تترقب تونس ما ستفضي إليه تحركات مجلس نواب الشعب المعلقة أعماله، بعد قرار عقد جلستين عامتين بهدف "إخراج تونس من الأزمة السياسية-الدستورية الحالية"، التي عمقت بدورها الإشكاليات الاجتماعية والاقتصادية التي فتكت، حسب خبراء ومختصين، بتوازنات البلاد.
ومن المنتظر أن يعقد البرلمان المعلق نشاطه جلسة عامة يوم 30 مارس/آذار 2022 للنظر في إنهاء الاجراءات الاستثنائية التي أقرها الرئيس التونسي قيس سعيّد، على أن تعقد أيضًا جلسة عامة ثانية في 2 أفريل/نيسان 2022 للنظر في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
خطوة النواب عقبها في الليلة ذاتها اجتماع لمجلس الأمن القومي، تحدث خلاله الرئيس قيس سعيّد عن وجود "نية للانقلاب على الدستور"، مشيرًا إلى أن مكتب المجلس على اعتباره أحد مكونات البرلمان هو أيضًا يشمله قرار التجميد .
وقال قيس سعيّد إنه "لا يمكن إلغاء النواب بالقانون لقرار التدابير الاستثنائية عن طريق عرض لائحة على جلسة عامة لبرلمان معلقة أشغاله"، مصرحًا في فيديو لخطابه عرض خلاله وثيقة قرار المجلس، أنه "من غير الممكن إسقاط الدولة أو النظام في تونس بمجرد تداول النواب لإرساليات قصيرة"، وفق تعبيره.
"الترا تونس" تحصل على الوثيقة الكاملة لقرار الجلسة العامة واللائحة التي ستعرض على النواب المشاركين في جلسة 30 مارس، والتي تتضمن 6 نقاط وقع الاتفاق حولها من قبل نواب
"الترا تونس" تحصل على الوثيقة الكاملة لقرار الجلسة العامة واللائحة التي ستعرض على النواب المشاركين في جلسة 30 مارس/آذار 2022، والتي تتضمن 6 نقاط وقع الاتفاق حولها من قبل نواب ممثلي الكتل البرلمانية والنواب المنتظر مشاركتهم في الجلسة العامة.
- "اتفاق ينهي الإجراءات الاستثنائية"
وينص قرار الجلسة العامة أنه:
"بموجب التخويل الدستوري الذي يسمح بعقد اجتماعات مجلس نواب الشعب بقصر باردو وفي غيره من الأماكن في حالة وجود ظرف استثنائي، وبناء على القرار السابق للجلسة العامة بعقد الجلسات العامة عن بعد، وعلى اعتبار أن مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم.
وتبعًا لما قام به الرئيس التونسي من إعلان عن التدابير الاستثنائية التي تضمنتها الأوامر الرئاسية عدد 80 المؤرخ في 29 جويلية/يوليو 2021, وعدد 109 المؤرخ في 24 أوت/أغسطس 2021، و117 المؤرخ في 22 سبتمبر/أيلول 2021 وما انبنى أيضًا على هذه الأوامر الرئاسية من مراسيم وأوامر أخرى.
وحيث ثبت الانحراف بالتدابير الاستثنائية المقررة بالفصل 80 من الدستور عن غايتها التي وضعت من أجلها، وبات واضحًا للجميع نزوع الرئيس إلى التستر بالتدابير الاستثنائية لتمرير أجندة خاصة به لم يفصح عنها عند طلب ثقة الناخبين، وأن أي تماد في التدابير الاستثنائية وفق تمشي الرئيس أصبح بالغ الخطر على كيان الدولة واستمراريتها.
فإن النواب المجتمعين في الجلسة العامة يؤكدون أساس هذه النقاط:
- أن تونس تعيش في هذه المرحلة أزمة متعددة الأوجه خاصة على المستوى الاقتصادي والمالي.
- أن مواجهة الصعوبات المالية والاقتصادية والتفاوض بجدية مع المؤسسات المالية الدولية يتطلب حل أزمة الحكم التي طالت، ولا يكون ذلك إلا بتكاتف جميع الجهود الوطنية لإنقاذ البلاد.
- أن الوضع الذي كان عليه البرلمان من تنازع منذ سنتين بعد انتخابات 2019، كان جزءًا من أزمة الحكم التي زادت سوء بعد 25 جويلية/يوليو 2022.
من بين ما تم تضمينه في اللائحة: إيقاف العمل بالتدابير الاستثنائية وإبطال قرار حل المجلس الأعلى للقضاء وإبطال كل محاكمات الرأي وكافة تتبعات المدنيين أمام المحاكم العسكرية
ويقر مجلس نواب الشعب حسب قرار الجلسة العامة الذي سيتلى يوم 30 مارس/آذار 2022 أنه سيتم:
- إيقاف العمل بالتدابير الاستثنائية المعلنة من قبل الرئيس وخاصة الأوامر الرئاسية عدد 177 وعدد 80 وعدد 109 لسنة 2021، وكل ما انجر عنها من آثار، ويعلن إنهاء العمل بها.
- يعاين إنهاء الفترة الاستثنائية لانقضاء مدتها، وتعطل كل الهياكل الرقابية التي خول لها الدستور حق التأكد من ملاءمتها له، وشروط استمرارها خاصة منها مؤسستا مجلس نواب الشعب والمحكمة الدستورية.
- إبطال قرار حل المجلس الأعلى للقضاء ودعوة أعضائه لاستئناف نشاطهم فورًا، وعدم الاعتراف بأي شرعية للمجلس الجديد المنصب ودعوة الهيئات والمجالس التي تم تعطيلها أو حلها إلى العودة لسالف أعمالها.
- قرار إبطال كل محاكمات الرأي وكافة تتبعات المدنيين أمام المحاكم العسكرية.
- يدعو مجلس نواب الشعب إلى إطلاق حوار وطني شامل حول سبل إنقاذ البلاد من أزمتها الاقتصادية والاجتماعية، وفك عزلتها الدولية وإقرار الإصلاحات السياسية الضرورية لعودة الاستقرار السياسي من خلال ديمقراطية تمثيلية شفافة .
- يبقى مكتب مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم لمتابعة جملة التطورات التي تشهدها البلاد.
- "قرارات تنتظر رد الشارع والدولة"
"الترا تونس" تحدث مع النائب بالبرلمان المعلقة أعماله عن حركة النهضة ناجي الجمل الذي أكد موافقة ما يتجاوز 120 نائبًا على المشاركة في الجلسة العامة يوم 30 مارس/آذار 2022 .
وواصل محدثنا القول أن "هذه الجلسة ستكون خطوة في طريق تجاوز قوس الإجراءات الاستثنائية، وتأكيد أن البلاد مفتوحة للجميع ولا يمكن للرئيس فرض خياراته دون مشاركة أي طرف غيره، وكأنه الوحيد الذي "يمتلك خيط الصواب الذي يصلح لتونس"، على حد تعبيره.
وفي رده على سؤالنا حول المخاوف من أن يؤدي تحرك النواب إلى خلق شرعيات متعددة، يفسر ناجي الجمل أن "تونس يحكمها دستور واحد، فيه صلاحيات لرئيس جمهورية وسلطة تشريعية وسلطة تنفيذية، وبالتالي فإننا لن نكون أمام شرعيتين وإنما مجموعة سلط ينظمها الدستور" .
ناجي الجمل: هذه الجلسة ستكون خطوة في طريق تجاوز قوس الإجراءات الاستثنائية، وتأكيد أن البلاد مفتوحة للجميع ولا يمكن للرئيس فرض خياراته دون مشاركة أي طرف غيره
وواصل ناجي الجمل القول: "نحن لا نعرف كيف سيكون رد فعل الرئيس ومختلف مؤسسات الدولة، وخاصة رد فعل الشعب التونسي على خطوة النواب والبرلمان، وكيف سيتم التفاعل معها، لكن الجميع مدعوون لتغليب المصلحة الوطنية"، وفق تصريحه.
وحول الطريقة التي سيفرض بها البرلمان قراراته على المؤسسات، يفسر ناجي الجمل أن "السلطة التشريعية لا تمتلك آليات فرض أي قرار، فهي حسب رأيه تسن القوانين وتتخذ قرارات يكون على بقية أجهزة الدولة تنفيذها"، مستطردًا: "سنرى كيف ستتعامل بقية مؤسسات الدولة مع قرارات الجلسة العامة يوم 30 مارس/آذار 2022".
وأكد ناجي الجمل أن "عددًا من الكتل والأحزاب ستشارك في الجلسة العامة"، معلقًا حول إمكانية مشاركة نواب التيار الديمقراطي بالقول إن "محمد عبو أحد مؤسسي التيار، سبق أن أكد مساندته لقرار عقد الجلسة العامة"، مذكرًا بتصريح رئيس كتلة التيار نعمان العش الذي يفيد باعتزام أغلب نواب التيار المشاركة في الجلسة، نافيًا وجود أي قرار رسمي للتيار بالمقاطعة .
ناجي الجمل أكد أن "جميع نواب النهضة سيلتزمون بقرار مكتب البرلمان المتعلق بالمشاركة في الجلسة العامة، وأن هذا ما يجمع عليه حتى النواب الذين سبق أن استقالوا من النهضة" .
- "شرعية من ضد من"
النائب المستقيلة من حركة النهضة والناشطة في حراك "توانسة من أجل الديمقراطية" رباب بن لطيف فسرت أن "الاتفاق يتعلق بقرار يعرض على التصويت في الجلسة العامة يوم 30 مارس/آذار تتنتهي بمقتضاه كل إجراءات 25 جويلية/يوليو 2022، بالإضافة للائحة وقع الاتفاق حولها تعيد إلى المجلس نشاطه".
واعتبرت، في تصريح لـ"الترا تونس"، أن "عمل البرلمان والنواب في الفترة المقبلة سيكون استثنائيًا، أساسه العمل النضالي في سبيل التصدي للعبث الذي تعيش على وقعه البلاد، أكثر من المهام التشريعية الموكلة إلى النواب"، على حد تعبيرها.
رباب بن لطيف: في صورة الوصول إلى نقطة الاستقواء بـ"شرعية من ضد من"، فإن على الجميع عدم حمل البلاد إلى صراع آخر أعمق والعودة إلى الحوار
وفسرت رباب بن لطيف أن تونس لن تواجه إشكال خلق "شرعيتين" إذا ما عاد الجميع لتحكيم العقل، منبهة إلى أنه "في صورة الوصول إلى نقطة الاستقواء بما سمتها "شرعية من ضد من"، فإن على الجميع، وخاصة الطيف السياسي، عدم حمل البلاد إلى صراع آخر أعمق والعودة إلى الحوار"، حسب رأيها.
وترى محدثة "الترا تونس" أن "قرار عقد الجلسة العامة على أهميته جاء متأخرًا"، مشددة على أنه "كان على البرلمان رفض قرارات 25 جويلية/يوليو 2021 والإعلان ليلتها أن ما حدث انقلاب على مؤسسات الدولة"، وفق تعبيرها.
وبينت بن لطيف، التي أكدت توجهها والنواب المستقيلين من النهضة للمشاركة في الجلسة العامة المنتظرة، أن "الانتخابات السابقة لأوانها قد تكون حلًّا للأزمة، في صورة الوصول لاتفاق حولها بورقة سياسية، بعد حوار شامل بين جميع ممثلي الطيف السياسي في تونس، على أن تشرف عليه الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات، لا أن تكون وفق الأجندة التي أعلن عنها الرئيس".
- "اتفاق لا يعلم أحد تفاصيله"
من جهته، أكد النائب بالبرلمان المعلق نشاطه هشام العجبوني رفضه المشاركة في أي جلسة عامة يترأسها راشد الغنوشي أو سميرة الشواشي، مشيرًا إلى أنه "لم يتم الحسم نهائيًا فيما إذا كان طارق الفتيتي سيترأس جلسة يوم 30 مارس/آذار 2022.
واعتبر العجبوني أن "راشد الغنوشي لا يزال يحاول تصدر المشهد"، مشيرًا إلى أن "نواب التيار الديمقراطي سيراجعون موقفهم للحسم بين إمكانية المشاركة من عدمها أو ترك الحرية للنواب للاختيار كل حسب قناعته الشخصية".
وبين محدث "الترا تونس" أن "حالة الجمود التي عاشتها تونس استوجبت التحرك، بسبب توجه قيس سعيّد الانفرادي وضربه لكل الأجسام من أحزاب ومنظمات وإعلام، ما أدى لعزل لتونس دوليًا وفقدانها القدرة على التحصل على قروض في مقابل غياب كلي للإنجازات".
هشام العجبوني: حالة الجمود التي عاشتها تونس استوجبت التحرك، بسبب توجه سعيّد الانفرادي وضربه لكل الأجسام من أحزاب ومنظمات وإعلام، ما أدى لعزل لتونس دوليًا وفقدانها القدرة على التحصل على قروض
وكشف هشام العجبوني عن معلومات لم تتأكد رسميًا بعد، مفادها "تعليق صندوق النقد الدولي للمحادثات مع تونس على اعتبار تأكد وجود انقسام في البلاد، يمنع إمكانية الانطلاق في تطبيق إصلاحات جوهرية لا يقع حتمًا احترامها" .
ونبه العجبوني أيضًا، في حديثه مع "الترا تونس"، إلى ما اعتبره "التصريح الأخطر" لرئيسة الوزراء نجلاء بودن، والمتعلق بالتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي على مخطط إصلاح هيكلي معمق، مفسرًا أن "هذ الاتفاق يشبه مخطط سنة 1989، لكن أكثر عمقًا، حسب تقديره.
وواصل القول إن "لا أحد من بين الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والسياسيين يعلم تفاصيل مضمون الاتفاق والالتزامات التي قدمتها الحكومة التونسية لصندوق النقد الدولي".
وختم حديثه بالقول: "لا أعتقد أننا سنكون أمام شرعيتين، نحن لا نبحث عن شرعية مقابل أخرى"، وتوجه العجبوني إلى الرئيس بالقول إنه "ليس من حقه إلغاء البرلمان بجرة قلم والتعسف على تطبيق الفصل 80 في ظل التجاوزات الأخيرة غير المسبوقة في تونس".
- "اللائحة تهدد بإنهاء الحكومة"
ومن جهته، اعتبر النائب المستقل بالبرلمان المعلقة أشغاله خالد قسومة الذي "اعتبر أن أول خطر تطرحه اللائحة التي سيقع عرضها للتصويت في الجلسة العامة هو إمكانية أن تؤدي لفقدان شرعية الحكومة الحالية".
وفسر قسومة ذلك بأنه "في صورة نجاح البرلمان في إقرار إنهاء إجراءات 25 جويلية/يوليو 2021 وما ترتب عنها من قرارات ومراسيم، فإن حكومة نجلاء بودن قد تفقد الشرعية وتفقد أيضًا إمكانية تمثيل تونس في المفاوضات، سواء مع صندوق النقد الدولي أو تمثيل تونس في الخارج".
وبين خالد قسومة أن "الهاجس الثاني يتعلق بفتح باب الخلاف والتأويل، بين من يمتلك الشرعية الحقيقة والفعلية سواء الرئيس قيس سعيّد أو البرلمان، ونشهد عندها صراع تنازع للصلاحيات"، حسب رأيه.
ويقول خالد قسومة إن "البرلمان سيصبح هو الأصل في صورة تمرير هذه اللائحة ويصبح من غير الممكن تمرير حكومة أو المصادقة على قروض إلا عن طريق عرضها على مجلس نواب الشعب"، مشيرًا إلى أنه "أمام غياب المحكمة الدستورية الأصل أن تبقى للرئيس التونسي السلطة التقديرية لموعد انتهاء الخطر الداهم والإجراءات الاستثنائية".
خالد قسومة: البرلمان سيصبح هو الأصل في صورة تمرير هذه اللائحة ويصبح من غير الممكن تمرير حكومة أو المصادقة على قروض إلا عن طريق عرضها على مجلس نواب الشعب
وينبه محدث "الترا تونس" إلى أن "هذا السيناريو قد يصل حد المساس بأركان الدولة ومؤسساتها، ويصبح فيه النزاع حول الصلاحيات مثل ما حصل بين قيس سعيّد وهشام المشيشي سابقًا، مع إمكانية تصعيد البرلمان باتخاذ قرار تعيين حكومة جديدة، في صورة إلغاء قرارات 25 جويلية/يوليو 2021 التي تلغي أيضًا قرار تعيين حكومة نجلاء بودن، الأمر الذي اعتبره خالد قسومة يمسّ مباشرة باستقرار الدولة والحياة العادية للمواطن التونسي الذي يعيش في ظل وضع مالي واقتصادي رديء جدًا".
واعتبر النائب المستقل أن "الحل يتمثل في الذهاب مباشرة إلى انتخابات تشريعية مبكرة، يتم الاتفاق حول تفاصيلها في ميثاق سياسي، يشرف عليه الاتحاد العام التونسي للشغل بحضور ممثلي الأحزاب السياسية، على أن يتم الاتفاق حول موعد لانتخابات مبكرة بين شهري أكتوبر/تشرين الأول وسبتمبر/أيلول 2021.
وختم خالد قسومة حديثه لـ"الترا تونس" بالقول إن "البرلمان الجديد الذي سيقع انتخابه على أساس هذ الاتفاق يكون من بين مهامه تنقيح الدستور والنظام الانتخابي أو نظام الحكم سواء من قبل الأحزاب الممثلة في البرلمان أو داعمي الرئيس".
تنتظر تونس ما ستؤول إليه تطورات المشهد إثر خطوة وصفت بـ"الجريئة" للبرلمان ونوابه، قد تقلب من خلال "اللائحة والقرار" موازين الصراع. فأي مسارات تنتظر تونس ما بعد يوم 30 مارس/آذار 2022؟