27-سبتمبر-2021

متضرّرون يتساءلون: إلى متى تواصل الكنام رفض التكفل بمصاريف بعض الأدوية لأنها غير مصنفة في قائمته؟ (Getty)

 

عبد المنعم كان يتحدث لـ"الترا تونس" أملًا في حل عاجل لوالدته التي أصيبت بالفطر الأسود من جملة 5 إصابات سجلتها تونس، حين أعلموه أن والدته البالغة من العمر 63 عامًا قد فارقت الحياة.

الصندوق الوطني للتأمين على المرض (الكنام) يرفض التكفل بمصاريف بعض الأدوية لأنها غير مصنفة في قائمته وسط انتقادات عديدة

كان الابن يطرق أبواب وزارة الشؤون الاجتماعية والصحة أملًا في تكفل الصندوق الوطني للتأمين على المرض بمصاريف العلاج. فبعد إصابتها بفيروس كورونا تحسنت صحة الأم، لكنّ آلامًا في الرأس ظلّت تلازمها  طيلة 3 أشهر، فاتجهت للطبيب لثبت الفحوصات والتحاليل أنها أصيبت بالفطر الأسود كنتيجة لإصابتها بفيروس كورونا.

خضعت والدة عبد المنعم لعمليتين لتنظيف التعفنات في الجيوب الأنفية وطُلب من العائلة التكفل بالأدوية والعقاقير التي كانت باهظة الثمن.

وقد أكد الابن أن العائلة اقتنت دواءً من الخارج استغرقت مدة العلاج به 15 يومًا وكلفها ذلك 5 آلاف دينار ليتم بعد ذلك تغيير الدواء بآخر موجود في الصيدليات التونسية ومدة العلاج به 6 أشهر وبلغت تكلفته 50 ألف دينار. ويؤكد منعم لـ"الترا تونس" أنّ الصندوق الوطني للتأمين على المرض (الكنام) رفض التكفل بمصاريف الأدوية لأنها غير مصنفة في قائمته. 

منعم لـ"الترا تونس": ما معنى أن يدفع المواطن للصناديق الاجتماعية طيلة عشرات السنين وحينما يحتاجها ويطرق أبوابها تغلقها في وجهه؟

ومازال منعم يطرق الأبواب ويحاول، حتى توفيت والدته. لكنه مازال يسأل: ما معنى أن تكون من المضمونين الاجتماعيين ولا يعترف الكنام بالأدوية؟ وما معنى غير مصنفة؟ وما معنى أن يدفع للصناديق الاجتماعية طيلة عشرات السنين وحينما يحتاجها ويطرق أبوابها تغلقها في وجهه؟

أسئلة طرحها منعم الملتاع لفقدان أمه ويطرحها كثيرون منهم "إلهام" التي تقول لـ"الترا تونس" إن ابنها أصيب بألم في معدته يتعلق بانتفاخ في الغدد وأن الأدوية التي قدمتها لها الطبيبة لا يعترف بها صندوق التأمين على المرض ولم تسترجع مصاريفها.

فيما يسأل عبد الواحد: "لماذا لا يتكفل الصندوق بعملية لابنه الذي ولد بفتحتين صغيرتين في رقبته تفرزان اللعاب وهو ما يعرف بـ "fistule"؟ الطبيب أكد له أن الصندوق يعتبرها من العمليات التجميلية وليست مدرجة ضمن قائمته،  "فما معنى تجميلية؟ طفلي يعاني من فتحتين لا بدّ من إجراء عملية لإغلاقهما، فهل هذا ترف وتجميل؟" ويضيف لـ"الترا تونس": "إلى متى تستمر هذه المعاناة؟ إنها أموالنا التي ندفعها غصبًا عنّا وتُقتطع رغمًا عن أنفنا، ثم غصبًا عنّا أيضًا نجري العمليات على حسابنا الخاص أليس هذا ظلمًا وقهرًا؟".

عبد الواحد لـ"الترا تونس": أموالنا التي ندفعها غصبًا عنّا وتُقتطع رغمًا عن أنفنا، ثم غصبًا عنّا أيضًا نجري العمليات على حسابنا الخاص أليس هذا ظلمًا وقهرًا؟

علامات استفهام يطرحها التونسي مع دخول البلاد في أزمة صحية وبائية استوجبت رعاية خاصة في وقت ظهرت فيه أمراض ومضاعفات أخرى. فحتى الفيتامينات التي يوصى مريض الكورونا باستعمالها لا يمكن استرجاع مصاريفها من صندوق التأمين على المرض.

ويرى رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي أنّ الإشكالية الحقيقية تكمن في استخدام الأطباء لوصفات طبية تجارية وليست وصفة طبية علمية، فيقول لـ"الترا تونس": "في العالم أجمع هناك وصفة طبية علمية تتضمن أدوية جنيسة موجودة في السوق التونسية وأسعارها أقل وصندوق التأمين على المرض يقوم بإرجاع مصاريفها، وفي المقابل هناك وصفة طبية تجارية تتضمن أسماء أدوية لشركات خاصة تتعامل مع الأطباء وتمنحهم امتيازات وعمولات آخر كل سنة بعد أن يكون الطبيب قد وصفها لمرضاه وساهم في تسويق هذا المنتوج.

رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لـ"الترا تونس": الإشكالية الحقيقية تكمن في استخدام الأطباء لوصفات طبية تجارية وليست وصفة طبية علمية تتضمن أدوية جنيسة أسعارها أقل ويقوم صندوق التأمين على المرض بإرجاع مصاريفها

ويؤكد رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك على أن الشبكة معقدة جدًا "وهي تجارية ربحية بامتياز بين الطبيب وشركات الأدوية ومخابر التحليل والتصوير والصيدليات"، وبيّن أن المواطن يتم التلاعب به لسببين: أولًا، أن الصحة من الأمور الأساسية التي يقدّم لأجلها المرء كل ما يملك وحتى ما لا يملك، وثانيًا لجهله وعدم معرفته بالقانون وبأن عليه أن يطالب الطبيب بوصفة طبية علمية وليست تجارية.

وأضاف الرياحي: "الصحة ملف فساد كبير وخطير ومعقد وقد لاحظنا خصوصًا مع الجائحة عدة تجاوزات، فمثلًا هل هناك من يراقب المعدات شبه الطبية؟ هل هناك مواصفات لها؟ هل هناك شهادة تقدم للمريض تثبت صحتها وأنها ليست مقلدة؟ وهل كل الصور والتحاليل التي يطلب من المريض أن يذهب لإجرائها بالفعل مطلوبة أم أنها فقط حتى يدفع المال وحتى يربح هؤلاء بالاشتراك مع الطبيب الذي لم يعد يشخّص بلا كل هذه المصاريف الإضافية؟".

وأشار لطفي الرياحي إلى أن الصندوق الوطني للتأمين على المرض لا يتكفل بعمليات صور وتحاليل لأن الحالة أحيانًا لا تستوجب ذلك، "لكن علينا أن نعترف أيضًا أن الوقت قد حان حتى تقوم الكنام بمراجعة قائمة الأمراض المصنفة لديها فقد ظهرت أمراض أخرى وتطورت الأدوية وهي ما تزال تعتمد قائمات قديمة" على حد قوله.

رئيس النقابة التونسية لأطباء القطاع الخاص لـ"الترا تونس": المنطق يقول أن يتم إلغاء قائمة الأمراض المصنفة لدى الكنام أصلًا وأن يتكفل الصندوق بكل الأمراض وبكل الأدوية، فعلى أي أساس يتم الاختيار؟

قائمات يرى رئيس النقابة التونسية لأطباء القطاع الخاص دكتور سمير شطورو في تصريح لـ"الترا تونس" أن المنطق يقول أن يتم إلغاؤها أصلًا وأن يتكفل الصندوق بكل الأمراض وبكل الأدوية، فالمرض مرض مهما كان.. وعلى أي أساس يتم الاختيار؟ خصوصًا وأن الصحة حق يكفله الدستور.

واعتبر شطورو أن الأزمة الحقيقية لا تكمن في الكنام بل في الصناديق الاجتماعية التي لا تقوم بسداد أموال منظوريها من المنخرطين والذين يتم اقتطاع مبالغ مالية من مرتباتهم طيلة مسيرتهم المهنية.

وأشار إلى أن هذه الصناديق تعاني عجزًا يقدر بـ1.1 مليار دينار (0.39 مليار دولار) سنة 2019 ولم يتم إلى حد الآن إيجاد حلول عميقة وجدية لحلحلة أزمتها وهو ما ينعكس سلبًا على منظومة التأمين على المرض.

اقرأ/ي أيضًا: "الكنام": الترفيع في السقف السنوي لاسترجاع المصاريف

وشدد رئيس النقابة التونسية لأطباء القطاع الخاص على أن الحل مالي بالأساس ولا بدّ من فتح هذا الملف بجدية لأن هذه الصناديق تموّل من قبل المضمون الاجتماعي وهي أمواله ولا بدّ من أن تقدم له خدمات دون قيد أو شرط وتضمن له حقه في الصحة وفي الحياة.

وللتذكير فإن القسط الثاني من الزيادة في التعريفات التعاقدية المعتمدة بمنظومة استرجاع مصاريف العلاج ومنظومة طبيب العائلة، انطلق العمل بها من يوم غرة سبتمبر/ أيلول 2021.

وتبلغ التعريفات التعاقدية المرفعة لأتعاب عيادة الطبيب العام، في إطار منظومة استرجاع المصاريف، 30 دينارًا يسترجع منها المضمون الاجتماعي، 21 دينارًا بالنسبة للأمراض العادية و30 دينارًا بالنسبة للأمراض الثقيلة والمزمنة، فيما يساهم المضمون الاجتماعي، في إطار منظومة طبيب العائلة، بـ9 دنانير بالنسبة للأمراض العادية ويعفى من أي مقابل بالنسبة للأمراض الثقيلة والمزمنة.

انطلق العمل بالقسط الثاني من الزيادة في التعريفات التعاقدية المعتمدة بمنظومة استرجاع مصاريف العلاج ومنظومة طبيب العائلة بداية من غرة سبتمبر 2021

أما التعريفة التعاقدية الجديدة بالنسبة لطب الاختصاص، فحددت بـ45 دينارًا يسترجع منها المضمون الاجتماعي في إطار منظومة استرجاع المصاريف بـ31.5 دينارًا بالنسبة للأمراض العادية وتسترجع كاملة بالنسبة للأمراض الثقيلة والمزمنة، وفي المقابل يساهم المضمون الاجتماعي في إطار منظومة طبيب العائلة، بـ13.5 دينارًا بالنسبة للأمراض العادية ويعفى من أي مقابل بالنسبة للأمراض الثقيلة والمزمنة.

وقدّرت التعريفة التعاقدية المرفعة بالنسبة لعيادة طبيب اختصاص الأعصاب أو الطب النفسي بـ50 دينارًا، يسترجع منها المضمون الاجتماعي في إطار منظومة استرجاع المصاريف، 35 دينارًا بالنسبة للأمراض العادية ويسترجعها كاملة بالنسبة للأمراض الثقيلة والمزمنة في حين يحمل عليه، في إطار منظومة طبيب العائلة، دفع 15 دينارًا بالنسبة للأمراض العادية ويعفى من أي مقابل بالنسبة للأمراض الثقيلة والمزمنة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"الكنام" لا يتكفّل بها.. تشوهات جسدية عمّقها العجز عن علاجها

مرضى البهاق بين الوصم الاجتماعي وتقبل الذات