02-يناير-2019

 

قال عنها رئيس الجمهورية إنها "سنة فاصلة وانتخابية بامتياز" وإنه "لابد من الإعداد لها جيدًا". كان هذا جزءًا من حديث قائد السبسي عن سنة 2019 خلال تهنئته التونسيين بحلول العام الجديد، لكن لم ينتظر التونسيون خطاب التهنئة لتبيّن خصوصية هذا العام. الكل يعلم قيمة التحديات والاستحقاقات التي تنتظرنا لكن تعدد السيناريوهات الممكنة يؤرق الجميع.

أزمة اجتماعية.. والحلول غائبة

التحديات عديدة. تكون في بداية هذه السنة ذات صبغة اجتماعية وقد تكون نتائجها محددة في علاقة بالتحديات السياسية للبلاد منتهى العام وأبرزها الانتخابات الرئاسية والتشريعية. المأزق بين اتحاد الشغل، المنظمة الشغيلة الأكبر في تونس، والحكومة لا يزال قائمًا وخطاب الطرف النقابي يزداد حدة مع قرب موعد الإضراب العام في الوظيفة العمومية والقطاع العام يوم 17 جانفي/ كانون الثاني 2019.

منذ أيام قليلة شبّه المتحدث باسم اتحاد الشغل سامي الطاهري مقترحات الحكومة للزيادة في أجور أعوان الوظيفة العمومية بـ"التجميد المقنع للأجور"، معتبراً أنها لا ترتقي للزيادة الأخيرة في أجور القطاع العام والتي وضعها الاتحاد كحدّ أدنى للزيادة في أجور الوظيفة العمومية. يومان قبل نهاية السنة الماضية، صرح أمين عام الاتحاد نور الدين الطبوبي أنه "لا يبيع ولا يشتري في ملف الزيادة في الوظيفة العمومية"، وفق تعبيره.

تبقى فرضية اتفاق اجتماعي بين كبرى المنظمات الشغيلة والحكومة قائمة

من المهم التذكير بمطالب أساتذة التعليم الثانوي الذين يواصلون مقاطعة الامتحانات وقد قرروا مؤخرًا أشكالًا احتجاجية أخرى منتظرة قريبًا. إذا بقي الحال كما هو عليه، من المنتظر أن ترتفع وتيرة الاحتجاجات والتي قد تمثل مباشرة أو بشكل غير مباشر تهديدًا للسلطة التنفيذية ولتطور أعمالها.

أما الفرضية الثانية فهي أن يرضخ الشاهد لمطالب المنظمة الشغيلة، إذ من المنتظر أن تقلل هذه الفرضية من وتيرة الاحتجاج والضغط الشعبي لكنها قد تكون الخطوة التي تقصف باتفاق الحكومة مع صندوق النقد الدولي، الذي يُعارض، عبر ما يسميه إصلاحات اتفق عليها مع رئاسة الحكومة، أي زيادات إضافية في قطاع الوظيفة العمومية.

ولا يبدو أن وضع تونس الاقتصادي بأي حال من الأحوال متهيئ لهكذا انعكاس، وقد صرح وزير المالية رضا شلغوم في سبتمبر/ أيلول الماضي أن "مدفوعات ديون تونس ستزيد إلى مستوى قياسي يتجاوز التسعة مليارات دينار (أي ما يعادل 3.23 مليار دولار) خلال سنة 2019". هل البلد قادر على التخلي عن اتفاق صندوق النقد وما يوفره من قروض حاليًا ومن ضمانات للخارج؟ يكمن هنا المأزق.

الصورة ضبابية لكن جلوس التونسيين إلى طاولة الحوار في مناسبات عدة إبان الثورة خلص البلاد من أزمات كانت قد تعصف بكل مسارها الديمقراطي وتبقى بذلك فرضية اتفاق اجتماعي بين كبرى المنظمات الشغيلة والحكومة قائمًا.

هاجس تعطل المسار الانتخابي

بعيدًا عن الاحتجاجات الاجتماعية وإملاءات صندوق النقد، يثير وضع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مخاوف عدة لدى التونسيين، وهي المخولة وفق الدستور، بالإشراف على الاستحقاقات الانتخابية لكنها "دون رئيس" بعد استقالة رئيسها الذي كان قد أكد مؤخرًا في تصريح له ضرورة انتخاب رئيس جديد للهيئة وتجديد 3 أعضاء من قبل مجلس النواب في أقرب وقت ممكن، كما ذكر أن "هناك ملفات معطلة يجب أن يحسم فيها مجلس هيئة الانتخابات وأن هذا الأمر غير ممكن حاليًا باعتبار أن هذا الأخير لا يعقد اجتماعات".

تأخر أعمال هيئة الانتخابات وما قد ينجر عن ذلك قد تكون له نتائج سلبية ومنها التشكيك في عمل الهيئة وحتى في نتائج الانتخابات القادمة

ورغم طمأنة الشارع التونسي بتصريحات وبيانات عدة من الفاعلين السياسيين الذين أكدوا من خلالها تمسكهم بعدم تأجيل الانتخابات إلا أن تأخر أعمال الهيئة وما قد ينجر عن ذلك من إشكالات على مستوى المسار الانتقالي الديمقراطي قد تكون له نتائج سلبية، ومنها التشكيك في عمل الهيئة وحتى في نتائج الانتخابات القادمة.

وليس وضع بقية الهيئات والمؤسسات الدستورية بأفضل حال خاصة في ظل تواصل معضلة الفشل في انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية والتي ينص الدستور على إرسائها بعد سنة واحدة من الانتخابات التشريعية السابقة بينما مرت الآن أكثر من 4 سنوات.

تحديات دولية؟

في الأثناء يبدو أن أمرًا آخر يشغل قائد السبسي الأب. كان ذلك واضحًا في خطابه الأخير الذي وجهه للتونسيين للتهنئة برأس السنة، خصص قائد السبسي جزءًا مهمًا من خطابه للحديث عن القمة العربية القادمة التي ستحتضنها تونس موفى مارس/ آذار القادم. وتحدث عن ما أسماها "تحديات دولية أمام التونسيين".

بدا غريبًا أن تتضمن تهنئة رئيس بلد لشعبه بمناسبة "رأس السنة" دعوة "لإنجاح القمة العربية"، كما قال. خاصة وأن التونسيين في أمس الحاجة لرسائل طمأنة عن الداخل الذي يعرف اضطرابات عدة. قال قائد السبسي: "لا بد أن يحرص التونسيون على نجاح هذه القمة التي تأتي في أوضاع عربية تتسم بخلافات عدة"، مضيفًا "أريد أن تمثل كل الدول العربية في القمة.. أن يحضر كل رؤساء الدول.. ربما تكون فرصة لتقريب وجهات النظر بين الدول العربية وتكون هذه القمة منطلقًا لعمل عربي مشترك لفائدة الأمة العربية".

من المخيب أن تونس التي انطلقت منها الثورات العربية في 2011 هي ذاتها التي ستنطلق منها "عملية التأهيل" للنظام السوري بعد كل مجازره في حق شعبه

كان هذا تأكيدًا آخر لما يروج بشدة مؤخرًا عن توجه لدعوة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى قمة آذار/مارس المقبل في تونس واستعادة النظام لمقعد سوريا في الجامعة العربية، خاصة وأن عملية "إعادة تأهيل النظام السوري عربيًا" واضحة مؤخرًا ومن تجلياتها إعادة فتح سفارة الإمارات في سوريا منذ حوالي أسبوع.

وكان وزير الخارجية خميس الجهيناوي قد نفى أي دعوة حاليًا، مؤكدًا أن الأمر مرهون بقرار عربي، وأن تونس لم تكمل دعوة كافة القادة العرب للقمة، لكنه حقيقة نفي لا يعني "النفي" بل هو يشير إلى أن الأمر محل تدارس ومشاورات. لكن المخيب في الأمر أن تونس التي انطلقت منها الثورات العربية في 2011 هي ذاتها التي ستنطلق منها "عملية التأهيل" للنظام السوري بعد كل مجازره في حق شعبه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تونس.. الأزمة أعمق من مجرد تحوير وزاري

اندماج "الوطني الحر" في "النداء".. إعادة خلط الأوراق في تونس