21-سبتمبر-2021

الإقرار بتعليق الدستور له استتباعات قانونية واستتباعات أخرى ضمنيًا داخليًا وخارجيًا، وهو ما يبدو أن سعيّد يتجنبه (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

صباحًا رن هاتفي لثوان. كانت إحدى الصديقات "ماذا قال الرئيس أمس ليلاً؟، كان الرد سريعًا وجاهزًا "التدابير الاستثنائية ستتواصل وتم وضع أحكام انتقالية وما ورد في الدستور حول الحريات ستتم المحافظة عليه وستكون هناك حكومة وسيتم تغيير النظام الانتخابي".

ردت سريعاً بسؤال واحد "ماذا يعني ذلك؟". هذا السؤال كان أكثر ما نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي تونسيًا مباشرة إثر كلمة لم يتم الإعلان عنها مسبقًا للرئيس قيس سعيّد، إثر زيارة غير معلنة له، مساء الاثنين 20 سبتمبر/ أيلول 2021، لولاية سيدي بوزيد.

ولذلك كانت محاولات الإجابة على السؤال أكثر ما استيقظ عليه التونسيون، صباح الثلاثاء 21 سبتمبر/ أيلول 2021. تعددت المحاولات من أساتذة قانون وقيادات حزبية ونشطاء سياسيين. 

اقرأ/ي أيضًا: قيس سعيّد: ستتواصل التدابير الاستثنائية وتم وضع أحكام انتقالية


  • أساتذة القانون

اختلف أساتذة القانون في  تأويل ما أراد أن يذهب إليه الرئيس على مستوى السؤال  "هل يعني ما أعلنه ضمنيًا تعليق العمل بالدستور الحالي؟". في هذا الصدد، تقول أستاذة القانون الدستوري منى كريّم، في إذاعة شمس اف ام (محلية)، صباح الثلاثاء، إن "وضع أحكام انتقالية" كما ورد حرفيًا في كلمة الرئيس يعني تعليق العمل بالدستور، وأوضحت "في حال بقي الدستور ساري المفعول لسنا بحاجة إلى أحكام انتقالية بل إلى تدابير استثنائية يكون الهدف الوحيد منها هو أن نعود إلى السير العادي لدواليب الدولة". 

منى كريّم: في حال بقي الدستور ساري المفعول لسنا بحاجة إلى أحكام انتقالية بل إلى تدابير استثنائية يكون الهدف الوحيد منها هو أن نعود إلى السير العادي لدواليب الدولة

وأضافت كريّم أن الرئيس بحديثه عن الأحكام الانتقالية يعني أننا سننتقل من وضعية الفصل 80، كما تصورها وقال إنه طبقها في 25 جويلية الماضي، إلى وضعية أخرى تتطلب وضع أحكام جديدة تتعلق بتنظيم السلط العمومية.

لا يشاطرها الرأي نوفل سعيّد، أستاذ القانون وشقيق الرئيس التونسي، الذي دوّن على صحته الرسمية، الاثنين ليلاً، "استمرار الإجراءات الاستثنائية يتطلب وضع أحكام انتقالية ولكن لا يعني بالضرورة تعليق العمل بالدستور"، موضحًا  "الأحكام الانتقالية ذات نطاق معيّن ومساحة محددة تضمن بصفة مؤقتة التعايش بين مجموعة من الأحكام القديمة، وليس بالضرورة كلّها، وأخرى جديدة سترى النور بمجرد تحقق الأحداث المرتقبة التي تدخلها حيز النفاذ.."، وفقه.

قد يتساءل البعض عن سر التركيز على محاولة فهم "تعليق الدستور الحالي من عدمه"، وفي الحقيقة الإقرار بتعليق الدستور له استتباعات قانونية واستتباعات أخرى ضمنيًا داخليًا وخارجيًا، وهو ما يبدو أن سعيّد يتجنبه لكن يُطرح سؤال بشدة "إلى أي مدى يمكن اعتبار إدخال تعديلات واسعة على دستور 2014 تخص أبواب السلط التشريعية والتنفيذية وفلسفة الحكم إجمالًا من البرلماني المعدل إلى الرئاسي إلى غير ذلك من التعديلات المنسجمة مع تحول نظام الحكم.. مجرد "تعديل جزئي" وليست تعليقًا ولو مقنعًا للدستور؟

الإقرار بتعليق الدستور له استتباعات قانونية واستتباعات أخرى ضمنيًا داخليًا وخارجيًا، وهو ما يبدو أن سعيّد يتجنبه لكن يُطرح سؤال بشدة "إلى أي مدى يمكن اعتبار إدخال تعديلات واسعة على دستور 2014 تغير فلسفة الحكم إجمالًا.. مجرد "تعديل جزئي" وليست تعليقًا للدستور؟ 

من جانب آخر، يقول أستاذ القانون الدستوري الصغير الزكراوي لإذاعة موزاييك محلية إنه "لا يمكن الجزم أن ذلك يعني تعليق العمل بالدستور"، مشيرًا إلى أن "سعيّد مطالب اليوم بنشر النص المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط (الأحكام الانتقالية التي قال إنه تم وضعها)".

أما أستاذ القانون الدستوري الحبيب خذر فعلّق على صفحته الرسمية بموقع التواصل فيسبوك على نقطة أخرى تضمنتها كلمة الرئيس وهي توجهه نحو اقتراح قانون انتخابي جديد. يقول خذر "لا يمكن دستوريًا تعديل النظام الانتخابي إلا بقانون صادر عن السلطة التشريعية وهو مستثنى من مجال المراسيم (الفقرة الأخيرة من الفصل 70)، غير ذلك ليس إلاّ إيغالاً في الانقلاب"، وفق تعبيره.

نوفل سعيّد: "استمرار الإجراءات الاستثنائية يتطلب وضع أحكام انتقالية ولكن لا يعني بالضرورة تعليق العمل بالدستور"

  • نشطاء وحقوقيون ومحللون للشأن السياسي 

دوّن المحامي والناشط السياسي عبد الواحد اليحياوي، ليل الاثنين، على صفحته بموقع فيسبوك، تفاعلًا مع كلمة الرئيس سعيّد وما تضمنته شكلًا وموضوعًا  "رئيس يصف وقفة للمعارضة بأنها مؤامرة وفتنة ومسرحية فاشلة ويصف معارضيه بالخونة والعملاء، لا يمكن أن يكون أمينًا على الديمقراطية والحريات.. رئيس يعتقد أن معارضيه يستحقون السجون وأنه لا يرمي بهم داخلها فضلاً منه، سيأتي وقت يعتقد أنهم لا يستحقون فضله وسيضطدهم.. أكثر خوفًا من أي وقت مضى على بعض الحرية التي منحنا إياها الشهداء.. سيدفع التونسيون بعض حريتهم ثمنًا لخبز لن يأتي.. وقعنا في الفخ..".

وكان سعيّد، خلال كلمته، قد وصف احتجاجات السبت الماضي أمام المسرح البلدي بالعاصمة والتي كانت مناهضة له، بالـ"مسرحية" ونعت المحتجين بالمخمورين وغير ذلك.

أما الكاتب والناشط السياسي طارق الكحلاوي فاختار التركيز على مضمون الكلمة المتعلق بالقرارات واعتبر أنه تم "الإعلان بوضوح عن وضع تنظيم مؤقت للسلط بمعنى تعليق القسم المتعلق بالسلطتين التنفيذية والتشريعية في الدستور"، مستدركًا أنه "من غير الواضح متى سيتم الإعلان عن التعليق حرفيًا". واستنتج أنه "سيتم على إثر ذلك، تعيين رئيس حكومة/وزير أول وفقًا لتنظيم مؤقت سيكون ذو طابع رئاسي".

وتساءل الكحلاوي، على صفحته الرسمية بموقع التواصل فيسبوك، "سيقع وضع قانون انتخابي جديد، فمن يضع القانون؟"، وتوقع "استفتاء على تعديل الدستور في أقسام السلط "، متسائلًا من جديد "من يحدد أسئلة الاستفتاء؟"، ذاهبًا إلى أن نهاية هذا التوجه ستكون نحو "تنظيم انتخابات مبكرة". وشدد أن "الخلاصة عمليًا حل البرلمان وتعليق الدستور لكن دون الإقرار بذلك شكلاً".

طارق الكحلاوي: "الخلاصة عمليًا حل البرلمان وتعليق الدستور لكن دون الإقرار بذلك شكلاً"

أما معز عطية، الأستاذ الجامعي والناشط بالمجتمع المدني، فقد علّق "الخونة والمتآمرين في المسرح البلدي وأنا والشعب في مسرح سيدي بوزيد. هذه رسالة رئيس الجمهورية في خطوة لمزيد من التجييش وتأزيم الوضع السياسي وغياب حلول لإنهاء الحالة الاستثنائية"، وفق توصيفه.

ويوافقه فيما ذهب إليه رامي الصالحي، الناشط الحقوقي ورئيس مكتب المغرب العربي للشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان، الذي علّق "لن يهدأ قيس سعيّد ولن يرتاح له بال حتّى يفتح حربًا أهلية بين التونسيين. خطاباته قائمة على التفرقة بين التونسيات والتونسيين وبين الجهات والفئات وعلى بثّ الحقد والكراهية والنقمة، واعتماد معجم فاشي وعبارات هستيريا وتهديد ووعيد.."، وفقه. 

رامي الصالحي: "خطابات سعيّد قائمة على التفرقة بين التونسيات والتونسيين وبين الجهات والفئات وعلى بثّ الحقد والكراهية والنقمة"

  • قيادات حزبية

التزمت الأحزاب في تونس الصمت تجاه كلمة الرئيس الليلية بسيدي بوزيد. كان ذلك واضحًا إذ إلى حدود منتصف اليوم الموالي للكلمة لم يصدر أي حزب موقفًا رسميًا في بيان معلن للعموم. 

واكتفت بعض القيادات الحزبية بالتعليق على حساباتها على مواقع التواصل أو في بعض الإذاعات المحلية، ومن ذلك تصريح زهير المغزاوي، أمين عام حركة الشعب القومية الداعمة لتوجهات الرئيس سعيّد، والذي أكد "تبني حزبه ما جاء في كلمة الرئيس، واعتبر أنها تندرج "في إطار الإصلاحات السياسية وأن الفترة الحالية هي تصحيح للمسار الثوري الذي انطلق يوم 17 ديسمبر 2010"، وفق تعبيره.

المغزاوي: "كلمة الرئيس تندرج في إطار الإصلاحات السياسية والفترة الحالية هي تصحيح للمسار الثوري الذي انطلق يوم 17 ديسمبر 2010"

فيما اكتفى شكري الجلاصي، عضو المكتب السياسي لحزب التيار الديمقراطي، بالتعليق على صفحته بفيسبوك، "خطاب مهزلة وكارثة بأتم معنى الكلمة!". واعتبر القيادي بحركة النهضة سامي الطريقي، ظهر الثلاثاء، أن "السكوت من ذهب".

وكان الرئيس التونسي قيس سعيّد قد قال، خلال كلمة ألقاها من ولاية سيدي بوزيد، في ساعة متأخرة من ليل الاثنين 20 سبتمبر/ أيلول 2021، إن التدابير الاستثنائية التي كان قد أقرها في 25 جويلية/ يوليو الماضي ستتواصل، مضيفًا أنه "تم وضع أحكام انتقالية وأن ما ورد في الدستور حول الحريات ستتم المحافظة عليه".

وتابع "سيتم وضع مشروع قانون انتخابي جديد يكون النائب فيه مسؤولاً أمام ناخبيه"، مشددًا "ليسمع كل العالم، السيادة للشعب"، وفق  تعبيره. وكان قد قال في أول كلمته إن ''الثورة انطلقت من سيدي بوزيد يوم 17 ديسمبر 2010، و 14 جانفي هو تاريخ إجهاضها'' وفق وصفه.

القيادي بحركة النهضة سامي الطريقي: "السكوت من ذهب"

وتعليقًا على الدعوات لتعيين حكومة ورئيس لها، تحدث سعيّد "القضية ليست قضية حكومة بل هي قضية منظومة". وفي بداية كلمته كان قد صرح أن "هناك من يحاول بث الفوضى والفتنة والخطر لا يزال جاثماً في تونس"، دون تقديم أي أسماء أو توضيح "الأطراف" التي يتحدث عنها ودون تقديم تفاصيل عن هذه المخططات. كما اعتبر أن احتجاجات السبت الماضي أمام المسرح البلدي بالعاصمة "مسرحية".

وشدد خلال ذات الكلمة، "لا مجال للتراجع كما يتحدث البعض أننا في حالة ارتباك". 

وكانت قد أثارت تصريحات سابقة لمستشار الرئيس قيس سعيّد، وليد الحجام، مساء الخميس 9 سبتمبر/ أيلول 2021، ردود فعل متعددة في المشهد السياسي التونسي وقد وردت هذه التصريحات على التوالي في قناة أجنبية هي سكاي نيوز عربية، ثم في برقية نشرتها وكالة رويترز.

وكان وليد الحجام، مستشار الرئيس قيس سعيّد، قد صرح لرويترز أن "هناك اتجاهًا لتغيير النظام السياسي في البلاد وربما يكون ذلك عبر استفتاء"، مشيرًا إلى أن "الدستور الحالي أصبح عائقًا أساسيًا ويُفترض تعليقه ووضع نظام للسلطات المؤقتة"، وفقه.

وأضاف، وفق برقية رويترز، "برنامج الرئيس أصبح على بعد خطوات قليلة ومن المتوقع أن يجري إعلانه قريبًا".

اقرأ/ي أيضًا: مستشار سعيّد: هناك اتجاه لتغيير النظام السياسي في تونس وربما عبر استفتاء

تزامنًا مع مرور شهر على إعلانه ما أسماها "التدابير الاستثنائية"، كان سعيّد قد قرر التمديد فيها وذلك "إلى غاية إشعار آخر"

وكان الفاعلون في المشهد السياسي التونسي في انتظار "خارطة طريق" أو أي توضيحات عن المشروع الذي ينوي تطبيقه الرئيس التونسي قيس سعيّد، والذي وإن كان قد أعلن عن البعض من أفكاره خلال حملته الانتخابية سنة 2019 أو لوّح خلال خطاباته مؤخرًا بالبعض الآخر منها، فإن غموضًا لا يزال يلف الرجل وما يريد تطبيقه إثر توجهه ليل 25 جويلية/ يوليو الماضي لتجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن النواب وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من منصبه وإعلانه أنه سيتولى مهام السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس حكومة يختاره بنفسه، وذلك لمدة 30 يومًا، وفق إعلانه يومها.

وأعلن سعيّد أيضًا أنه سيتولى رئاسة النيابة العمومية، إضافة إلى إصداره قرارات أخرى تنظيمية وترتيبية لاحقًا من خلال أوامر رئاسية. وتم هذا الإعلان خلال ترؤسه اجتماعًا طارئًا للقيادات العسكرية والأمنية بقصر قرطاج وقال خلاله سعيّد إنه يطبق "الفصل  80 من دستور 2014". وإثر ذلك وتزامنًا مع مرور شهر على إعلانه قراراته، قرر سعيّد التمديد فيها وذلك "إلى غاية إشعار آخر".



اقرأ/ي أيضًا:

توجه نحو تعليق الدستور وتغيير النظام السياسي عبر استفتاء.. تخوّف وانتقادات

هل يكون الاستفتاء على تعديل النظام السياسي وجهة قيس سعيّد القادمة؟