23-يوليو-2019

كلّما كانت التشوهات ظاهرة للعيان كلما كانت آثارها النفسية أشدّ على صاحبها (صورة تقريبية/Getty)

 

تسدل رفيقة (29 سنة) خصلات شعرها الأسود على الجانب الأيمن من وجهها، لتخفي أكثر من نصفه تقريبًا. تبدو جميلة وأنيقة بهذه التسريحة، لكن لا بديل لها عنها، فمن لا يعرف رفيقة لا يدرك ما تخفيه. هي تخفي تحت تلك الخصلات تشوهًا يرافقها منذ أكثر من 15 سنة نتج عن تعرضها إلى حادث سير غيّر حياتها رأسًا على عقب.

تقول رفيقة لـ"ألترا تونس" إنّها تعرّضت خلال الحادث إلى إصابة بليغة لاسيما وأنّ السيارة قد انقلبت على الطرف الذي كانت تجلس فيه مما تسبب لها في فقد عينها اليمنى حتى بقي "مكانها أجوف مخيف،" كما تصف، مع آثار خدوش عميقة في خدّها. تضيف أنها لم ترغب في البداية في مواصلة الدراسة بسبب التشوه الكبير في وجهها لكن إصرار عائلتها على متابعة الدراسة جعلها تتحمل إهانات رفاق المعهد، كما تقول، وهو ما جعلها بعد سنتين من الحادثة تقرر الانقطاع عن الدّراسة نهائيًا.

تعرضت رفيقة (29 سنة) لحادث مرور أفقدها عينها اليمنى وخلف خدوشًا عميقة في خدها ولم تستطع القيام بعملية جراحية لارتفاع تكلفتها وعدم تكفل الصندوق الوطني للتأمين على المرض بجراحة التجميل 

اقرأ/ي أيضًا: عالم طب التجميل في تونس.. طب السعادة!

كلّ ما سبق لم يعد يخيفها لكن لا يزال يؤلمها نفور الغرباء من شكلها. تشير رفيقة، في حديثها، إلى أنّها تلمح الدهشة في أعين أي شخص يراها في مكان عام وكأنّه رأى شبحًا مخيفًا أو "غولة" وغيرها من التسميات التي كانت تسمعها من رفاق المعهد، وفق قولها. تتأسف لأنه لا يزال هناك من ينظر إليها على أنها "مخيفة" كما تصف، وتقول إن هناك من نصحنها بارتداء النقاب لإخفاء تشوهها.

طيلة حديثها معنا، تحاول رفيقة ألا يلاعب النسيم خصلات شعرها حتى لا تظهر تلك الندبات في وجهها. وتواصل حديثها عن الحادث الذي لم تستطع تجاوز آثاره إلى اليوم، مبينة أنّها لم تستطع القيام بعملية جراحية بسبب ارتفاع تكلفتها وعدم تكفل الصندوق الوطني للتأمين على المرض بجراحة التجميل التي تكون غالبًا باهظة الثمن.

مما لا شك فيه أن الصورة الكاملة للشخص السوي تكمن في ذات نفسية سوية وجسم مكتمل، لكنّ أيّ خلل في تلك الصورة التي نخالها كاملة قد يسبب عائقًا في التكوين أو التواصل مع الآخر، وفق البعض. وقد يُخلق الشخص وهو يعاني من تشوه خلقي أو نقص جسماني ما، يُدخله في حالة نفسية سيئة يتخطاها مع مرور الوقت والتعوّد بالشكل الذي خلق عليه.

كما يمكن لأيّ شخص أن يولد ويعيش طبيعيًا، لكن فجأة يصاب بتشوه ناتج عن حادث أو حروق أو بعض الأمراض. تشوّه قد يسبّب أضرارًا نفسية كبيرة لصاحبها وهو الذي تعوّد الحياة بشكل عادي لتنقلب بمجرّد التعرّض إلى حادث أو إلى حرق في مستوى عضو معيّن، وكلّما كان التشوه ظاهرًا للعيان كلّما كان أكثر وقعًا في النفس وألمًا وأكثر مدعاة للحرج في المجتمع غالبًا.

مما لا شك فيه أن الصورة الكاملة للشخص السوي تكمن في ذات نفسية سوية وجسم مكتمل، لكنّ أيّ خلل في تلك الصورة التي نخالها كاملة قد يسبب عائقًا في التكوين أو التواصل مع الآخر غالبًا

الآلاف من هؤلاء يسعون أو تسعى عائلاتهم إذا كانوا أطفالًا إلى إجراء عمليات جراحية لإصلاح ما يمكن إصلاحه، لكنّ قلة ذات اليد منعت أغلبهم من ذلك، ولجوءهم إلى صندوق التأمين على المرض لم يساعدهم على حلّ المشكل لاسيما وأنّ الصندوق لا يتكفّل بجراحة التجميل.

اقرأ/ي أيضًا: حكاية طفل القمر.. أحلام "خلود" في كسر القيود

حالة رفيقة تذكّرنا بحالة مريم قضّوم من ولاية القيروان التي تبلغ من العمر 17 سنة تعرّضت هي الأخرى إلى حادث تسبب في تشوّه الجزء الأيسر من وجهها فباتت هي الأخرى تسدل شعرها على ذلك الجزء حتى تخفيه عن أنظار الناس. احتاجت مريم إلى عملية جراحية تجميلية لكنّها لم تستطع بسبب ارتفاع تكلفة العلاج، وعدم تكّفل صندوق التأمين على المرض. وقد تداولت الأشهر الماضية بعض وسائل الإعلام حالة مريم بعد أنّ أطلقت نداء لطلب المساعدة والبحث عمّن يتكفّل بإجراء العملية.

وكلّما كان التشوّه ظاهرًا، كانت النتائج أكثر سلبية خاصة إذا مسّ التشوه مناطق حساسة ومكشوفة من جسم الإنسان. وربّما تظهر الآثار النفسية على صاحب التشوّه منذ سنّ الطفولة بسبب نظرة الغير أو بسبب سخرية وامتعاض البعض الآخر. فإسراء ورهاني طفلة لم يتجاوز عمرها خمس سنوات باتت تشعر بالإحراج بسبب تعرّضها إلى حرق أصاب وجهها وبعض أجزاء مكشوفة من جسدها على غرار يديها. فمجرّد لعبها بالولاعة مستغلة غياب الأم عن البيت أدى إلى احتراق كامل البيت وإنقاذ حياتها بصعوبة.

 تظهر الآثار النفسية على صاحب التشوّه منذ سنّ الطفولة بسبب نظرة الغير أو بسبب سخرية وامتعاض البعض الآخر وكلّما كان التشوه ظاهرًا كانت آثاره أكثر سلبية

إصابتها كانت من الدرجة الثالثة مما خلّف لها تشوهًا على مستوى الوجه وأصابع اليد التي لم تعد قادرة على تحريكها جيّدًا. تقول عفاف، إحدى قريباتها، لـ"ألترا تونس" إنّ عائلتها لم تستطع التكفل بباقي العلاج أو إجراء عملية جراحية بسبب عدم تكفل صندوق التأمين على المرض بمثل هذه العمليات لارتفاع تكلفتها. وتبحث العائلة اليوم عن جمعيات خيرية أو متبرعين لإجراء الجراحة التي طال انتظارها.

صندوق التأمين على المرض لم يدرج في قائمة الأمراض أو التدخلات الطبية التي يتكفّل باسترجاع مصاريفها جراحة التجميل أو تقويم الأعضاء، كما لم يدرج بعض الأمراض المزمنة على غرار الكوليسترول أو الهيموفيليا أو بعض الأمراض العصبية. كما حدد الحد الأقصى لاسترجاع المصاريف العلاجية مهما كان نوعها إذا تجاوزت السقف المحدّد، وقد تقدّمت آلاف المطالب من بعض المرضى لتعديل السقف المحدد أو قائمة الأمراض التي يتكفّل الصندوق باسترجاع مصاريفها.

آلاف التشوهات الجسدية سواء كانت جلدية أو عضوية، البعض ولد بها والبعض الآخر بات يعاني منها بسبب التعرّض إلى حوادث مختلفة. تعايش البعض وتأقلم مع وضعه متصالحًا مع ذاته الجسدية بتشوهها، ولكن لم يقدر آخرون على مواجهة تلك التشوهات العميقة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مرض التوحد في تونس.. مراكز خاصة مكلفة والعمومي لم يفتح أبوابه!

التأتأة.. ألفاظ عالقة تواجه السخرية