02-أغسطس-2023
قيس سعيّد وأحمد الحشاني

قائد فريق تقني في الحد الأقصى، ومنسق إداري للعمل الحكومي في الحد الأدنى

مقال رأي 

 

عيّن قيس سعيّد أخيرًا رئيس حكومة جديد وهو أمر علم به التونسيون كالعادة في ساعة متأخرة من ليلة الثلاثاء 1 أوت/أغسطس، في بيان مقتضب أعلنت فيه رئاسة الجمهورية إقالة نجلاء بودن وتعيين أحمد الحشاني خلفًا لها.

بسرعة فائقة ذهب التونسيون على مواقع التواصل الاجتماعي للبحث في سيرة الرجل وأفكاره وانتماءاته وحتى جمهور كرة القدم الذي ينتمي إليه. الطبيعة تأبى الفراغ دومًا، وطالما لم تنشر الرئاسة سيرة ذاتية رسمية للمكلف الجديد بتشكيل الحكومة، فإن السيرة الذاتية للسيد أحمد الحشاني أصبحت معروفة في خطوطها الكبرى الآن، وسيكون متأخرًا جدًا على أي بيان رسمي أن يعدل في الانطباع الحاصل حولها.

أحمد الحشاني من رفاق الدراسة للرئيس سعيّد في بداية الثمانينات كما يبدو، فهو خريج كلية الحقوق لكن أفكاره السياسية كانت إلى حد البارحة في تناقض تام مع الرئيس حيث كان قد اعتبره خطرًا على الديمقراطية، وميالاً للاستبداد ومليئًا بالتناقضات

السيد أحمد الحشاني من رفاق الدراسة للرئيس قيس سعيّد في بداية الثمانينات كما يبدو، فهو خريج كلية الحقوق. لكن أفكاره السياسية كانت إلى حد البارحة في تناقض تام مع الرئيس قيس سعيّد حيث كان قد اعتبره خطرًا على الديمقراطية، وميالاً للاستبداد ومليئًا بالتناقضات. في بعض المنشورات الأخرى بدا الحشاني مساندًا لنبيل القروي غريم قيس سعيّد في الدور الثاني من الرئاسيات. إطار بنكي متوسط متقاعد منذ بضع سنوات لا يعرفه أحد، حيث لم يسبق له أي ظهور في الإعلام، ولا أي انتماء حزبي ظاهر. 

لكن الرأي العام بدأ يكتشف أشياء أخرى: أن الحشاني هو ابن الرائد صالح الحشاني الذي وقع إعدامه في بداية الستينيات إثر المحاولة الانقلابية التي قادتها مجموعة من العسكريين والمعارضين اليوسفيين، إثر أحداث بنزرت في جويلية/يوليو 1961.

كانت هذه المحاولة قد ضمت بالفعل مجموعة من العسكريين في الجيش التونسي المشكل حديثاً، من بينهم قائد حراسة بورقيبة بالقصر آنذاك، كبيّر المحرزي، وصالح الحشاني الذي كان يقوم بمهام قيادة حامية قفصة العسكرية برتبة رائد. قبل ذلك، يظهر أن صالح الحشاني كان ملازمًا بجيش الباي محمد الأمين، آخر بايات تونس الذي أطاح به إعلان الجمهورية في 25 جويلية/يوليو 1957. يعني ذلك أنه كان ينتمي للعسكريين الذين انضموا للجيش الوطني منذ تأسيسه منتقلين إليه من جيش الباي الذي كانت مهامه تقتصر على الحراسة والتشريفات. كانت المحاولة الانقلابية قد ضمت أيضًا قيادات ميدانية يوسفية أبرزها من جهة قفصة ذاتها، كما ضمت قيادات في حركة المقاومة العسكرية  للاستعمار الفرنسي.

أحمد الحشاني هو ابن الرائد صالح الحشاني الذي وقع إعدامه في بداية الستينيات إثر المحاولة الانقلابية التي قادتها مجموعة من العسكريين والمعارضين اليوسفيين، إثر أحداث بنزرت في جويلية 1961

في عدد من منشوراته السابقة على الشبكات الاجتماعية، عبر أحمد الحشاني عن انتماء يوسفي صميم، وعن عداء جذري لبورقيبة. وبغض النظر عن طبيعة الأفكار السياسية، فقد عاشت عائلة صالح الحشاني مثل كل عائلات القيادات التي حاولت الانقلاب على بورقيبة ظروفًا مأسوية من التضييق والتجويع والمراقبة طيلة الستينيات، وهو ما من شأنه أن يطبع المواقف بجذرية سياسية تضاف إليها الاعتبارات الشخصية. هذا شرعي ومفهوم.

 

 

في منشورات أخرى، يقول أحمد الحشاني إنه ينتمي لسلالة البايات، عبر الجد علي باي. وعلي باي المعني هو شقيق محمد الصادق باي الذي أمضى معاهدة الحماية الفرنسية في ماي/أيار 1881، والذي ساومت به السلطات الفرنسية شقيقه بطرح إمكانية عزل محمد الصادق وتعيين علي مكانه في حال رفضه الإمضاء. كان علي باي قد أرسل على رأس الجيش لقتال الفرنسيين الذين اجتازوا الحدود الغربية للبلاد قادمين من الجزائر، لكنه عاد بعد أيام دون قتال، لتكون المعاهدة قد أمضيت، ولينتظر بضعة أشهر ليخلف شقيقه على العرش الحسيني حتى 1902.

كان علي باي أكثر البايات الحسينيين طاعة للفرنسيين، بل إنه مكنهم حتى من مراقبة ميزانيته الخاصة والتحكم في نفقاته ونفقات بقية الأمراء. يحافظ أحمد الحشاني في أثناء ذلك على علاقات مع أحفاد العائلة الحسينية المالكة، وقد صرح أحيانًا بأنه من أنصار عودة الملكية إلى تونس. الرابط بين آخر الحسينيين، محمد الأمين، واليوسفيين واضح، فقد حدث التقاء سياسي وتعاون بين الطرفين أثناء صعود بورقيبة السريع منذ اتفاقية الاستقلال الداخلي في 1955، وفي حين كان اليوسفيون يعتبرون بورقيبة متفاهمًا مع فرنسا وخائنًا وعميلاً، كان الحسينيون يخشون إلغاءه للنظام الملكي. لقاء مصلحة بغض النظر عن أي أفكار.

يحافظ أحمد الحشاني على علاقات مع أحفاد العائلة الحسينية المالكة، وقد صرح بأنه من أنصار عودة الملكية إلى تونس

بحسب أحمد الحشاني فإن والده الفقيد صالح الحشاني من أحفاد البايات الحسينيين، وقد ترك سبعة أبناء وأرملة فرنسية المولد، عندما قرر بورقيبة إعدامه ضمن المتورطين في محاولة الانقلاب. يحمل الرجل حقدًا كبيرًا على بورقيبة يمكن تفهمه، وقد كتب في بعض التدوينات غداة الثورة مطالبًا بتصفية الإرث البورقيبي، وحتى بالانتقام من أولئك الذين كانوا في المحاولة الانقلابية ونجوا من الإعدام ليتحول عدد منهم إلى خدم لدى بورقيبة وخلفه زين العابدين بن علي. فيما عدا ذلك، تشير عدة تدوينات إلى ميول ديمقراطية لدى الرجل، وإلى نقد جذري للاستبداد والرأي الواحد. هذا جزء من مكر التاريخ.

يحمل أحمد الحشاني حقدًا كبيرًا على بورقيبة وقد كتب في بعض التدوينات غداة الثورة مطالبًا بتصفية الإرث البورقيبي، وحتى بالانتقام من أولئك الذين كانوا في المحاولة الانقلابية ونجوا من الإعدام ليتحول عدد منهم إلى خدم لدى بورقيبة وخلفه بن علي

 

 

هل بإمكان قيس سعيّد أن يجهل هذه التفاصيل وهو يقوم بتكليف أحمد الحشاني برئاسة الحكومة الجديدة؟ هذا أمر مستحيل وبالإطلاق بالنسبة لرئيس مهتم بالتفاصيل التاريخية. ما هو المعنى إذًا؟ نوع من الانتصار لسردية سياسية وتاريخية مناقضة لسردية الدولة الوطنية أو البورقيبية؟ هذا أمر غير مستغرب من قيس سعيّد، ذلك أن السردية الشعبوية التي يتبناها اليوم ليست في تناقض كبير مع السردية اليوسفية. سيثير ذلك نوعًا من التوجس لدى عدد من أنصار قيس سعيّد من ذوي الحماس للبورقيبية. فيما عدا ذلك، فقد أراد أحمد الحشاني ملكية دستورية، وها أنه اليوم رئيس حكومة في نظام لا يختلف كثيرًا عن الملكية الدستورية. هذا أيضًا من مكر التاريخ.

أراد أحمد الحشاني ملكية دستورية، وها أنه اليوم رئيس حكومة في نظام لا يختلف كثيرًا عن الملكية الدستورية.. هذا أيضًا من مكر التاريخ

فيما عدا ذلك، ماذا يمكن أن ينتظر من أي رئيس حكومة يوظفه قيس سعيّد بالدستور والممارسة الحاليتين؟ مجرد فترة سماح جديدة تسمح لقيس سعيّد بالتقاط بعض الأنفاس في السياق الحالي المأزوم حيث تعيش البلاد كارثة تموينية وحيث لم يقع تسجيل نجاح وحيد في أي ملف من الملفات التي فتحها الرئيس بنفسه.

على شاكلة رئيسة الحكومة المقالة نجلاء بودن، سيكون الأداء تقريبًا هو نفسه، فليس للرجل أي تجربة إقتصادية، كما أنه لن يختار أعضاء حكومته الجديدة بنفسه، حيث يقتضي الدستور الجديد أن من يقوم بذلك هو رئيس الجمهورية نفسه. قائد فريق تقني في الحد الأقصى، ومنسق إداري للعمل الحكومي في الحد الأدنى.

 

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"