25-أبريل-2019

أعلن مديرو دور الثقافة بالعاصمة إلغاء البرمجة الليلية الخاصة بشهر رمضان (صورة أرشيفية/ فيسبوك)

 

عاد جدل توقيت عمل المؤسسات الثقافية من دور ثقافة ونواد ثقافية إلى الواجهة من جديد، إثر إعلان مديري دور الثقافة بالعاصمة إلغاء البرمجة الليلية الخاصة بشهر رمضان، وذلك بعد أن تقرّر في وقت سابق غلق دور الثقافة يومي السبت والأحد.

وقد يبدو هذا القرار في ظاهره تصعيديًا، ولكنّه لا يعدو أن يكون إلا تطبيقًا للأمر عدد  1710 الصادر في 2012 والمتعلّق  بتوزيع أوقات وأيام عمل أعوان الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية. ويشمل هذا الأمر كل المؤسسات العمومية بما فيها دور الثقافة ولا يستثني إلا الأعوان المكلفين بحفظ النظام والأمن العام الخاضعين لأنظمة أساسية خاصة بهم بما في ذلك أعوان الديوانة والحماية المدنية والأعوان العاملين بالمؤسسات العمومية للتربية والطفولة والتكوين والتعليم العالي والهياكل الصحية العمومية، وفق ما ورد في فصله الثامن.

ومنذ إصدار هذا الأمر، لم تنفكّ النقابة العامة للثقافة تطالب في جلسات الحوار مع سلطة الإشراف بسنّ توقيت خصوصي يراعي طبيعة عمل دور الثقافة، بما يمكّن منظوريها من العمل ليلًا وفي نهاية الأسبوع. ومن الضروري الإشارة إلى أنّ بعض المؤسّسات الثقافية تعمل خارج التوقيت الإداري من سنة 2012 إلى حدود سنة 2016، حيث تقرّر إلغاء العمل بأيّام السبت والأحد تقيّدًا بالأمر 1710 وفي خطوة أولى للضغط على سلطة الإشراف لإفراد المؤسسات الثقافية بتوقيت خصوصي.

اقرأ/ي أيضًا: الاستثمار في التاريخ والثقافة.. من اسطبلات إلى فضاءات ثقافية

وقد أعلم مديرو دور الثقافة بالعاصمة منخرطيهم بأنه تم إلغاء البرمجة الخاصة بسهرات شهر رمضان المقبل، تنديدًا بعدم سنّ قانون يحمي موظفي دور الثقافة ويفردهم بتوقيت استثنائي يراعي خصوصية القطاع، وجاء في نص الإعلام " تنفيذًا لمخرجات الهيئة الإدارية الوطنية وهو الالتزام بالأمر عدد 1710 لسنة 2012 نعلم منخرطينا أن توقيت العمل لشهر رمضان سيكون كالآتي: أيام الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، من الساعة الثامنة صباحًا إلى الساعة الثانية بعد الزوال، ويوم الجمعة من الساعة السابعة والنصف صباحًا إلى الساعة الواحدة بعد الزوال، وعليه تم إلغاء كل برامج دور الثقافة في سهراتها لشهر رمضان المقبل".

نكران مقابل التضحيات..

في ردّه عن سؤالنا بخصوص الأمر الذي تغيّر اليوم لتقرّر المؤسسات الثقافية الالتزام بالتوقيت الإداري وإلغاء السهرات الليلية، قال مدير دار الثقافة ابن رشيق سفيان القاسمي إن العاملين في المؤسسات الثقافية تفطنوا إلى أنّ سلطة الإشراف تردّ على تضحياتهم بالنكران، مشيرًا إلى أنّهم لا يمكنهم تحمّل مسؤولية مكروه يحلّ بالرواد أو المنخرطين في خارج التوقيت الإداري وسيقعون تحت طائلة المسؤولية الجزائية على اعتبار أنّهم يعملون خارج أوقات العمل الرسمية. وأضاف القاسمي في تصريح لـ"ألترا تونس" أن البرمجة الرمضانية كانت تتم خارج الأطر الرسمية لسنوات ودون حماية قانونية، لافتًا إلى أن بعض العاملين في دور الثقافة تعرّضوا إلى حوادث شغل وتبرّأت منهم الإدارة لأنّهم كانوا يعملون خارج التوقيت الإداري، وفق قوله.

سفيان القاسمي (مدير دار الثقافة ابن رشيق): البرمجة الرمضانية كانت تتم خارج الأطر الرسمية لسنوات ودون حماية قانونية وبعض العاملين في دور الثقافة تعرّضوا إلى حوادث شغل وتبرّأت منهم الإدارة لأنّهم كانوا يعملون خارج التوقيت الإداري

وشدّد محدثنا، وهو أيضًا كاتب عام النقابة الأساسية لمؤسسات العمل الثقافي بتونس، على ضرورة إيجاد إطار قانوني يراعي خصوصية القطاع ويحمي العاملين في دور الثقافة، محمّلًا سلطة الإشراف مسؤولية إغلاق دور الثقافة بالعاصمة  في وجه الرواد طيلة ليالي شهر رمضان. وأشار إلى أنّ العاملين في المؤسسات الثقافية قدّموا التضحيات الكثيرة مراعاة للشباب والأطفال من الرواد والمنخرطين ولكنّهم في المقابل لم يلقوا إلا المماطلة والتعنّت من سلطة الإشراف التي لم تتقدّم خطوة واحدة فيما يتعلّق بالتوقيت الخصوصي، وفق قوله.

واعتبر سفيان القاسمي أن "السهرات الرمضانية في العاصمة واجهة لوزارة الشؤون الثقافية وأنّ إلغاءها سيلفت الانتباه وسيجعل الرأي العام يتفطّن لتعاسة القطاع"، مشيرًا إلى أنّ مديري دور الثقافة سيطبقون القانون بحذافيره وسيلتزمون بالتوقيت الإداري الذي ينظمه الأمر عدد 1710.

 السهرات الرمضانية في العاصمة واجهة لوزارة الشؤون الثقافية (صورة أرشيفية/ فيسبوك)

اقرأ/ي أيضًأ: المدن العتيقة في الدراما والسينما: تيمة نجاح وأكثر من ديكور

غياب نص قانوني

من جهته، لفت مدير النادي الثقافي الطاهر الحدّاد محمد مهدي المستوري إلى أنّ عمل النادي أيام السبت والأحد وبعد الخامسة والنصف مساء وفي ليالي رمضان يعدّ خارج إطار القانون ومخالفًا للأمر 1710، مشيرًا إلى انعدام حماية العاملين في القطاع الثقافي والرواد والمنخرطين في هذه الأوقات. وعلى الرغم من برمجة أنشطة ليلية رمضانية على امتداد 22 يومًا، التزم المستوري بقرار الهيئة الإدارية للنقابة العامة للثقافة، إيمانًا منه بأهمية هذه الخطوة في دفع سلطة الإشراف إلى الالتفات إلى ملفّ مؤسسات القطاع الثقافي الحارق، على حدّ تعبيره.

محمد مهدي المستوري (مدير النادي الثقافي الطاهر الحداد): لا يوجد نصّ قانوني يراعي خصوصية توقيت عمل دور الثقافية ويحمي العاملين بها

وأشار إلى غياب نصّ قانوني يراعي خصوصية توقيت عمل دور الثقافية ويحمي العاملين بها، مضيفًا "زملاؤنا تعرضوا إلى حوادث وهو يعملون خارج التوقيت الرسمي من بينهم من أصبح مقعدًا جراء حادث لم تعترف به الإدارة". وتابع بالقول "مديرو دور الثقافة بالعاصمة أعلموا منخرطيهم بإلغاء البرمجة الرمضانية لهذه السنة ولكن مديري دار الثقافة في الجهات ملتزمون بالعمل وفق الأمر الحكومي 1710 منذ سنتين"، لافتًا إلى أن هناك عريضة موجّهة إلى وزير الشؤون الثقافية للتسريع في سن قانون أساسي ينظم القطاع موضوعة على ذمة رواد النادي الثقافي الطاهر الحداد ومنخرطيه والمهتمين بالقطاع، وفق تعبيره.

وعن بداية الاحتجاج على الأمر المنظم لتوقيت العمل، أفاد محدّثنا أنّه تم التفطّن سنة 2016 إلى تضارب بين هذا الأمر وبين مذكّرة العمل التي ترسلها وزارة الشؤون الثقافية إلى المؤسسات الثقافية والتي تراعي البرمجة الليلية في شهر رمضان وفي التوقيت الصيفي، وفق قوله.

جاء قرار إلغاء السهرات الرمضانية الليلية في دور الثقافة بعد محاولات لإيجاد حلول مع سلطة الإشراف (صورة أرشيفية/ فيسبوك)

منسوب التوتّر مرتفع

لمعرفة الأسباب الكامنة وراء اتخاذ الهيئة الإدارية القطاعية للنقابة العامة للثقافة قرار الالتزام بالتوقيت الإداري الذي تُلغى بموجبه البرمجة الليلية في شهر رمضان، تواصل "الترا تونس" مع الكاتب العام للنقابة العامة للثقافة مفتاح الوناسي الذي أكّد أنّ القرار منبثق عن الهيئة الإدارية القطاعية المنعقدة في ديسمبر/ كانون الأول من سنة 2017.

وأوضح الوناسي أن التظاهرات الليلية التي تمت برمجتها في السنوات السابقة كانت مخالفة للقانون وتتم خارج أوقات العمل الرسمية، مشيرًا إلى أنّ منظوري النقابة العامة للثقافة أصبحوا اليوم أكثر وعيًا بضرورة إيجاد إطار قانوني منظّم لقطاع الثقافة يراعي خصوصيته، مضيفًا أن منسوب التوتّر مرتفع في صفوف العاملين في المؤسسات الثقافية في ظلّ تعنّت سلطة الإشراف وعدم تجاوبها مع مطالبهم خاصة في ظل تقديمهم لعديد التضحيات وعملهم دون حماية وخارج إطار القانون، على حدّ قوله.

مفتاح الوناسي (كاتب عام النقابة العامة للثقافة) لـ"ألترا تونس": التظاهرات الليلية التي تمت برمجتها في السنوات السابقة كانت مخالفة للقانون

وأشار إلى أنّ العاملين في دور الثقافة والنوادي الثقافية لن يقدّموا مزيدًا من التضحيات وسيطبّقون ما ورد الأمر عدد 1710 ما يعني أنّهم سيعملون وفق التوقيت الإداري، معتبرًا أنّ هذه الخطوة عقبت محاولات كثيرة لإيجاد حلول مع سلطة الإشراف، حسب تعبيره. وتابع بالقول " الحكومة عمومًا ووزارة الثقافة خصوصًا تنكّرتا لخصوصية المؤسسات الثقافية، وبالتالي قرّرت الهيئة الإدارية أن تلقي المسؤولية على عاتقهما لإيجاد حل علمًا وأن الحوادث التي يتعرّض لها العاملون في المؤسسات الثقافية خارج الأوقات الرسمية لا تحسب على أنّها حوادث شغل".

ويظهر أنّ هناك بصيص أمل يلوح في الأفق لحلحلة الخلاف بين وزارة الثقافة والنقابة العامة للثقافة واستئناف الانشطة الثقافية الرمضانية، إذ أكّد محدّثنا أنّ الجهة النقابية "لا تزال تقدّم التنازلات وطلبت جلسة حوار مع سلطة الإشراف لحلحلة الأزمة"، وفق قوله.

سعي لحلحلة الأزمة

من جهتها، تسعى سلطة الإشراف إلى حلحلة الأزمة في علاقة بالتوقيت الخصوصي لعمل المؤسسات الثقافية، وفق ما أفاد به مصدر مطلع "ألترا تونس". وأشار ذات المصدر إلى أنّ المفاوضات ستُستأنف بين وزارة الشؤون الثقافية والنقابة العامة للثقافة من أجل سن قانون أساسي ينظّم القطاع ويراعي خصوصية أنشطته. وأضاف أن جلسة الحوار بين الجهة الحكومية والجهة النقابية من المنتظر أن تنعقد في الأيام القليلة القادمة بهدف إيجاد حل يتم بموجبه تراجع دور الثقافة بالعاصمة عن إلغاء البرمجة الرمضانية.

مصدر من وزارة الثقافة لـ"ألترا تونس": المفاوضات ستُستأنف بين وزارة الشؤون الثقافية والنقابة العامة للثقافة من أجل سن قانون أساسي ينظّم القطاع

ومن الضروري الإشارة إلى أنّ قرار إلغاء البرمجة الرمضانية لدور الثقافة بالعاصمة قد خلّف جدلًا واسعًا في صفوف المبدعين والمثقفين والإعلاميين الذي أجمعوا على ضرورة إيجاد حل نظرًا إلى رمزية التظاهرات الليلية الرمضانية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

منشطو النوادي الثقافية ينتفضون ضدّ نظام الساعة بـ5 دنانير!

أيام قرطاج الشعرية.. هاجس التأسيس لا يمنع التفلسف حول جدوى الشعر