لم تتوقع التونسية سارة عبادة (41 عامًا)، أن تبقى عاطلة عن العمل لسنوات طويلة رغم تخرجها بتفوق وحصولها على الأستاذية في اللغة الإنجليزية منذ سنة 2007.
بعد سنوات طويلة من الاستسلام قررت التونسية سارة عبادة كسر قيود البطالة التي لم تخترها بل فرضت عليها وقررت الاشتغال كعاملة توصيل
وعلى امتداد 17 عامًا عانت سارة، أصيلة ولاية قفصة، كأغلب أصحاب الشهائد العليا في تونس من البطالة التي فُرضت عليها قسريًا بسبب قلة فرص الشغل خصوصًا في المناطق الداخلية وجنوب البلاد.
لم تتوقع سارة أن تبقى عاطلة عن العمل وهي التي تخرجت بتفوق من جامعتها (الترا تونس)
سارة عبادة.. عاملة توصيل صنعت من الضعف قوة
بعد طلاقها، وجدت سارة نفسها مضطرة للخروج من عالم البطالة المظلم والبحث عن موطن شغل يعيد لها كرامتها ويوفر لها مورد رزق تعيل منه نفسها وطفلتها الوحيدة.
تقول سارة في حديثها مع "الترا تونس"، إنّها فكرت قبل سنة من الآن في شراء دراجة نارية للعمل عليها، غير أن أسعار الدراجات النارية كانت مرتفعة ولم تقدر على توفير ثمنها إلى أن وجدت واحدة معروضة للبيع في إحدى المجموعات على "فيسبوك".
سارة عبادة لـ"الترا تونس": أقدّم خدمات يراها كثيرون بسيطة وأراها نبيلة، لقد قررت تكريس حياتي لخدمة الناس من خلال الذهاب عوضًا عنهم لخلاص الفواتير والتبضع من السوق أو لإيصال حاجياتهم
تضيف قائلة: "كان ثمن الدراجة المعروضة للبيع مناسبًا نوعًا ما فقررت شراءها والانطلاق في العمل كعاملة توصيل مستقلة في ولاية قفصة، والغريب أن هذه الدراجة حاولت شراءها قبل سنة لكن ثمنها كان مرتفعًا جدًا".
تواصل سارة حديثها: أقدّم خدمات يراها كثيرون بسيطة وأراها خدمات نبيلة، لقد قررت تكريس حياتي لخدمة الناس من خلال الذهاب عوضًا عنهم لخلاص الفواتير والتبضع من السوق أو لإيصال حاجياتهم إلى أقاربهم أو لأي مكان يريدونه.
سارة عبادة لـ"الترا تونس": حب الناس وتشجيعهم لي أهم بكثير بالنسبة لي من القيمة المالية التي أتقاضاها وأنا سعيدة بما أجنيه يوميًا إن كان كثيرًا أو قليلاً
تقدم سارة كل هذه الخدمات مقابل 4 دنانير فقط للخدمة الواحدة، لكنها تقول إنّ حب الناس وتشجيعهم لها أهم بكثير من القيمة المالية التي تتقاضاها وإنها سعيدة بما تجنيه يوميًا إن كان كثيرًا أو قليلاً، وفقها.
سارة عبادة: الجميع شجعني وسأسعى لإتقان مهنتي
منذ صغرها، تفضل سارة عادة العمل الحر ولا تحبّذ العمل لساعات طويلة في المكاتب أو الإدارات، وهو ما جعلها متعلقة بعملها الحالي كعاملة توصيل وتنوي المواصلة فيه، وفقها.
عندما فكرت سارة في العمل في ميدان التوصيل، تلقت تشجيعًا كبيرًا من عائلتها وأصدقائها وكل المحيطين بها، كما أنها تتلقى يوميًا عشرات الاتصالات من تونسيين من كامل البلاد لتشجيعها على ما تقوم به.
سارة عبادة لـ"الترا تونس": عندما فكرت بالاشتغال في ميدان التوصيل، تلقيت تشجيعًا كبيرًا من عائلتي وأصدقائي وكل المحيطين بي
تقول سارة لـ "الترا تونس"، إن الحب والدعم اللذيْن تتلقاهما يوميًا سواء من خلال تعامل الناس معها في شوارع قفصة أو عن طريق الرسائل والاتصالات الهاتفية التي تتلقاها جعلاها تحبّ هذه المهنة النبيلة وتتمسّك بها.
وهنا تستحضر سارة ضاحكة موقفًا حصل معها عندما نشرت إعلانًا عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك تعرف فيه عن نفسها وعن الخدمات التي ستقدمها، كيف اتصل بها مواطن من تونس العاصمة وأعلمها أنه سيرسل لها هدية تساعدها على عملها، وتتمثل الهدية وفقها في طرد كبير الحجم لحمل علب الأكل والمشتريات بطريقة سهلة.
تعتبر سارة نفسها بطلة باعتبار أنها تمكنت أخيرًا من كسر قيود البطالة وقلة فرص الشغل في مدينتها قفصة، ووجدت لنفسها عملاً تحبه وتسعى لإتقانه
تعتبر سارة نفسها بطلة باعتبار أنها تمكنت أخيرًا من كسر قيود البطالة وقلة فرص الشغل في مدينتها قفصة، ووجدت لنفسها عملاً تحبه وتسعى لإتقانه خدمة لكل الذين لا يقدرون على خدمة أنفسهم خصوصًا كبار السن.
تلقت سارة تشجيعًا كبيرًا من عائلتها وكل المحيطين بها (الترا تونس)
وتنصح سارة كل الشباب وأصحاب الشهائد العليا في تونس بعدم الاستسلام وإضاعة الوقت في انتظار وظيفة الأحلام، وترى أنّ المبادرة والسعي لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي وكل الوسائل المتاحة في المجتمع الحديث لإيجاد وظيفة مناسبة، فرصة وجب على الجميع استغلالها.
ما مدى قانونية هذه الخدمات؟
وحول مدى قانونية هذه الخدمات في تونس، أكد المحامي محسن صويلح عدم وجود نص قانوني يمنع أو يُجرم مثل هذه الخدمات التي برزت حديثًا في المجتمع التونسي.
المحامي محسن صويلح لـ"الترا تونس": لا يوجد نص قانوني يمنع أو يُجرم خدمات التوصيل وهو عمل جائز من الناحية القانونية
وأضاف صويلح في حديثه مع "الترا تونس"، أنّه لا يوجد أيّ نص قانوني يمنع هذا العمل وهو جائز من الناحية القانونية، مشيرًا في ذات السياق إلى أنّ هؤلاء الأشخاص يقدمون خدمات للناس بمقابل مادي.
ويرى المحامي التونسي أنه من الأفضل أن يتمّ تنظيم هذا العمل مستقبلاً ووضع إطار قانوني ينظمه، وذلك لتجنب وقوع إشكاليات أو تجاوزات ولضمان حقوق جميع الأطراف، وفقه.