نائب في البرلمان المنحلّ ووزير سابق وهو مؤسس حزب الراية الوطنية بعد 25 جويلية/يولو 2021، إنه المحامي مبروك كورشيد الذي يشدد على أن الأحزاب في تونس لن تنتهي داعيًا النخبة إلى القيام بمراجعات ومواجهة الرئيس التونسي قيس سعيّد، والذي يرى أن تنظيمًا سريًا يحكم البلاد وأن الرئيس سبب في هجرة التونسيين في قوارب الموت..
هذه الملفات وغيرها تقرؤونها في الحوار التالي:
- أسستم حزب الراية الوطنية بعد 25 جويلية/يوليو 2021، أي في وقت تراجعت فيه الأحزاب واعتبر الرئيس أن عهدها انتهى. ألا يبدو إنشاء الحزب الآن مغامرة؟
إذا قال الرئيس إن عهد الأحزاب انتهى، فذلك لا يعني أن نصفق له. عهد الأحزاب لن ينتهي، فالحزب هو تنظيم يعبّر عن أفكار مشتركة بين مجموعة من الأشخاص، وبالتالي فإن من حق الناس التنظم من أجل التعبير عن أفكارهم. وسواءً أكان الأمر يتعلق بحزب أو حركة أو لجنة أو تنسيقية فإن جميعها تمثل أشكالًا للتنظم الجماعي.
وبالتالي فإننا لما أسسنا حزب الراية الوطنية بعد 25 جويلية/يوليو 2021، فإننا أولًا نريد أن ننشط في العلن أمام الرأي العام، وثانيًا ردًا على الرئيس وغيره ممن يقولون إن عهد الأحزاب انتهى، وثالثًا لأن البلاد في حاجة في تقديرنا إلى حزب روافد ينشط فيه النقابيون والقوميون والتجمعيون والمستقلون.
مبروك كورشيد: إذا قال الرئيس قيس سعيّد إن عهد الأحزاب انتهى فذلك لا يعني أن نصفق له، عهد الأحزاب في تونس لن ينتهي
بالنسبة إلى حزب "الراية الوطنية"، هو على نفس درب الأحزاب الروافد التي كانت تجاربها ناجحة على غرار الحزب الحر الدستوري الذي جمع شخصيات وطنية مختلفة كأحمد بن صالح وأحد التليلي وصالح بن يوسف والحبيب ثامر وعلي بلهوان والحبيب بورقيبة، ونجحت في تحرير البلاد.
ثم نجحت عندما تحولت سنة 1988 إلى حزب التجمع الذي جمع فيه زين العابدين بن علي كل الأطياف من نقابيين وتجمعيين ودساترة. ونجحت في 2014 عندما جمع الباجي قائد السبسي الروافد في حزب نداء تونس.
وها نحن اليوم على نفس الخطى، جمعنا روافد نقابية وتجمعية وعروبية وشخصيات مستقلة داخل هذا الحزب، ونطمح إلى مزيد تجميعها، وبالتالي نعتبره حزبًا ضروريًا لتونس وليس فقط ردًا على الرئيس الذي يبدو أنه يقود بدوره حزبًا سريًا في البلاد.
- اعتبرتم أن حزب نداء تونس من الروافد ونجح، فيما نجح بالضبط خاصة أنه تفكك ويعتبره البعض مسؤولًا على ما يسمى بـ"العشرية السوداء"؟
نداء تونس نجح في إسقاط الإسلام السياسي لأول مرة في تونس والعالم العربي بالصندوق إذ كلما تم انتخابهم لا يمكن إبعادهم، ففي السودان حكموا 30 عامًا وفي المغرب وصلوا بالصندوق وأزاحهم بعد ذلك الملك وفي الجزائر أزاحهم الجيش وكذلك في مصر.
كورشيد: ما دفعنا إلى تأسيس حزب الراية الوطنية هو أن نعيد تجربة نداء تونس، ليس على قاعدة انتخابية، وإنما من أجل تحقيق الفائدة للبلاد عبر الرسوّ بها إلى برّ الأمان
وممّا نعيبه على نداء تونس هو أنه ظهر كحزب انتخابي دوره إيصال الباجي قائد السبسي إلى السلطة وإيصال أعضائه إلى البرلمان، وبالتالي لم تكن قياداته تؤمن بتكوين حزب لفائدة تونس أو لنقل فشلت المحاولة بإمكانية أن يحكم المشهد السياسي في البلاد. وهذا ناجم عن سن الباجي قائد السبسي فلو كان عمره مثلًا 70 عامًا عندما أسس نداء تونس لكان الحزب لا يزال قائمًا إلى اليوم، فضلًا عن أن الكثير من أعضاء الحزب كانوا غير متمرسين في السياسة وكان طموحهم الوصول إلى السلطة وهم قيادات الصف الأول في الحزب.
ولهذا أتساءل اليوم أين يوسف الشاهد وسعيد العايدي ومحسن مرزوق؟ أين هم في الساحة السياسية عندما احتاجتهم تونس بعد 25 جويلية/يويو؟
بالتالي فإن ما دفعنا إلى تأسيس حزب الراية الوطنية هو أن نعيد تجربة نداء تونس، ليس على قاعدة انتخابية، وإنما من أجل تحقيق الفائدة للبلاد عبر الرسوّ بها إلى برّ الأمان.
- هل تعتقد أن الائتلافات الحزبية والتحالفات على شاكلة جبهة الخلاص الوطني مثلًا قادرة على مواجهة سياسة الأمر الواقع التي فرضها الرئيس؟
مع احترامي لكل مجهود بشري، إلا أن جبهة الخلاص الوطني إلى الآن لا تحظى بدعم الكثير من التونسيين بسبب وجود حركة النهضة ضمن مكوناتها، إذ يعتبرون أنها سبب في تدهور الحكم في تونس بسبب رغبة قياداتها في سلطة جوفاء بلا مشاريع.
كورشيد: جبهة الخلاص الوطني إلى الآن لا تحظى بدعم الكثير من التونسيين بسبب وجود حركة النهضة ضمن مكوناتها
النهضة قامت بوضع قوانين جزأت السلطة وشتَّتَتْها، لهذا فرح التونسيون بما قام به قيس سعيّد ليلة 25 جويلية/يوليو 2021، إذ كانت هناك ضرورة لتغيير النظام القائم، والنتيجة اليوم هي أن التونسيين باتوا يشعرون بأنهم خدعوا خدعة كبرى وكثير منهم عاد إليه رشده وأدركوا أن ما قام به قيس سعيّد هو لصالح لنفسه وليس لصالح تونس.
ولهذا علينا أن نملأ الفراغ أولًا بعدم الرجوع إلى الماضي، وكذلك عدم البقاء رهيني دستور وإرادة فردية للرئيس، وبالتالي على حزب الراية الوطنية وبقية الأحزاب الوطنية الأخرى القيام بهذا الجهد.
- لكنكم أعلنتم مقاطعة الانتخابات التشريعية، والبعض يعتبر قراركم هذا هروبًا من المواجهة والاحتكام للشعب؟
السلطة في تونس لم تعد تتمثل لا في البرلمان ولا في غرفة ثانية ولا في البلديات، جميعها لا تعدو أن تكون مجرد ديكور. السلطة الوحيدة اليوم هي مؤسسة الرئاسة، والقانون الذي وضعه الرئيس قيس سعيّد جعل كل السلط مجمعة في يده وهو لا يخضع حتى للمحاسبة، وبالتالي فهو عبارة عن ملك منتخب.
فإذا أراد الرئيس معرفة ما إذا كانت المعارضة قادرة على إسقاطه أو لا، فعليه أن يجربها في الميدان الذي اختاره هو بنفسه وهو الانتخابات الرئاسية. أما أن يريد منها المشاركة في انتخابات برلمانية، فما الداعي من ذلك؟ أن تكون مصفقة لقوانين لا حق لها في نقاشها وعرابة لحكومة لا تستطيع مساءلتها. وبالتالي فإن كل العقلاء يعتبرون البرلمان الذي سينبثق عن الانتخابات التشريعية القادمة، سيكون أجوف. بيْد أن الرئيس يخشى الانتخابات الرئاسية لأنه يخاف أن تنقلب اللعبة ضده.
- سبق أن تقلدت منصب وزير لأملاك الدولة خلال السنوات الماضية، وبالتالي عشت تجربة الحكم في ظل حكومة وجهت إليها اتهامات بالفشل، فما ردكم؟
أولًا كنت وزيرًا في حكومة الوحدة الوطنية وكنت أنقد الحكم وأنقد البرلمان وأدعو إلى تغيير الدستور وقلت إنه دستور حركة النهضة.
ولقد كنا نجتمع في المجلس الوزاري وقلوبنا شتى، فواحد يعتبر رئيسه الغنوشي والآخر يعتبره الباجي قايد السبسي وآخر يعتبره حافظ قايد السبسي والآخر رئيسه محسن مرزوق، ورئيس الحكومة لا يحكم الوزراء وبالتالي كانت حكومة مشتتة، ولم تستطع مكوناتها خلق خلق مناخ مشترك بينهم.
وبالتالي فإن الفشل نجم عن مسألة وظيفية متعلقة بالدستور والتشريعات التي تحكم البلاد.
كورشيد: الثنائية التي يعتمد عليها الرئيس هي اتهام خصومه بالفشل والفساد وتقديم نفسه على أساس أنه الناجح والصالح، لكن في الحقيقة سيكتشف التونسيون أنه يقود البلاد نحو فشل ذريع
بالنسبة لي، كنت مستقلًا واختلفت مع حركة النهضة حول مسألة التعويض وقضية البنك الفرنسي التونسي، وحاولت أن أنجز المشروع الصيني في الجنوب ووضعت قانونًا لمنح الأراضي للمعطلين عن العمل وآخرَ لتمليك الفلاحين لأراضٍ وُعدوا بها منذ السبعينات. إلا أن كل حكومة لم يكن يتواصل نشاطها لأكثر من عامين أو عامين ونصف. وعمومًا، كانت هناك بعض الشمعات المضيئة فمثلًا الدبلوماسية التونسية كانت قوية جدًا في عهد الباجي قائد السبسي.
في ملف الأموال المنهوبة مثلًا، الرئيس قيس سعيّد عاب علينا عدم تمكننا من استرجاع الأموال المنهوبة، فأجبته أنها لم ولن ترجع قريبًا لأن المنظومة في الخارج لا تسمح برجوعها إلا بأحكام قضائية باتة ونهائية، وهي تدوم لما يقارب 25 أو 30 سنة. وقدمت له مثالًا على ذلك رئيس نيجيريا السابق ساني أباتشا، فمنذ عام 1981 لم يتمكن من استرجاع الأموال إلا في 2017 أي بعد 36 عامًا من الانتظار.
فماذا فعل الرئيس الذي كون لجنة؟ هل أعاد الأموال؟ هو فقط خوّننا واتهمنا بأننا لم نعمل على إرجاعها.
هذه هي الثنائية التي يعتمد عليها الرئيس في سياسته، اتهام خصومه بالفشل والفساد وتقديم نفسه على أساس أنه الناجح والصالح، لكن في الحقيقة سيكتشف التونسيون أنه يقود البلاد نحو فشل ذريع أكبر من فشل حركة النهضة.
- موقفكم كان رافضًا لتجربة واحات جمنة التي اعتبرها الرئيس مثالًا ناجحًا للاقتصاد التضامني وأعلن عن إنشاء شركات أهلية ستكون إحدى قاطرات الاقتصاد وفقه، فهل تعتقد أن بإمكان هذه الفكرة النجاح؟
أولًا، بالحديث عن واحات جمنة، أعلمكم أنها تعاني اليوم الإهمال، وقد تم طرد العملة وهم اليوم يقفون أمام المحاكم بخصوص ذلك، والجمعية التي تكونت فالسة. وبالتالي فإن هذه التجربة ليست بالنموذج الذي يحتذى به، بل هي عملية استيلاء على ملك الدولة والخواص. وإذا كان الرئيس يريد أن يجعل منها نموذجًا، فهو بذلك يعتبر أن الاعتداء على ملك العوام والخواص نموذجًا. والشركات الأهلية سيكون مصيرها كتجربة واحات جمنة، الدعاية ثم الفشل الذريع.
- اقترحتم تكوين لجنة إثر فاجعة جرجيس ودعوتم إلى ضرورة تجريم المهاجرين والزج بهم في السجون. ألا يبدو المقترح قاسيًا لاسيّما وأنك أصيل مدنين وتعلم ظروف متساكنيها؟
الأوضاع التي يعيشونها هي ذات أوضاع جل التونسيين تقريبًا، وأنا ضد من يختار الهروب من بلاده في اتجاه الخارج واضعًا أطفاله القصر في سفينة ويقودهم إلى مصير مجهول في عباب البحر.
تونس ليست في حالة حرب حتى نرى هذا الكم من من عمليات الهجرة الجماعية بشكل غير نظامي. إنها ثقافة الهروب من الأزمات وأنا ضدها وضد عدم معاقبة الأعوان الذين يسهلون الهجرة غير النظامية وضد التساهل القضائي تجاه هؤلاء الناس الذين يقدمون على هذه الجريمة.
كورشيد: عندما يستمع المواطن البسيط لخطابات الرئيس يتأكد أن البلاد دخلت في نفق مظلم فينصبّ تفكيره على ضرورة إنقاذ عائلته حتى لو كان ذلك عبر المجازفة بركوب البحر
وإن كنا نتعامل كشرطي أوروبي، فإن النزيف في الحقيقة هو لتونس، لذلك يجب أن يعمل الأمن على حماية الشباب التونسي والأدمغة التونسية.
وأنا أعتبر أن معالجة هذا الملف كانت بمقاربة خاطئة، وليست لدي رغبة في التجريم العام، لكن هذا الموضوع لا بدّ أن تعالج أسبابه وعلى الرئيس أن يعطي الأمل للتونسيين، فالمواطن البسيط يقول إنه عندما يستمع لخطابات الرئيس يتأكد من أن البلاد دخلت في نفق مظلم وبالتالي ينصبّ تفكيره على ضرورة إنقاذ أبنائه وعائلته حتى لو كان ذلك عبر المجازفة بركوب البحر والفرار.
- قلت في حوار سابق إن مجموعة خفية تحكم البلاد وليس الرئيس. ماذا تقصد؟ وماهي مؤيدات هذا الانطباع؟
أنا قلت إن هناك تنظيمًا سريًا يحكم، فمن الذي يعين الولّاة والمعتمدين والمديرين العامين للمؤسسات العمومية الآن؟ ومن اختارهم؟ وعلى أي قاعدة؟.
كورشيد: أعتقد أن هناك تنظيمًا سرّيًا يحكم البلاد وهو الذي يعين الولاة والمعتمدين بناء على قاعدة الولاء للرئيس
فسابقًا كنا نعرف أن الأحزاب تعينهم، لكن الآن من الذي يعينهم؟ إن قاعدة الاختيار هي قاعدة الولاء للرئيس وبالتالي فإن هناك مجموعة تحدد من هم الموالون للرئيس ويقع اختيارهم من التنسيقيات. وبالتالي فإن هذا يعتبر نوعًا من التحزب وبمثابة التنظيم السري غير المعلن الذي يقود البلاد.
- من يتحمل مسؤولية ما يحدث برأيك؟
جميعنا نتحمل مسؤولية ما يحصل. فالرئيس يتحمل المسؤولية القانونية، ونحن نتحمل أيضًا نتحمل المسؤولية لِقاء الصمت والتصفيق والرغبة في مسايرة السلطة الخاطئة. وأكبر مسؤول يتمثل في النخبة التي جعلت قيس سعيّد يحكم بتلك الطريقة ثم هربت وهاجرت وتخلت عن دورها التاريخي.
- إذن، أليس من المفروض القيام بمراجعات؟
نعم، وأول خطوات ذلك نقد التجربة السابقة وأخطاء الحكم والاعتراف بالخطأ.
أنا شخصيًا أقول بكل صراحة إن بقائي في حكومة يوسف الشاهد كان خطأً، وبخصوص تجربتي في البرلمان، كان عليّ أن أستقيل منذ الأسبوع الأول الذي رأيت فيه وجود كل من عبير موسي وسيف الدين مخلوف من بين أعضائه، وراشد الغنوشي رئيسًا له.
- كيف تعتقد أنه بإمكانكم إقناع الشعب بكم كمكوّن سياسي؟
بالخطاب المباشر، خاصة وأن الشعب بصدد التخلّي عن الرئيس يومًا بعد آخر، وأنا أعرف الشعب التونسي جيدًا بينما الرئيس لا يعرفه.
ونحن كحزب الراية الوطنية سنباشر بداية من شهر ديسمبر/كانون الأول 2022، سلسلة من التنقلات واللقاءات بكل مناطق الجمهورية، وسنعمل على تكوين روابط، وسندعو الناس للانخراط في حزبنا، كما سندعو الأحزاب الأخرى إلى التوحد معنا.