24-أبريل-2018

يعيش قطاع صناعة الأحذية في تونس أزمة ما يهدّد الحرفة المتوارثة (نيكولا فوكي/getty)

 

ما الفرق بين حذاء مصنوع في تونس وحذاء مستورد أو حذاء مهرب خاصة إذا كانت تلك الأحذية شبيهة الشكل والصنع؟ وما هي المواد الأولية التي صنع منها كل حذاء، وهل تحمل تلك الأحذية على اختلاف مصادرها علامة الجودة؟

هي أسئلة لا تخطر على بال أغلب التونسيين لا سيما منهم بسطاء الحال، إذ لا يهم أغلبهم ما إذا كان الحذاء المشترى محلي الصنع أم مهربًا، فهمّهم الوحيد غالبًا هو السعر، أي الشراء بأرخص ما يوجد في السوق.

باتت المحلات المخصّصة لصنع الأحذية تعدّ على أصابع اليد في تونس بسبب اندثار الحرفة المتوارثة عن الأجداد جرّاء تهريب وتوريد السلع الصينية

في جولة بسيطة في أزقة المدينة العتيقة بالعاصمة، تلحظ انتشار محلاّت صغيرة لبيع اللعب والأحذية والملابس الجاهزة، كانت في الأصل دكاكين لصناعة الأحذية والبلغة المحلية بأيادي تونسية، وبمواد أغلبها من تونس. ولكن باتت اليوم مثل هذه المحلات المخصّصة لصنع الأحذية التونسية تعدّ على أصابع اليد، بسبب اندثار تلك الحرفة المتوارثة عن الأجداد جرّاء تهريب وتوريد السلع الصينية خصوصًا.

في أحد تلك الأزقة قرب نهج الدباغين بالمدينة العتيقة، دأب علي بن رجب (61 سنة) على مدى 30 سنة على فتح دكانه منذ السابعة صباحًا، إذ أبى أن يترك الحرفة التي ورثها عن والده وجدّه. وقد حافظ العمّ علي حتى على مواده وآلاته البسيطة، مسامير ومطرقة وقوالب أحذية على مختلف المقاسات، وآلة خياطة وبعض المواد الأخرى التي يحوّل بها الجلود إلى أحذية أو بلغة تونسية. ويُشغّل في دكانه ثلاثة شبان تعلموا تلك الحرفة عنه منذ خمس سنوات.

اقرأ/ي أيضًا: "عساس الليل".. تراجيديات تحت القمر

يقول العمّ علي لـ"الترا تونس" إنّه يصارع مع بعض الحرفيين الآخرين من أجل الحفاظ على المهنة التي تضررت خاصة خلال السنوات الأخيرة بسبب إغراق السوق المحلية بالسلعة المستوردة. وتعتمد هذه الحرفة اليدوية في موادها الأولية كما يقول على عدّة أنواع من الجلود التي تجلب سابقًا من نهج الدباغين الذي سمي بهذا الاسم لأنه كان يحتضن صناعة دباغة الجلود على مختلف أنواعها، منها جلود الماعز والبقر والخروف.

أغلب الحرفيين في صناعة الأحذية التونسية كانوا متخصّصين في صناعة البلغة التونسية التي يقع تصديرها إلى ليبيا والجزائر خاصة

ويشير إلى أنّ أغلب الحرفيين كانوا متخصّصين بالأساس في صناعة البلغة التونسية التي يقع تصدير جزء كبير منها إلى ليبيا والجزائر، ويشير أن صناعة البلغة تبدأ برسم شكل البلغة على ورق لتحديد شكلها ومقاسها ونوع الخياطة التي ستتميز بها، ثم يتم نقل ذلك الرسم على أنواع عدّة من الجلود، وبمقاسات متنوعة وألوان مختلفة.

ويشير أن صناعة البلغة تستغرق يومين، وتُباع بين 10 و30 دينارًا سابقًا، أما اليوم يقع بيعها بين 20 و60 دينارًا، وذلك حسب المقاس وحسب نوع الجلد المستعمل. وأضاف العم علي في حديثه معنا أنّ محلات صنع الأحذية كانت تصنع الأحذية النسائية والرجالية على حدّ سواء، مؤكدًا أن التونسي كان يقبل فقط على الصناعة المحلية في الماضي. 

ولكن قلّ اليوم عدد الحرفيين، حيث انخفضت محلات صناعة الأحذية والبلغة بالمدينة العتيقة من 200 إلى حوالي 20 أو 25 محلًا، وذلك بسبب تزايد إقبال التونسيين على السلع المستوردة خاصة القادمة من الصين لأنّها أقل سعرًا من نظيرتها المحليّة.

انخفض عدد محلات صناعة الأحذية والبلغة بالمدينة العتيقة من 200 إلى حوالي 20 محلًا بسبب تزايد إقبال التونسيين على السلع المستوردة

من جهته، يشير محمّد (49 سنة) إلى أنّه ورث الحرفة أيضًا عن والده، ويعمل في نفس الدكان الذي اشتغل فيه. ويقول في حديثه لـ"الترا تونس" إنه كان في البداية يشغّل قرابة 8 شبان، وينتج يوميًا 10 أو 15 قطعة حذاء، ولكن اليوم استغنى عن الأغلبية من العمال ليبقي فقط على اثنين بسبب تراجع المبيعات والطلب على منتجه، إلى جانب توقف صادرات منتجاته إلى ليبيا على غرار بقية صانعي الأحذية.

محمد (بالقميص الأحمر) ورث الحرفة عن والده (الترا تونس)

لا يقتصر المشكل على حرفيي تونس العاصمة، بل يشمل أيضًا صنّاع الأحذية في أغلب المدن العتيقة في عديد الولايات، أين تتمركز محلات مختلف الحرف بما فيها صناعة الأحذية. وفي هذا الإطار، يتحدّث كريم المحرصي (39 سنة) وهو أحد الحرفيين في مدينة صفاقس، لـ"الترا تونس" عن الصعوبات التي يواجهها، إذ يقول إن مدينته كانت المزود الأول للسوق التونسية في مختلف الجهات، و"لكن اليوم تراجعت صناعة الأحذية جراء التهريب، فالتونسي يقبل على شراء الحذاء المستورد خاصة من الصين، على الرغم من أنّه مجهول المواد المصنّع منها".

ويفسر الحرفي كريم الإقبال على هذه النوعية من الأحذية "بسبب انخفاض أسعارها مقارنة بأسعار ما ننتجه نحن" كما يقول، مضيفًا "لا يستطيع في المقابل الحرفيون تخفيض سعر منتوجاتهم لتحاكي أسعار المستورد لأنّ المواد الأولية التي نستعملها باهظة الثمن سواء تعلق الأمر بالجلد أو القماش أو حتى تكلفة اليد العاملة".

كما أشار محدّثنا إلى أنّ "الحرفيين واجهوا الأزمة سابقًا بتصدير البلغة التونسية إلى ليبيا، لكن بسبب الحرب في البلد المجاور تراجعت المبيعات إلى الليبيين"، وأفاد أنه كان يوجد أكثر من 400 محلّ لصناعة الأحذية في صفاقس ولكن العدد لا يتجاوز اليوم 100 محلّ.

يرجع كريم تراجع صناعة الأحذية لكثرة توريدها وتهريبها أيضًا (الترا تونس)

من جانبه، أشار خميس ميتاتو رئيس الغرفة الوطنية لمصنعي الأحذية لـ"الترا تونس" أنّ صناعة الأحذية في تونس شهدت انتكاسة كبيرة خلال السنوات الأخيرة وسجلت تراجعًا كبيرًا بنسبة 85 في المائة. ويرجع هذه الأزمة إلى استيراد الأحذية الجديدة منها والمستعملة، معتبرًا أنّ "السوق التونسية تمّ إغراقها بالأحذية المستعملة في الـ"فريب" بكميات كبيرة على عكس ما يسمح به القانون، وهي تدخل عبر الاستيراد المنظم والذي تجاوز حتى ما هو مسموح به قانونيًا أي 10 آلاف طن في السنة، أو عبر التهريب"، وفق تصريحه لنا. كما أضاف محدّثنا أنّ ذلك تسبب في غلق عشرات دكاكين ومصانع صنع الأحذية خلال السنوات الأخيرة وبالتالي تسريح مئات العاملين في المجال وإحالتهم على البطالة.

خميس ميتاتو رئيس الغرفة الوطنية لمصنعي الأحذية لـ"الترا تونس": صناعة الأحذية في تونس شهدت انتكاسة كبيرة خلال السنوات الأخيرة وسجلت تراجعًا كبيرًا بنسبة 85 في المائة

تبقى بذلك حرفة صناعة الأحذية في مواجهة الاندثار في أغلب الجهات التونسية جراء إغراق السوق بالبضائع المهربة والمستوردة، في انتظار حلّ جذري لهذا الأزمة بما يحفظ هذه الحرفة الموروثة عبر الأجيال ويحول دون تلاشيها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الاستغلال الاقتصادي.. آفة الطفولة في تونس

ضحايا الاغتصاب في تونس.. قصص الوجع الدائم