12-فبراير-2019

عقود عمل في المندوبيات الجهوية دون تغطية اجتماعية أو صحية (مريم الناصري/الترا تونس)

 

يبدو أنّ سياسة العقود الهشّة التي باتت تشمل أغلب القطاعات في الوزارات لاستيعاب المعطّلين عن العمل، لن تخمد فتيل الاحتجاجات القطاعية المتجددة بين الفينة والأخرى. فمع استمرار الجدل حول ملف الأساتذة النواب في التعليم الثانوي وأيضًا ملف المعلمين النواب في التعليم الابتدائي على مدى الأسابيع الأخيرة، يشنّ أيضًا الأساتذة المتعاقدون مع وزارة الثقافة جملة من التحركات الاحتجاجية.

تأتي هذه التحركات نتيجة وضعيتهم المهنية الهشة، والعقود التي يصفونها بـ"المهينة" التي تعتمد على نظام الحصة. إذ تُدفع لهم أجورهم وفق عدد الساعات وذلك بخمسة دنانير للساعة الواحدة، مع عدم تمتّعهم بالتغطية الصحية والاجتماعية.

يعمل المنشطون المتعاقدون مع وزارة الثقافة عبر عقود هشة بأجور وفق عدد الساعات بخمسة دنانير للساعة الواحدة

الأساتذة المتعاقدون مع وزارة الثقافة هم من خريجي معاهد وجامعات مختلفة، سواء في اختصاصات الموسيقى والتنشيط الشبابي أو الثقافي وغيرها من الاختصاصات العلمية والفنية. تعاقد هؤلاء الأساتذة مع المندوبيات الجهوية للشؤون الثقافية للإشراف على النوادي الثقافية سواء نوادي الموسيقى أو الأدب أو أي تنشيط ثقافي في دور الثقافة والشباب، غير أنهم يعملون وفق نظام الحصّة أي العمل ثلاث حصص في الأسبوع وبعقود وقتية تتجدد كلّ سنة.

انتشرت هذه الصيغة الشغلية منذ سنوات لاستيعاب العاطلين عن العمل في عديد القطاعات، وبدت الحلّ الأسهل للحكومات المتعاقبة بعد الثورة للتخفيف من الاحتقان الاجتماعي وامتصاص غضب المعطّلين عن العمل خاصة من خريجي التعليم العالي. لكنّ الخيارات المعتمدة طيلة السنوات الماضية لم تمكّن من ايجاد حلول ناجعة لمعضلة البطالة، بل مثّلت حلولًا ترقيعية لم تضمن الحقّ الأدنى من حقوق المتعاقدين.

اقرأ/ي أيضًا: عقود العمل الوهمية.. تجارة الرق الحديثة

وقد شنّ هؤلاء الأساتذة، بما فيهم الناشطين في القطاع الثقافي، جملة من التحركات خاصة في الأشهر الأخيرة، إلاّ أنّ الوضعية ما زالت على حالها خاصة وأنّ وزارة الثقافة لجأت إلى نفس الصيغة في عقود سنة 2019.

يؤكد أحمد بن سليمان، وهو أحد هؤلاء الأساتذة، لـ"ألترا تونس" أن التنسيقية الوطنية للمنشطين المتعاقدين بنظام الحصة قررت شنّ جملة من التحركات الجديدة "أمام تواصل سياسة المماطلة والتهميش من قبل سلطة الإشراف وتلكؤها في الإيفاء بتعهداتها تجاه المنشطين بتسوية وضعيتهم الشغلية، وتمتيعهم بمستحقاتهم المادية والمعنوية".

وأضاف أنّ التنسيقية طالبت في أكثر من مرة بالتسريع بالمصادقة على المشاريع الفنية للمنشطين المودعة بمؤسسة إدارة المهرجانات حسب الجدول المعتمد لمدن الفنون، إلى جانب صرف المستحقات المالية المتفق عليها بين الطرفين قبل موفى السنة الإدارية المنقضية، وذلك مع تسوية وضعية عقود الشغل لجميع المنشطين بما يتناسب وقوانين الشغل الضامنة للحق في الشغل اللائق مثلما يضمنه الدستور ومختلف التشريعات التونسية، لا سيما وأنّ أي أستاذ متعاقد مهدّد بإنهاء عقده في أي لحظة، وفق تأكيده.

أحمد بن سليمان (منشط متعاقد بنظام الحصة): نحن لا نطالب بالانتداب بقدر ما نطالب بتغيير صيغة التعاقد بنظام الحصّة عبر عقد يصون الكرامة

وأشار، إلى جانب المذكور، إلى أنّ الأساتذة يطالبون بالتعاقد مباشرة مع وزارة الشؤون الثقافية وليس مع المندوبيات الجهوية التابعة لها، وذلك عبر "عقد يصون الكرامة بما يشمل التغطية الاجتماعية والصحية، فنحن لا نطالب بالانتداب المباشر بقدر ما نطالب بتغيير صيغة التعاقد بنظام الحصّة" على حد تأكيد محدثنا الأستاذ المتعاقد أحمد بن سليمان. وأضاف أنّه يوجد العشرات ممن يعملون وفق هذا النظام منذ عشر سنوات مشيرًا إلى أنّ القضية لم تكن مُثارة إعلاميًا، وفق قوله.

دعوة لتسوية وضعية عقود الشغل للمنشطين في المندوبيات الجهوية للثقافة (مريم الناصري/الترا تونس)

اقرأ/ي أيضًا: المهرجان العربي للموسيقى الملتزمة.. إحياء لذاكرة الفن البديل وتشبّث بالحرية

كما يطالب الأساتذة المتعاقدون مع وزارة الثقافة بوضع استراتيجية واضحة لتسوية وضعية أكثر من 500 أستاذ يعمل في إطار آلية العمل الهشة وذلك بتعديل صيغة العقد الحالي بما يتماشى مع أفاق تسوية وضعيتهم المهنية، ومع عدم تعطيل دفع مستحقاتهم التي وإن كانت بسيطة إلا أنها عرفت تعطًلا وصل حدود السنة كاملة في بعض المندوبيات الجهوية.

وأكدت تنسيقية الأساتذة المتعاقدين بنظام الحصة الواحدة أنّ تحركاتها الاحتجاجية ستتواصل في صورة عدم تفاعل وزارة الثقافة مع مطالبها، مع التلويح بالدخول في اعتصام وطني مفتوح أمام الوزارة، ما يفتح الباب على مصرعيه لتحركات أخرى تصعيدية سيتم تحديدها من قبل هؤلاء الأساتذة في مختلف الجهات وأمام كل المندوبيات الجهوية التابعة لوزارة الثقافة .

وقد انعقدت، في الأثناء بتاريخ 8 فيفري/شباط الحالي، جلسة مفاوضات بوزارة الثقافة ضمت وزير الثقافة محمّد زين العابدين وممثّلين عن سلطة الإشراف، وكل من التّنسيقية الوطنيّة للمنشطين الثقافيّين المتعاقدين بنظام الحصة والنقابة العامة للثقافة ولجنة الشؤون الثقافية بمجلس نوّاب الشّعب.

 يطالب الأساتذة المتعاقدون مع وزارة الثقافة بوضع استراتيجية واضحة لتسوية وضعية أكثر من 500 أستاذ يعمل في إطار آلية العمل الهشة

وقد ناقشت الجلسة جملة من النقاط أهمّها رفض المنشطين الثقافيين إمضاء عقود سنة 2019 بالصّيغة الحاليّة الّتي تقوم على نظام الحصّة، إلى جانب مطالبة سلطة الإشراف بإلغائها وتعويضها بعقد عمل مع الوزارة يخوّل تسوية الوضعيّة، ويضمن حقوقهم المادية والمعنويّة لينتشلهم من براثن التشغيل الهش التي عانوا منها لسنوات عديدة. 

كما طالبت التنسيقية بصرف مستحقّاتهم الماليّة المتخلّدة بذمّة الوزارة لسنة 2018 والمتمثّلة في منحة تكميليّة على البرنامج الوطني "تونس مدن الفنون" وذلك عن طريق عقد تكميلي مع المؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية، وقد كان لهم في ذلك محاضر جلسات ممضاة مع الوزارة خلال السنة الماضية. وقد نفّذ المنشطون المتعاقدون مع وزارة الشّؤون الثّقافيّة وقفة احتجاجية بساحة القصبة في نفس يوم عقد الجلسة.

ويظل السؤال في الأثناء حول مدى تجاوب وزارة الثقافة مع هذه المطالب في المستقبل القريب قبل قيام تنسيقية المنشطين المتعاقدين بتصعيد خطواتها الاحتجاجية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المدن العتيقة في الدراما والسينما: تيمة نجاح وأكثر من ديكور

وثائقي "عطاشى تونس".. عن المواطن والدولة وكذبة العدالة