مقال رأي
يقول الحزام البرلماني لحكومة هشام المشيشي إنها حكومة "مصغرة" من حيث العدد، لكن ربما النعت الوحيد الذي يقرب واقعيًا لمعنى الصغر عندما نتحدث عن هذه الحكومة أنها حكومة "صغيرة" أمام التحديات القائمة، بل الأرجح والأصح أنها غائبة تمامًا.
واقعياً حكومة المشيشي "حكومة تصريف أعمال" وعليه هي "حكومة مستقيلة في مستوى أداء مهامها"، لا ينقصها إلا إعلان الاستقالة رسميًا. وحتى نفهم جيدًا حجم الفشل الساحق علينا أن نركز على أهم التحديات التي تواجهها، الوباء والتحدي المالي.
وبائيًا الأرقام تقول كل شيء. كانت الوفيات في حدود 82 تونسيًا عندما أدى اليمين الدستوري كرئيس حكومة بداية سبتمبر 2020 والآن في شهر أفريل 2021 تجاوزنا 10 آلاف وفاة
وبائيًا الأرقام تقول كل شيء. كانت الوفيات في حدود 82 تونسيًا عندما أدى اليمين الدستوري كرئيس حكومة بداية سبتمبر/أيلول 2020. والآن في شهر أفريل/ نيسان 2021 تجاوزنا 10 آلاف وفاة، لا نحتاج لتعليق إضافي. اللجنة العلمية لمواجهة الوباء سبق أن اقترحت عديد المرات أن يفعل حجر صحي شامل أو ستتفاقم الأوضاع لكن رئيس الحكومة اعتبر أن النتيجة ستكون كارثية اقتصاديًا، لكن يبدو أن الكارثة ستكون وبائيًا وأيضًا اقتصاديًا.
اقرأ/ي أيضًا: فرض حجر صحي شامل وغلق كلّ الحدود.. أبرز مقترحات اللجنة العلمية لمجابهة كورونا
على مستوى السياسات المالية نشهد حالة من اللاكفاءة والهواية غير المسبوقة. من المعلوم حسب الميزانية، حتى غير المحينة، أن الحكومة تحتاج الخروج للأسواق المالية في أقرب وقت ممكن حتى يمكن أن تعبئ الموارد المالية لخلاص ديون ضخمة سيحل أجلها في شهر جوان/ يونيو القادم، إضافة لأعباء كتلة الأجور.
لا يمكن وفقًا للمعطيات الحالية للميزانية أن تحقق الدولة تعهداتها دون مزيد من الاقتراض، في حين أن ذلك من المستحيل أن يتم بأخف الأضرار ونسب فائدة دنيا دون غطاء من صندوق النقد الدولي. حتى "ضمان القرض" الأمريكي الذي سيخفف من أعباء الفوائد لن يتم دون موافقة من صندوق النقد على برنامج إقراض جديد. للتذكير آخر برنامج كان بين 2016 و2020، وانتهى دون التزام الحكومات حينها بالإصلاحات التي تعهدت بها، ودون إجراء المراجعات والزيارات المبرمجة، التي كان آخرها في سبتمبر/ أيلول 2019 دون أي تقرير إيجابي.
الكل كان يعتقد أن هشام المشيشي سيقوم بالإجراءات العادية أي طلب موعد عاجل وتحضير برنامج إصلاحات مفصل كما جرت العادة. إلا أنه لم يطلب موعدًا إلا في رسالة بتاريخ 19 أفريل/نيسان الجاري (لم يتم الإعلان عنه تونسيًا)، ودون برنامج مفصل. مما أدى إلى أن يكون رد إدارة صندوق النقد سلبيًا، رفض دبلوماسي تقريبًا للطلب، إذ قالت مديرة الصندوق كريستالينا جورجيفا في رسالة إلى رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي، اطلعت عليها رويترز، إنها ستكلف وفدًا لإجراء محادثات فنية فور الحصول على برنامج الإصلاح الاقتصادي التونسي.
على مستوى السياسات المالية نشهد حالة من اللاكفاءة والهواية غير المسبوقة
وقد كتب عديد الخبراء التونسيين مستغربين من بطئ وتقاعس الحكومة ونبهوا أن لقاءات مع بعض السفراء الغربيين غير كاف للحصول على موافقة صندوق النقد دون برنامج مفصل. حتى "اللوبيينغ" يتم مع وزراء المالية للدول أعضاء مجلس الإدارة الأكثر تأثيرًا وليس عبر خارجياتها. أيضًا تسرّب أن المشيشي استعان بمدير صندوق النقد السابق دومينيك ستروس كان، في حين أنه لا يحظى منذ الفضيحة التي أدت إلى إقالته بأي حظوة في واشنطن، إذ هو عامل سلبي في حالة القيام بلوبيينغ.
اقرأ/ي أيضًا: حكيم بن حمودة: تونس تأخرت في إجراء اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي
ولم تزد تصريحات ممثلين للحكومة الأمر إلا تعقيدًا. وزير المالية صرح، بداية هذا الأسبوع مثلاً أن البلاد "باتت عاجزة عن الإيفاء بتعهداتها المالية". مستشار المشيشي الاقتصادي، القريب من حركة النهضة أهم أحزاب الحزام الداعم للمشيشي، أجرى حوارًا للحديث عن البرنامج الذي تنوي الحكومة تقديمه فكشف عمليًا أن للحكومة "إعلان نوايا" وليس برنامجًا مفصلًا كما ينتظر صندوق النقد.
وهذه الحكومة باقية رغم هذا الفشل الساحق فقط لتلاقي العوامل التالية: تشبث المشيشي بالبقاء وكلما بقي كلما تورط أكثر، اعتبار حركة النهضة أنه لا يوجد بديل أكثر نفعًا لها، تشبث منظمة الأعراف بالمشيشي، تشبث أطراف دولية بهذه الحكومة وعلى رأسها باريس لأنه ضمان لها أمام قيس سعيّد، الذي لم يرسل إشارات إيجابية بالنظر للتعطل الراهن للقمة الفرانكوفونية وأيضًا للموقف المعارض للتطبيع الذي تعتبره عواصم غربية "حاداً".
- المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"
اقرأ/ي أيضًا:
تونس تطلب رسميًا قرضًا من صندوق النقد الدولي
صندوق النقد يدعو السلطات التونسية إلى خفض كتلة الأجور والحد من دعم الطاقة