08-أبريل-2018

عادة التصفيح كانت تلقى انتشارًا في الأرياف التونسية (getty)

"لم يخطر ببالي يومًا أنّني سأكون ضحية طقوس وتخاريف بعض العجائز، ولم يدر بخلدي أنّ والدتي ستفعل بي مثلما تفعل الأمهات لحماية عذرية بناتهن"، هكذا تحدّث رمزي (اسم مستعار) لـ"الترا تونس" عن تجربته مع تصفيح الفتيان في تونس.

اقرأ/ي أيضًا: ضحايا الاغتصاب في تونس.. قصص الوجع الدائم

لم يعلم بتصفيحه إلا ليلة زواجه

رمزي أربعيني نشأ في أحد أرياف الشمال الغربي في تونس، وهو الابن الوحيد لوالديه وسط 4 بنات، سلّمته أمّه وهو فتى صغير السن حديث العهد بالمدرسة إلى قريبتها لتصفيحه رفقة صبيان آخرين. ويروي رمزي لـ"الترا تونس" أن هذه الواقعة محيت من ذهنه تمامًا ولم يكن ليتفطّن إليها لو لم يواجه بعض المشاكل الجنسية خلال دراسته بالجامعة وعانى من عجز جنسي رافقه لعدّة سنوات واستتبعه تلقي العلاج عند أخصائي نفسي بعد إجراء عدّة فحوصات أكّدت أن المشكل نفسي وليس جسديًا.

وفي إحدى جلسات العلاج النفسي، أخبره الأخصائي أن الفراغ وعدم الاستقرار قد يكونا من أسباب العجز الجنسي الذي يعاني منه، وقرّر رمزي العودة إلى مسقط رأسه ليفاتح أمّه برغبته في الزواج الذي رأى فيه الخلاص من مشاكله النفسية المتراكمة، وفق قوله. ويقول رمزي إنّ طريقة الارتباط لم تعنه وقتها فأوكل المهمة إلى والدته التي زكّت إحدى بنات أختها.

لم يعلم رمزي أن أمه قد صفّحته إلا ليلة زواجه وبعد فتحها "الشروليّة" في ذلك اليوم لم يعد يعاني كما في السابق

وكانت المفاجأة ليلة الزواج إذ حضرت أمّه إلى غرفته قبل الذهاب إلى منزل العروس ومسكت "شروليّة" (قفلًا) بها مفتاح وقامت بفتحها بين ساقيه كما حدّثنا. ويضيف رمزي أن أمّه لم تتردّد حينها في إخباره بأنها قامت بتصفيحه كما فعلت مع أخواته من أجل ألا يقرب الحرام والزنا وألا يلحق العار بـ "بنات الناس"، وأنها فكت رباطه اليوم لأنه مقدم على الزواج، مؤكّدًا لنا أنّه لم يعان منذ ذلك اليوم أي مشاكل جنسية أو نفسية.

وبغض النظر عن تصنيف ربط الرجل أي تصفيحه دينيًا أو علميًا، فإن هذا الطقس كان معمولًا به في بعض الأرياف التونسية. ويبدو أن بعض العائلات حرصت على حراسة الجسد الأنثوي كما الجسد الذكوري والحيلولة دون وقوعه في خطر ممارسة الجنس خارج الأطر الشرعية التي يحدّدها الدين والمجتمع، أو ربّما يمثل تصفيح الفتيان وجهًا آخر لحراسة الجسد الأنثوي من خلال ربطهم عن إتيانه.

"سكّرتك بالشروليّة على كل بنية"

تقول الخالة فاطمة، وهي امرأة مسنة أصيلة أحد أرياف الشمال الغربي، كانت تتولّى تصفيح فتيات وفتيان قريتها في سن مبكّرة بطلب من أهاليهم، إنّ حالات تصفيح الفتيان موجودة ولكنّها قليلة جدّا مقارنة بتصفيح الفتيات. وتضيف في حوارها لـ"الترا تونس" أنها قامت بتصفيح حوالي 10 صبيان بطلب من أمهاتهم اللاتي عبّرن عن مخاوفهن من وقوع أولادهم في شرك الحرام في فترة المراهقة، وخشية أن "يلحقهم الدعاء" وفق تعبيرها، مشيرة إلى أنّ تصفيح الفتيان يعرف أيضًا بـ"الرّبط".

وعن طريقة القيام بـ"الربط"، تقول الخالة فاطمة إن تصفيح الفتيان يختلف عن تصفيح الفتيات، وإنّها تعتمد طريقة واحدة في ذلك وهي القفل والمفتاح، مشدّدة على أنّه "لا يمكن لأي كان أن يقوم بهذه العملية إذ يجب أن تكون المرأة التي تقوم بالعملية خبيرة بهذه الطقوس ومارستها لسنوات كما يجب أن يكون لاسمها أبعادًا دينية"، وفق قولها.

الخالة فاطمة تقول إن الأم التي تريد أن" تربط" ابنها تسلّمه إليها في سن مبكرة، وتتم العملية بوضع قفل ومفتاح بين ساقي الصبي وتقول "سكّرتك بالشرولية على كل بنية"

تضيف الخالة فاطمة إن "الأم التي تريد أن تربط ابنها تسلّمه إليها في سن مبكرة ويحبّذ ألا يتجاوز الـ 10 سنوات، وتحضر معها قفلًا ومفتاحًا لم يقع استعمالهما من قبل، ثم أقوم بوضعهما بين ساقي الصبي وأقول "سكّرتك بالشرولية على كل بنية"، وأغلق لاحقًا القفل الحديدي وأضع فيه المفتاح وأسلّم للأم التي تخبئه بإحكام ولا تفتحه إلا ليلة زواج ابنها". وتلاحظ محدثتنا أن هناك من يردّد أيضًا "سكّرتك بين هواء وفضاء على بنت كل مرا" في القيام بعملية الربط التي تؤدّي إلى إزالة الرغبة الجنسية وعدم القدرة على الانتصاب عند الإثارة، وفق حديثها لـ"الترا تونس".

وعن عدم جرح الفتى في ركبته سبع جروح طفيفة وتناوله سبع حبات تمر أو زبيب مغموسة بدمه المراق وهي الطريقة الأكثر شيوعًا لتصفيح الفتيات، تقول "إن عذرية الفتاة مقترنة بإراقة دم البكارة دليلاً على الشرف، الذي حافظت عليه الفتاة حتى ليلة الدخلة لذلك اقترن تصفيحها بإراقة قطرات من دمها، لكن تصفيح الفتيان بالأساس هو حماية له من الانزلاق إلى الحرام".

اقرأ/ي أيضًا: بيض وسمك وضرب.. أغرب عادات الزواج في تونس

دم وزبيب وتمر وقفل لتصفيح الفتاة

تصفيح الفتيات هو ظاهرة قديمة توارثها التونسيون خاصة في الأرياف وتختلف طرق القيام بالعملية لكنّها تلتقي في كونها تتم على مرحلتين تخضعان لنفس التفاصيل تسمى الأولى بالغلق وتتم قبل بلوغ الفتاة، فيما تسمى الثانية بإزالة التصفيح وتتم قبل يوم الزواج. وتصفيح الفتاة كما روته لنا الخالة فاطمة يخضع إلى جملة من الشروط والقواعد من أهمها عمر الفتاة الذي يجب ألا يتجاوز سن البلوغ، وخلو المنزل من الذكور أثناء القيام بالعملية.

تصفيح الفتيات هو ظاهرة قديمة توارثها التونسيون خاصة في الأرياف وتختلف طرق القيام بالعملية ولكنها تشترك في قول عبارة "أنا حيط وولد الناس خيط"

ومن بين طرق التصفيح إحداث 7 "شلطات" أي جروح طفيفة في ركبة الفتاة، ثم غمس 7 حبات زبيب أو تمر في الدم المراق وتناولها تباعًا مع القول "أنا حيط وولد الناس خيط"، في إشارة إلى أنّ الفتاة جدار منيع والفتى خيط رفيع. فيما تتمثّل الطريقة الثانية في إدخال الفتاة إلى المنسج من جهة وخروجها من الجهة الثانية 7 مرات متتالية مع تكرار عبارة " أنا حيط وولد الناس خيط" كذلك.

وتشترك الطريقة الثالثة مع طريقة تصفيح الفتيان في كونها تتّم عبر استعمال قفل ومفتاح حيث تقوم المشرفة على الطقس بغلق القفل وفتحه 7 مرات متتاليات تردّد معها الفتاة عبرة "أنا حيط وولد الناس خيط"، وهي العبارة المكرّرة في كل الطرق، لتنتهي العملية بغلق القفل وتسليم المفتاح إلى والدة الفتاة التي تبقيه على حاله إلى حين زواج ابنتها.

تتمّ عملية إزالة التصفيح قبل موعد الزفاف بنفس الطريقة التي تم بها التصفيح من قبل نفس المرأة التي قامت به أو امرأة أخرى تحمل نفس اسمها في حال وفاتها أو تعذّر حضورها

وتتمّ عملية إزالة التصفيح قبل موعد الزفاف بنفس الطريقة التي تم بها التصفيح من قبل نفس المرأة التي قامت به أو امرأة أخرى تحمل نفس اسمها في حال وفاتها أو تعذّر حضورها، وذلك مع فارق بسيط يتمثل في عكس كلمات الجملة التي تم ترديدها في التصفيح فتقول الفتاة "انا خيط وولد الناس حيط".

وتتضارب الآراء حول عملية التصفيح، إذ يعتبره رجال الدين ضربًا من ضروب السحر فيما يؤكّد علماء النفس والاجتماع أن للعملية غايات نفسية تتمثل في إيهام الفتاة بأنها محروسة من قبل جنيّ يحمي عذريتها خلال فترة العزوبية، وهو ما يجعلها تحجم عن ممارسة الجنس خارج إطار الزواج. واليوم وفي ظلّ التحضر في المجتمع وانتشار الوعي بين أفراده، لم يعد يكثر الحديث عن التصفيح إلا في بعض الأرياف التي لا تزال تتوارث هذه العادة الذي أوجدها الأجداد لغاية أساسية وهي حماية عذرية الفتاة، وفق رؤيتهم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

خوخة.. صديقتي التي تلبس مثل الناس كي تتنكر

تصفيح الفتيات في تونس.. العلاقة بين الحائط والخيط