتوريد الملابس بهدف مراقبة الواردات، وأن تتولى هذه الوكالات توزيع حصص الملابس على تجار الجملة ومصانع فرز الملابس. كما رفضوا سحب حق التوريد منهم.

اقرأ/ي أيضًا: رغم الإقبال المهم: تجار الفريب يشتكون ويطالبون بقانون جديد

10 آلاف طن سنويًا من الملابس المستعملة

تشير وزارة التجارة إلى أنّ السوق التونسية تُزوَد سنويًا بـ10 آلاف طن من الملابس المستعملة، من بين 80 ألف طن تدخل إلى البلاد سنويًا، يذهب أغلبها إلى التصدير إلى دول إفريقية وأوروبية. كما تفيد الوزارة أنّ 90 في المائة من التونسيين يقبلون على شراء الملابس المستعملة، فيما يوجد في تونس 54 مصنعًا لفرز تلك الملابس، ولا تستقبل تلك المصانع أيّ كمية ما لم تكن مرفقة بشهادة تثبت خلوها من أي جراثيم، إذ تتعرض تلك الملابس إلى التعقيم بواسطة غاز يقضي كليًا على الفيروسات ويمنع الأمراض المنقولة.

رئيس الغرفة الوطنية لتجار "الفريب" لـ"ألترا تونس": أهل قطاع الفريب طالبوا منذ سنوات ما بعد الثورة بقانون جديد لكن دون أي تجاوب مع مطالبهم

وفي تصريح سابق لـ"ألترا تونس"، يقول رئيس المجمع المهني للملابس المستعملة بكنفدرالية مؤسسات المواطنة التونسية "كونكت" حمدي كنو "إن عدد المشتغلين في قطاع الملابس المستعملة يتراوح بين 400 و500 ألف شخص، ولا يمكن حصر عددهم بدقة لأنّهم يعملون دون الحصول على معرّف جبائي"باتيندا".

ولكن يواجه المهنيون عديد المشاكل من بينها حرمانهم من نقل وتوزيع الفريب بين المدن إلى جانب التضييق على منح رخص تجارة الفريب وفق أهل القطاع. ويواجه اليوم تجار الفريب مشكلًا جديدًا وفق ما يبيّنه الصحبي المعلاوي رئيس الغرفة الوطنية لتجار "الفريب". يؤكد المعلاوي لـ"ألترا تونس" أنّ المهنيين قرروا إيقاف إدخال الملابس المستعملة إلى السوق المحلّية انطلاقًا من 20 ديسمبر/ كانون الأول الجاري بعد اجتماع جمع الغرفتين النقابيتين الوطنيتين للمؤسسات الصناعيّة وتجّار الجملة لـقطاع الـملابس الــمستعملة. وقد تمّ أيضًا إعلام المزودين الأوروبيين بصفة رسمية بهذا القرار .

كما أشار إلى "أنّ النشرية الصادرة عن الإدارة العامة للديوانة تنصّ على أنّ فرز الأحذية داخل المصنع يعتبر جنحة مما يهدد صاحب المصنع بالسجن. وهو قرار يتناقض مع قانون سنة 1995 لأنّ قرارها يمنع فرز الأحذية والحال أنّ القانون يمنع توريد الحاويات المفروزة ونصف المفروزة أيضًا سواء أحذية أو ملابس مستعملة".

اقرأ/ي أيضًا: شجرة الزيتونة.. عن عادات تونسية أصيلة من الجني إلى "بيت العولة"

الصحبي المعلاوي لـ"ألترا تونس": طالب أهل القطاع منذ سنوات بإيجاد حصة لتجارة الجلود على أن تكون تحت الرقابة الصحية

على صعيد آخر، يشير محدّثنا إلى "أنّ أهل القطاع طالبوا منذ سنوات ما بعد الثورة بقانون جديد لكن دون أي تجاوب مع مطالبهم، لأنّ القانون الحالي لا يخدم مصلحة القطاع، إذ يمنع على تجار الجملة نقل بضاعتهم بين الولايات بسبب نظام الحصة الذي حدد لكل ولاية من الفريب. وقد طالب التجار بإلغاء نظام الحصة حتى يتسنى لهم التنقل وتعاطي نشاطهم بكلّ حرية بين الجهات".

وفيما يتعلّق بمسألة الجلود، يوضح رئيس الغرفة النقابية أنّ "القانون ينصّ على ضرورة إتلاف أو التصدير الكلي للجلود وتحجير بيعها في تونس. وقد طالب أهل القطاع منذ سنوات بإيجاد حصة لتجارة الجلود على أن تكون تحت الرقابة الصحية".

ويضيف أنّ "الغرفة طالبت أيضًا أكثر من مرّة كلّ الوزارات المشرفة على القطاع وهي الداخلية والمالية والتجارة والصناعة والشؤون الاجتماعية، طالبتها بالترفيع في حصة السوق المحلية من 10طن سنويًا وهي حصة محددة منذ 1995 حسب القانون، والتي تمثل 12 في المائة فقط من حجم الملابس الجديدة داخل تونس، إلى حوالي 30 ألف طنًا، لا سيما وأنّ 90 في المائة من التونسيين يقبلون على استهلاك الفريب. لكن للأسف قبل الثورة كانت عائلة معينة تسيطر على السوق ووضعت قانونًا مجحفًا ولكن رغم مطالبنا بعد الثورة بتعديل القانون لم نجد أي تجاوب من السلط المعنية".

ويبرز محدثنا أنّ النشرية اليوم تمنع فرز الأحذية في المصانع وتعتبرها جنحة تستوجب السجن، وتفرض تصدير الأحذية كما هي دون فرزها وهذا غير ممكن لأنّ تجار الفريب يستوردونها في "بالات" تكون غير مفروزة تحتوي على ملابس وأحذية، كما أنّ الموردين لا يقبلون شراء بضاعة غير مفروزة، لذا لن يقع التراجع اليوم أمام هذه الشروط المجحفة وسيتمّ الدخول بإضراب عام مفتوح وغلق مصانع الفريب.

يذكر أنّ الجامعة الوطنية للجلود والأحذية التابعة للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية نددت كثيرًا بإغراق السوق بالأحذية  التي تروج في أسواق بيع الملابس المستعملة رغم أنّ القانون المنظم لتجارة "الفريب" ينصّ على ضرورة تصديرها كليًا ومنع ترويجها في السوق.

ويبقى قطاع الملابس المستعملة "الفريب" حيويًا بالنسبة لجلّ التونسيين سواء كانوا يقتاتون من هذا القطاع أو يلجؤون إليه لشراء ملابسهم ويحتاج إلى حلول عاجلة تضمن استمرارية قطاع الفريب وديمومته.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مليّنو المعادن.. مبدعون حوّلوا الخردة إلى فن

التسوّق الإلكتروني في تونس.. عوالم من الغش والتّحيّل