24-مارس-2019

تهدف الدورة الثانية للمهرجان لتثبيت موقعه في الساحة الثقافية التونسية

 

أثار الإبقاء على شعار "احتفاء بالشعر، احتفاء بالحياة" للدورة الثانية على التوالي لأيام قرطاج الشعرية التي تحتضنها أروقة مدينة الثقافة بالعاصمة خلال الفترة الممتدة من 22 إلى 29 مارس/آذار 2019، عدة تساؤلات عميقة منها ما ذهب للحديث عن أهمّية الشعر اليوم وجدواه في زمن تعقدت فيه الحياة وسطت فيه التكنولوجيا على شعريتنا وحضورنا الشعري على الأرض.

لكن الشاعرة جميلة الماجري، مديرة الدورة، لخصت الإجابة عن هذه الأسئلة في كلمات بسيطة بقولها: "إنّ الحياة في حاجة إلى الشعر، إنه الفنّ الحي والقلب النابض بالجمال وشيطانه قد يمسّ كل الأعمار والأجيال فتراهم يسبّحون في ملكوته بعذب الأبيات وجميل الكلمات لذلك نحتفي بالشعر كناية عن الحياة".

تسعى الدورة الثانية لأيام قرطاج الشعرية إلى ترسيخ نفسها وتثبيت أوتادها ضمن سلسلة من التظاهرات الواجهة التي ترعاها وزارة الشؤون الثقافية

الدورة الثانية لأيام قرطاج الشعرية، المتزامنة مع احتفاء الإنسانية باليوم العالمي للشعر، تسعى إلى ترسيخ نفسها وتثبيت أوتادها ضمن سلسلة من التظاهرات الواجهة التي ترعاها وزارة الشؤون الثقافية رأسًا وذلك بقوة إرادة الشعراء أنفسهم الذين تحلقوا حول حلمهم أملًا في استنباته مهما كانت الريح عاتية والحواجز عالية. إرادة تُلمس من خلال السعي الدؤوب لمختلف الأجيال من الشعراء التونسيين على إنجاح الدورة.

اقرأ/ي أيضًا: فن الأدبة أو الشعر الملحون التونسي.. ذاكرة شعب للاضمحلال

قصائد مغناة وتكريمات في حفل الافتتاح

سهرة الاستهلال التي احتضنتها قاعة "الأوبرا"، كبرى قاعات مدينة الثقافة، حاولت التجرد من رسمياتها وبروتوكولاتها لتمنح الحضور خفة الشعر وإشراقاته التي تشبه النور وذلك من خلال حفل موسيقى أمنه المايسترو عبد الرحمان العيادي الذي أعد برنامجًا يليق بالشعر بمنحه الركح لمطربين كبار منهم عدنان الشواشي، وشكري عمر الحناشي، ورحاب الصغير، ونور الدين الباجي الذين غنوا من عيون الشعر التونسي والعربي أبهى القصائد.

حفل افتتاح الدورة الثانية لأيام قرطاج الشعرية

السهرة لم يغب عنها الشعر حيث تخللتها قراءات باذخة لشعراء عرب منهم حبيب الصايغ من الإمارات، وجاسم الصحيح من المملكة السعودية، وشمسيّة النعماني من سلطة عمان، وسامي المهدي من العراق، وراشد عيسى من الأردن ومحمد الغزي من تونس.

وكرّمت "أيام قرطاج الشعرية" في سهرة الاستهلال عددًا من الشعراء والفاعلين الثقافيين التونسيين والعرب ممن أفنوا العمر في ترسيخ الفن والثقافة والإبداع في مجتمعاتهم وعلى رأسها ترسيخ الشعر كمصدر أول للذائقة. وشملت قائمة المكرّمين مثلًا من تونس كل من الإعلامي فرج شوشان والشاعر نور الدين صمود والمديرة السابقة للنادي الثقافي الطاهر الحداد خديجة كمون.

اقرأ/ي أيضًا: "التهيليم".. سجع رعاة الإبل في الصحراء التونسية

برمجة الدورة.. تظاهرات متنوّعة

سُتقام على امتداد أسبوع كامل من عمر أيام قرطاج الشعرية 10 أمسيات شعرية من المتوقع أن يشارك فيها 74 شاعرًا منهم 42 شاعرًا تونسيًا و 32 شاعرًا عربيًا من الجزائر والمغرب ومصر والسودان وسلطنة عمان واليمن والكويت وسوريا والأردن وفلسطين والمملكة العربية السعودية والعراق ولبنان.

وتحتفي الدورة بالشعر التونسي بأمسيتين يومي 25 و26 مارس/آذار 2019 بتأطير من الشاعر الجليدي العويني ومشاركة 22 شاعرًا تونسيًا واستضافات للشاعرين الجزائريين حسان بالعبيدي وتوفيق ومان والليبيين سالم العالم ومحمد علي الدنقلي.

تكريم شعراء تونسيين وعرب في افتتاح الدورة الثانية لأيام قرطاج الشعرية

وتتميز الدورة الثانية من "أيام قرطاج الشعرية" بقدرتها على الانفتاح على جميع فنون القول والنظم وتشقيق الكلام وذلك بتخصيصها لحفل "سلام" يشارك فيه خيرة القوّالين من بينهم ريم العيفة منظمة تظاهرة "أثر الفراشة"، وصابرين الغنودي منظمة تظاهرة "سيدة الكلمات"، ووسيم البحري منظم تظاهرة "فك على فنّي" وعايدة حمزة صاحبة الجائزة الأولى عام 2018 في "مهرجان تونس الركح الحرّ" وذلك إضافة لرحاب البوسالمي صاحبة الجائزة الاولى عام 2019 في "مسابقة السلام" التي نظمتها جمعية "أنا يقظ".

أما الجانب الفكري، أفردت له هذه الدورة 4 منابر أساسية تتعلق بقضايا الشعر إذ تتناول الندوة الأولى "أزمة نقد الشعر" في سياق التقديم التالي أن "أسماء الشعراء كانت دائما تفوق أسماء النقاد وهذا دليل على أن الخطاب الشعري يفوق كمّا الخطاب النقدي مما يجعل متابعة النقاد للإبداع الشعري محدودة كمًا وكيفًان فهل هي أزمة نص شعري أم نص نقدي؟ وهل هي أزمة مسافة وتواصل أم أزمة تربية وثقافة؟".

أفردت الدورة الثانية لأيام قرطاج الشعرية 4 منابر للقضايا الفكرية ستتناول مواضيع مختلفة منها" أزمة نقد الشعر" و"الشعر وما بعد الحداثة"

وتحت عنوان "الشعر وما بعد الحداثة"، يهتم المنبر الثاني بجملة من الأسئلة الحارقة: "إذا كانت مقولة الجديد قد ارتبطت على نحو وثيق بالحداثة بوصفها بحثًا محمومًا عن الجديد فإن ما بعد الحداثة في بعض التعريفات هي العودة إلى كل ما ترك وفقد قيمة الاستعمال وتعطلت كل وظائفه. فهل انتقل الشعر من الحداثة إلى ما بعد الحداثة بسبب العزوف عن طلب الجديد والتجديد أم انتقل إلى ما بعد الحداثة بسبب عودته إلى شكله القديم ونصوص تراثه الشعري بما تحويه من ايقاعات وأوزان واستعارات وأغراض؟ وكيف ينبغي فهم هذه العودة وتأويلها؟.

فيما يهتم المنبر الفكري الثالث بمحور "شعراء روائيون" إذ يلاحظ كل من يتابع المشهد الثقافي التونسي أو العربي بروز ظاهرة جديدة وهي ما تسمى بالشعراء الروائيين. يطرح هذا المنبر الأسئلة التالية: "هل يفسّر ذلك بهيمنة الرواية على السوق الأدبي أم يفسّر بدوافع ذاتية فرضت على الشاعر التنويع في تجربته الإبداعية؟ وهل تغني التجربة الشعرية الكتابة الروائية؟".

وسيهتم المنبر الحواري الرابع، في الأثناء، بموضوع "الشعراء المترجمون" ليطرح السؤال التالي: ماذا يحدث إذا كان الترجمان شاعرًا؟ وهل ينبغي أن نعامل الترجمة على أنها نتاج الخيانة؟ أم ينبغي أن ننظر إليها على أنها ضرب من ضروب التّناص فنعامل نصه المترجم بوصفه إبداعًا شعريًا؟

تطمح أيام قرطاج الشعرية كتظاهرة تونسية عربية للاحتفاء بالمعاني البهية للكلمات والذهاب بعيدًا بما ينتجه خيال الشعراء كسدنة لسقف اللغة

وسُتختتم تظاهرة أيام قرطاج الشعرية بتوزيع جوائز المسابقات الثلاث وهي مسابقة المخطوط الشعري الأول، ومسابقة العمل الشعري البكر ومسابقة منور صمادح في الشعر.

تأتي أيام قرطاج الشعرية، في نهاية المطاف، في سياق تونسي يكرّس لدمقرطة كل شيء بما في ذلك الفنون والأداب. وهي تطمح أيضًا كتظاهرة تونسية عربية للاحتفاء بالمعاني البهية للكلمات والذهاب بعيدًا بما ينتجه خيال الشعراء كسدنة لسقف اللغة، لكنها محمولة أيضًا على مزيد الانفتاح على ثقافات العالم وعلى طرح الأسئلة الفلسفية والجمالية بخصوص جدوى الشعر في الحياة.

  

اقرأ/ي أيضًا:

كمال الرياحي: الثورة الثقافية لامرئية وما حصل لـ"بيت الخيال" عمل داعشي (حوار)

منور صمادح.. شاعر الحرية الذي ظلمته دولة الاستقلال