عاشت أم رانية كابوسًا عندما اكتشفت أن شعر ابنتها يحمل بعض الحشرات الصغيرة، وكان حدثًا مأساويًّا لهذه العائلة.
وما مرّت به هذه الأم، لا يختلف عمّا تعيشه العديد من العائلات التونسيّة عند اكتشاف القمل أو الصيبان (بيض القمل) لدى أطفالهم خاصّة في مواسم العودة المدرسيّة، فالأمر يعتبر "فضيحة" خاصّة أنّه مرتبط بالنظافة وبمدى اعتناء الأم بأبنائها في المخيال الشعبي.
عديد العائلات التونسية تعتبر عند اكتشافها القمل أو بيضه لدى أطفالهم "فضيحة" خاصّة أنّ الأمر ارتبط في المخيال الشعبي بالنظافة وبمدى اعتناء الأم بأبنائها
لذلك لا يكون الحديث عن "القمل" إلّا همسًا، ويُحرم كلّ طفل يحمل هذه الحشرات من الذهاب إلى المدرسة أو الحضانة نظرًا لمدى سرعة تفشي العدوى.
- "اكتشاف القمل في رأس ابنتي كان كابوسًا للعائلة"
تتحدّث أم رانية عن تجربتها لـ"الترا تونس" قائلة: "عندما كنت بصدد تحميم ابنتي، جلبت انتباهي الجزئيات البيضاء في شعرها، ولكنّي فكّرت أنها بعض القشرة، ولم يخطر ببالي أبدًا أنها تلك الحشرة المريبة. لكن بات الأمر حتميًا عندما رأيت حركة غريبة بين بصيلات الشعر، وكانت الكارثة بالنسبة إليّ ولم أستطع حتى الاقتراب منها نظرًا لخوفي الشديد من الحشرات"، وفقها.
احتارت محدّثتنا في التعامل مع هذا الأمر ولم تستطع حتى أن تخبر أقرب الناس إليها نظرًا لحساسيّة الموضوع، إلى أن وجدت في المنصّة الزرقاء "فيسبوك" ضالّتها: مركز لعلاج القمل والصيبان.
أم لـ"الترا تونس": كانت الكارثة بالنسبة إليّ حين رأيت حركة غريبة بين بصيلات شعر ابنتي وأنا أحمّمها، ولم أستطع حتى الاقتراب منها لخوفي الشديد من الحشرات
قد تخال الأمر في البداية مجرّد مزحة أو دعاية لأحد المنتوجات شبه طبيّة، لكن هذا المشروع حقيقيّ وموجود في تونس منذ سنتين تقريبًا وهي فكرة للشابّة التونسيّة يسرى البكوش التي كان لـ"الترا تونس" لقاء معها للحديث عن "POUKAO".
- من عالم التسويق إلى مركز لمعالجة القمل
تحصّلت يسرى البكوش (37 سنة) على ماجستير بحث في مجال التسويق، وبدأت في إعداد رسالة الدكتوراه، ولكنّها انقطعت عنها عن اقتناع وانطلقت في رحلة البحث عمّا يرضي طموحها وتطلّعاتها، وفق قولها.
"أنا إنسانة طموحة ودائمًا ما أريد تطوير نفسي، أكره فكرة (المسمار في حيط) وعلى امتداد العشر سنوات التي عملتها في مجال التسويق لم أعمل أبدًا بالتعاقد، ولم يكن لي دخل شهري قار"، هكذا عبّرت يسرى عن نمط حياتها المليء بالمجازفة والتغيير، مضيفة أنّ فكرة مشروعها مرتبط أساسًا بطبعها المتحدّي لكلّ الصعاب، وفق قولها.
صاحبة المشروع لـ"الترا تونس": الفكرة موجودة في بعض البلدان الأوروبية وهناك مصحّات مختصة في هذا المجال بأمريكا
وتحدّثت البكّوش لـ"الترا تونس" عن مشروعها المتمثّل في مركز لعلاج "القمل والصيبان"، مشيرة إلى أنّ الفكرة موجودة في عدد من الدول الأوروبية وأنّ هناك مصحّات مختصة في هذا المجال بالولايات المتحدة الأمريكية.
وأضافت صاحبة المشروع أنّ الفكرة انطلقت في صيف 2019 عندما تعرّض العديد من أطفال عائلتها الموسّعة للعدوى، فكانت مضطرّة لمساعدتهم في الأمر ممّا جعلها تتعمّق في قراءة جلّ الدراسات والموسوعات التي تناولت الموضوع وهناك بدأت فكرة مركز المعالجة.
صاحبة المشروع لـ"الترا تونس": انطلقت الفكرة في صيف 2019 عندما تعرّض أطفال من عائلتي الموسّعة للعدوى، فكنت مضطرّة لمساعدتهم
تواصل الحديث لـ"الترا تونس": "عندما اختمرت الفكرة في ذهني تواصلت مع بعض المراكز الموجودة في فرنسا وقمت بدورات تكوينيّة سواء عن بعد أو مباشرة لأستطيع التمرّس في أساليب المعالجة وكانت عائلتي من أول المشجعين لي".
وأكّدت يسرى البكوش أنّ هذه المهنة لم تُقنّن بعد في فرنسا لأنها من المهن الجديدة وفيها مزيج ما بين مجال الحلاقة والمجال شبه الطبي "para-pharmacie"، مضيفة أن ما تقوم به ليست حرفة يدويّة إذ أنّ هناك خلفية علميّة لكلّ مراحل العلاج.
وقد واجهت محدّثتنا بعض الانتقادات نظرًا للاعتقادات السائدة أن القمل اندثر ولم يعد له وجود، لذلك لن يكون مشروعًا ناجحًا، وفق البعض. ولكنها كانت مصممّة في المضي قُدمًا لإيمانها أنّ القمل لن يندثر إلا باندثار البشرية، وفق قولها.
وفي حديثها عن بداياتها، أخبرتنا يسرى أنّها كانت تباشر في منازل زبائنها في المرحلة الأولى من ثم طوّرت الأجهزة والمعدّات وأصبح لديها عيادتها الخاصّة.
صاحبة المشروع لـ"الترا تونس": القمل لن يندثر إلا باندثار البشرية، ومن المهم دحض الأفكار السائدة والتي تربط وجوده بنقص النظافة
أمّا عن طريقة العمل، تفيدنا صاحبة المشروع أنّ مراحل العمل تنقسم لحصتين، في الأولى يقع استعمال شافط كهربائي وتمشيط بالمكبّرة، والثانية تكون بعد سبعة أيام للتفقّد.
وتعتقد هذه الشابة التونسية أن الخوض في موضوع حشرات الشعر من الممنوعات في تونس، ويتجنّب الزبائن استعمال أسمائهم الحقيقية في التعليقات، لذلك من المهم دحض الأفكار السائدة والتي تربط وجوده بنقص النظافة، بل هو طفيلي يبحث عن مكان للتعشيش، ووجد في رأس الإنسان ضالّته.
- نصائح للأمّهات لحماية الشعر من القمل
ووفق خبرتها في المجال، أفادتنا المتخصصة في علاج الشعر ببعض النصائح، حيث أشارت إلى أنّ الشكل المثالي لشدّة شعر البنات هو شكل "الكعكة" وأنّ استعمال المشط الخاص "الفلاّية" هو أساسي للتخلّص من هذه الحشرات ويجب أن يكون بصفة أسبوعية خاصّة.
وشدّدت على ضرورة اعتماد الزيوت الطبيعيّة كزيت الخزامى أو زيت شجرة الشاي لأنّ الاستعمال المفرط للمكونات الكيميائية مضرّةّ لفروة الرأس.
وختمت حديثها بأن هناك طرقًا خاصّة لتنظيف المنزل والملابس والملاءات كي لا تنتشر العدوى لدى كل أفراد العائلة.
