في الوقت الذي تحقق فيه بلادنا اكتفاءً ذاتيًا في العديد من المنتوجات الفلاحية، لا سيما الخضر، تمّ مؤخرًا توريد قرابة 1600 طن من الخضر من مصر عبر معبر "رأس جدير"، مما أجج احتجاج الفلاحين في العديد من الجهات، وأثار انتقاد عدد من النقابات الفلاحية، التي حذرت من إمكانية احتواء تلك الخضر على مواد سامة قد تشكل خطورة على صحة المواطنين بسبب ريها بمياه ملوثة.
كما انتقدت النقابات المدافعة عن حقوق الفلاحين لوبيات الاستيراد التي تدفع بالحكومة نحو قرارات عشوائية والدفاع عن موردي المنتجات الأجنبية التي يدفع الفلاح التونسي كلفتها، لتتجدد اليوم المطالب بوقف نزيف الواردات.
لطالما نددت النقابات المدافعة عن حقوق الفلاحين بدفع لوبيات الاستيراد الحكومة لاتخاذ قرارات عشوائية والدفاع عن موردي المنتجات الأجنبية التي يدفع الفلاح التونسي كلفتها
وقد أشار فوزي الزياني رئيس النقابة التونسية للفلاحين، في تصريح لـ"الترا تونس"، إلى أنّ النقابة لطالما انتقدت بشدّة التوريد العشوائي لعديد المنتجات الفلاحية مما يضر بالفلاحين وبالإنتاج الداخلي، لا سيما تلك التي تحقق فيها تونس اكتفائها الذاتي، معتبرًا أنه: "كان من الأجدر البحث عن أسواق لتصدير ما ننتجه بدل توريد منتوجات مجهولة المصدر".
وأضاف الزياني أنّ العديد من المنتوجات تدخل دون مراقبة صحية وتشكل خطرًا على صحة التونسيين، مفيدًا بأنه "قد تمّت ملاحظة دخول كميات كبيرة من الخضر على غرار الفلفل والطماطم والقرع من مصر عبر ليبيا ووزعت مؤخرًا في بعض الأسواق على غرار سوق بئر القصعة"، على حد قوله.
وأكد رئيس النقابة أنّ "كل أشكال التوريد تضرب أغلب المنظومات الفلاحية"، مشيرًا إلى أن "النقابة تطالب كل السلط الجهوية والوطنية بإيقاف نزيف التوريد الذي أضر بالفلاحة خصوصًا".
اقرأ/ي أيضًا: هل يستنزف الاستثمار الفلاحي الأجنبي الثروة المائية في تونس؟
من جهته، أشار إبراهيم الطرابلسي، عضو المكتب التنفيذي بالاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري المكلف بالأشجار المثمرة ومسالك التوزيع، في تصريح لـ"ألترا تونس"، أنّ الاتحاد انتقد بشدّة توريد حوالي 1600 طن من الخضر من مصر، تتمثل بالأساس في طماطم وبصل وباذنجان وفلفل، وهي خضر موجودة بوفرة في السوق التونسية ونحقق منها إنتاجًا كبيرًا ولسنا في حاجة إلى توريدها لسد حاجيات السوق".
واستنكر الطرابلسي، في ذات الصدد، توريد تلك الكميات من مصر والحال أنّ العديد من الدول باتت ترفض توريد المنتوجات المصرية بسبب استخدامها لمياه ملوثة"، مضيفًا أنه "سبق للاتحاد أن انتقد توريد العديد من المنتجات الفلاحية بطرق عشوائية، مما يضر بالأساس بالقدرة الإنتاجية للفلاح التونسي في ظل توفر الخضر خلال هذه الفترة".
فوزي الزياني (رئيس النقابة التونسية للفلاحين) لـ"الترا تونس": على كل السلط الجهوية والوطنية إيقاف نزيف التوريد الذي أضر بالفلاحة خصوصًا
وفي ردها على انتقادات النقابات الفلاحية، أوضحت المصالح المختصة لوزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، في بلاغ نشرته الجمعة 12 فيفري/شباط 2021، أنّ "شحنات الخضر الطازجة التي تم توريدها مؤخرًا عبر المعبر الحدودي برأس جدير، قد خضعت للمراقبة الصحية النباتية عند نقاط العبور طبقًا للتشريع الجاري به العمل، والمتمثل في القانون عدد 72 لسنة 1992 المؤرخ في 3 أوت/أغسطس 1992 المتعلق بتحوير التشريع الخاص بحماية النّباتات ونصوصه التطبيقية".
وأضافت، في ذات البلاغ، أنّ "عمليات المراقبة بينت خلو الشحنات من آفات الحجر الزراعي وأن ملفات التوريد مطابقة للتراتيب الجاري بها العمل"، على حد قولها.
من جهته، أشار محمد بوسعيد، وزير التجارة وتنمية الصادرات، الجمعة 5 فيفري/شباط الجاري خلال جلسة عمل مع ممثلين عن الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري وعن وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، إلى أنّ الوزارة لم تتخذ أي قرار لتوريد المنتجات الفلاحية ولم تمنح أي امتياز جبائي في الغرض.
وأوضح أن كميّات تقدّر بحوالي 300 طن قد وردّت من قبل شركات خاصة باعتبار أنها منتوجات حرة عند التوريد ولا تخضع لترخيص مسبق من قبل مصالح وزارة التجارة وتنمية الصادرات، مشيرًا إلى أنها قد دخلت إلى التراب التونسي بصفة قانونية وخضعت لمراقبة الصحة النباتية.
إبراهيم الطرابلسي (عضو المكتب التنفيذي باتحاد الفلاحة والصيد البحري) لـ"الترا تونس": سبق للاتحاد أن انتقد توريد العديد من المنتجات الفلاحية بطرق عشوائية مما يضر بالأساس بالقدرة الإنتاجية للفلاح التونسي في ظل توفر الخضر خلال هذه الفترة
كما أضاف أنّ التوريد هو استثناء والقاعدة هي التعويل على المنتوج الوطني، مؤكدًا أنّ الوزارة تشتغل ضمن استراتيجيتها على إحداث جهاز الدفاع التجاري لحماية النسيج الوطني عمومًا بما فيه الإنتاج الفلاحي.
ولتفادي مثل هذه الإشكاليات، قرّر الوزير إحداث لجنة مشتركة وزارية مهنية لمتابعة المنتوجات الفلاح وفق ما أعلنت عنه وزارة التجارة.
إشكال ليس بالجديد
في المقابل أكد عبد الحفيظ غالي، فلاح بولاية منوبة، لـ"ألترا تونس" أنّ "توريد العديد من المنتوجات الفلاحية ولا سيما الخضر يعد من بين أبرز الإشكاليات التي يواجهها الفلاح التونسي، فعلاوة على ارتفاع كلفة الإنتاج وخسرانه خلال البيع بالجملة، يجد الفلاح أحيانًا منتوجه متلفًا بسبب عجزه عن ترويجه نتيجة دخول خضر من مصر عبر ليبيا، أو من بعض الدول الأخرى على الرغم من كونها أقل جودة من المنتوج التونسي.
اقرأ/ي أيضًا: قانون الاقتصاد الاجتماعي التضامني يفتح ملف واحات جمنة من جديد
كما ذكّر الفلاح بمشكل إغراق السوق التونسية في جويلية/يوليو 2019 بالبطاطا المصرية، عبر استيراد 3 طن من هذا المنتوج بكلفة قدرت بحوالي 500 دولارًا للطن الواحد، على الرّغم من أنّ تونس تحقق اكتفاءها الذاتي من هذا المنتج سنويًا، وهو مشكل مستمر سنويًا بين الفلاحين ووزارة التجارة.
عبد الحفيظ غالي (فلاح) لـ"الترا تونس": علاوة على ارتفاع كلفة الإنتاج والخسارة خلال البيع بالجملة، يجد الفلاحون أحيانًا منتوجاتهم متلفة بسبب عجزهم عن ترويجها نتيجة توريد خضر من بعض الدول الأخرى على الرغم من كونها أقل جودة مما يُنتج في تونس
مشكل البطاطا الموردة تجدد أيضًا في أوت/أغسطس 2019 بعد أن احتج الفلاحون على توريد كميات كبيرة من البطاطا من تركيا أكدوا أنّها غير صالحة للاستهلاك، وأنّ تونس ليست في حاجة إلى توريد البطاطا في تلك الفترة لوفرة الإنتاج.
وقد أكد حينها الديوان التونسي للتجارة في بلاغ له أن "مجمل الحصّة من البطاطا، التي تم الاتفاق على توريدها من تركيا، هي في حدود 5 آلاف طن وذلك لمجابهة نقص متوقع في محاصيل الإنتاج الوطني بين 20 و30 ألف طن".
وأكد الديوان، آنذاك في ردّه على ما يتم ترويجه في مواقع التواصل الاجتماعي من كون البطاطا فاسدة وغير صالحة للاستهلاك، أنّه "تم تكليف لجنة متكوّنة من ممثلين عن وزارة الفلاحة والديوان التونسي للتجارة للتحول إلى عين المكان، بتركيا، قصد المصادقة المسبقة وذلك بعد التثبت من جودة المنتوج ومطابقته للمواصفات المطلوبة، فضلًا عن الأعمال الرقابية الموكولة لشركة المراقبة المعيّنة من طرف الديوان.
كما ذكر الديوان أنّه تم توجيه حصّة من الكميّة الموردة من البطاطا إلى أسواق الجملة وتخزين الكمية المتبقّية في محلات تبريد عالية المواصفات بكل من الوطن القبلي وسوسة وصفاقس وذلك من أجل تغطية حاجيات الأسواق الداخلية.
اقرأ/ي أيضًا: