رغم ما يٌتداول عن التقدم الذي أحرزته تونس في مجال حقوق المرأة والانتصار لحريتها في تحديد مصيرها في العقود السابقة، فإن جزءًا من المجتمع التونسي متشبث بتقسيم المهن وخاصة منها الحرف اليدوية إلى صنفين حسب الجنس ويعزى ذلك بالأساس إلى الأفكار النمطية التي يتوارثها المجتمع جيلًا بعد جيل والتي من شأنها أن تكبل المرأة وتمنعها من ممارسة النشاط الذي يستهويها واختيار العمل الذي تؤمن بقدرتها على تحقيق الإضافة فيه.
غادة الذوادي ذات العشرين ربيعًا هي إحدى الشابات التونسيات اللاتي تحدين جميع العقبات واكتسحن مهنًا يدوية شاقة وهي الحدادة في حالتها
ولئن تخضع بعض النسوة إلى العرف الجاري به العمل في محيطهن فإن أخريات يواجهن نظرة المجتمع باقتحامهن لحرف ظلت طيلة سنوات "محرمة" على المرأة وحكرًا على الرجل فتمكن بفضل شغفهن وإتقانهن لعملهن من الاحتراف وتحقيق نجاحات يشاد بها أصبحت تقدم كأمثلة لقصص نجاح.
غادة الذوادي ذات العشرين ربيعًا هي إحدى الشابات التونسيات اللاتي تحدين جميع العقبات واكتسحن مهنًا يدوية شاقة فتمكنت بفضل عزيمتها والمثابرة من التخصص في مجال الحدادة والتألق وكذلك التعريف به عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تحرص في كل مرة على مشاركة أعمالها في ورشة مع متابعيها.
تقول غادة في حديثها لـ"ألترا تونس" إنها تخصصت في مجال الآلية والإعلامية الصناعية ثم قررت الالتحاق بمعهد للتكوين المهني في الحدادة واللحام وكانت الفتاة الوحيدة التي أقبلت على هذا التكوين، مبينة أن المحيطين بها لم يؤمنوا بقدراتها على التألق في هذا المجال حتى نجحت في مرحلة التكوين وتمكنت من اجتياز اختبار يجرى لأول مرة في إفريقيا من قبل هيئة تقييم كندية والحصول على بطاقة احتراف دولية، وفقها.
غادة الذوادي لـ"الترا تونس": ولعي بفن الحدادة كبر معي منذ الصغر فكنت ألازم والدي في ورشة الحدادة خارج أوقات الدراسة لتعلم أبجديات المهنة وكان يسهر على توجيهي وتلقيني
وأضافت المتحدثة أن ولعها بفن الحدادة كبر معها منذ الصغر فكانت تلازم والدها في ورشة الحدادة خارج أوقات الدراسة لتعلم أبجديات المهنة ومساعدته في عمله بدوره كان يسهر على توجيهها وتلقينها قواعد الحدادة حرصًا منه على إشباع شغفها بالمهنة التي أحبتها بالفطرة وزاد إتقانه في تعلقها بها.
وتشير الشابة غادة إلى أن مهنة الحدادة محفوفة بالمخاطر وإلى أنها في بداياتها تعرضت للعديد من الحوادث فتعرض شعرها للحرق وعينيها للضرر لكنها تجاوزت جميع الصعوبات وأصرت على تخطي كل العقبات لإثبات جدارتها في هذا المجال وكذلك للتأكيد أنه لا فوارق بين المرأة والرجل في العمل إلا بالاجتهاد والإتقان.
غادة الذوادي لـ"الترا تونس": تعرضت في البداية للعديد من الحوادث فتعرض شعري للحرق وعيني للضرر لكني تجاوزت جميع الصعوبات مع إصرار على تخطي كل العقبات
غادة الذوادي لـ"الترا تونس": تعرضت في البداية للعديد من الحوادث
وأكدت غادة أن حب العمل هو الكفيل بتحدي كل العقبات لكن إذا اعتبر فقط وسيلة لكسب قوت اليوم فلن يتمكن الشخص من تحمل الشقاء، لافتة إلى أن العديد من الفتيان الذين درسوا معها لم يستكملوا رحلة التكوين هربًا من حرارة اللحام وتعب عمل الحدادة بصفة عامة لكنها واصلت رحلتها بغرامها بالحدادة.
وبكل أسف وخيبة أمل، تحدثت غادة عن التجربة المريرة التي مرت بها مؤخرًا والتي تثبت لها مرة أخرى أن المجتمع التونسي لا يعترف بقدرة المرأة وإمكانياتها رغم كفاءتها فتقول "بعد إتمامي لتكويني في مجال الحدادة توجهت نحو شركة بحثًا عن عمل في اختصاصي فتفاجأت برفضي دون سبب يذكر على الرغم من أن هذه الشركة فتحت باب الانتداب في مجال الحدادة واللحام وعند استفساري عن السبب قالت لي المكلفة بالموارد البشرية (ما الذي دفعك لاختيار مهنة رجالية؟) أصريت على تقديم شهائدي وسيرتي الذاتية كما دعوتهم لاختبار مهاراتي في العمل إلا أن تشبثهم برفضي لأني فتاة خيّب أملي وحز في نفسي كثيرًا".
غادة الذوادي لـ"الترا تونس": المجتمع التونسي لا يعترف بقدرة المرأة وإمكانياتها رغم كفاءتها وقد رفضت شركة تشغيلي فقط لكوني امرأة دون قبول اختبار مهاراتي
توضح الشابة غادة لـ"الترا تونس" أنها لا تفكر حاليا في افتتاح ورشة حدادة خاصة لأنها درست في معهد التكوين تكنولوجيا متطورة لآلات حدادة تستعمل في المصانع الكبرى، لافتة إلى أن طموحها يتجاوز الحدادة التقليدية كصنع الشبابيك والأبواب خاصة وأنها تحترف لحام مادة الأليمنوم وهو اختصاص غير متواجد بكثرة في تونس ولا يحترفه الكثيرون.
وأقرت المتحدثة بأن نظرة المجتمع والأحكام المسبقة أرهقتها على الصعيد النفسي بشكل كبير خاصة التعاليق الهدامة التي توجه لها كلما شاركت مقطع فيديو يوثق عملها في ورشة والدها، معتبرة أن التنمر والاستهزاء بمظهرها أثناء العمل لا موجب له خاصة وأن المرأة ليست مجبرة على إهمال مظهرها الخارجي عندما تحترف عملًا كالحدادة أو النجارة وغيرها بل وجب عليها الحفاظ على أنوثتها وأناقتها وإتقان عملها في آن واحد.
كما لفتت غادة، خلال حديثها لـ"الترا تونس"، إلى أن حلمها الوحيد هو "افتتاح مشروع كبير كبر طموحها واكتساب خبرة في مصانع كبرى تقدر إمكانياتها علاوة على اعتراف المجتمع بتضحياتها وتقدير مجهودها والحكم فقط على عملها لتتمكن من مواصلة حلمها الذي يراودها منذ نعومة أظافرها"، وفق تعبيرها.
غادة الذوادي لـ"الترا تونس": أحظى بتشجيع من عائلتي المضيقةوهو ما يجعلني قوية وصلبة أمام حملات التنمر وأدعو جميع النساء إلى إماطة كل العوائق عن طريقهن
وبيّنت الشابة أنها تحظى بتشجيع هام من عائلتها المضيقة تحديدًا من والدها ووالدتها وهو ما يجعلها قوية وصلبة أمام حملات التنمر التي تطالها كلما قدمت نفسها على أنها "حدادة" مشيدة بفضلهما عليها في إتمام دراستها وتشجيعها على المضي في مشوارها المهني كما دعت جميع نساء البلاد إلى إماطة كل العوائق من طريقهن وتجاوز فكرة العمل الصعب للرجال لأن المرأة قادرة على التفاني والتألق في جميع المجالات شأنها شأن الرجل الذي اقتحم مجالات كانت حكرًا على النساء سابقًا.
غادة الذوادي لـ"الترا تونس": أحظى بتشجيع من عائلتي المضيقةوهو ما يجعلني قوية وصلبة