15-مارس-2024
تيكتوك.. ملجأ الباحثين عن الثراء السريع عبر التكبيس

تختلف فيديوهات تيكتوك فهناك من ينشر تفاصيل حياته اليوميّة وهناك من يشارك في التحديّات (صورة توضيحية/ pexels)

 

أثارت تصريحات المرشح الرئاسي الأميركي، دونالد ترامب، حول تطبيق "تيكتوك" جدلًا واسعًا، حيث أكّد أنّه يمثل تهديدًا للأمن القومي الأميركي وأنّ حظره قد يثير جنون الكثير من الأطفال الصغار.

وتيكتوك هو تطبيق من تطبيقات الوسائط الاجتماعية، تم إطلاقه في سبتمبر/أيلول من عام 2016 بواسطة مؤسسها تشانغ يى مينغ، واعتمدت على الذكاء الاصطناعي للمساعدة في تسريع عملية تحرير الفيديو.

وانتشر التطبيق بشكل كبير في السنوات القليلة الماضية بسبب سهولة استخدامه.

مصطلحات من قبيل "تكبيس" و"أسد" و"داعمين".. انتشرت مؤخّرًا وأثارت استغراب بعض المتابعين الذين لا يفقهون شيئًا عن عالم تيكتوك

وفي تونس، أصبحت هذه المنصّة مجلس مسامرة رمضانيّة يتشارك فيها الروّاد موائد إفطارهم وما يختارونه من أعمال دراميّة على شاشاتهم بالإضافة إلى العديد من التحديّات الغريبة والخطيرة من أجل جلب الداعمين وكسب ما تيسّر من المال.

ولفهم ميكانيزمات هذا التطبيق ومدى تأثيره على المستعملين، تواصل "الترا تونس" مع بعض المختصّين الذين فسّروا لنا طريقة استعماله ومدى خطورة إدمانه.

  • من "الأسد" إلى "التكبيس".. مصطلحات طغت في الواقع الافتراضي

انتشرت مؤخّرًا مصطلحات من قبيل "تكبيس" و"أسد" و"داعمين".. أثارت استغراب بعض المتابعين الذين لا يفقهون شيئًا عن عالم تيكتوك.

 

تيكتوك
متابعة لتيكتوك: مصطلح "التكبيس"، هو عمليّة نقر للإصبع على شاشة الهاتف لدعم المتنافسين في الجولات (صورة توضيحية/ pexels)

 

وتفسّر (ه.ي)، متابعة للتيكتوك منذ سنة 2016، طريقة عمل هذه التطبيقة بأنّها تعتمد أساسًا على الفيديوات الأصليّة التي تحتوي على وجه المستعمل للتأكّد من صحّة المحتوى، مضيفة أنّ إمكانيّة البث المباشر لا تتاح إلّا بعد الوصول إلى ألف متابع، وكلّما طالت مدّة البث المباشر، كانت فرصة الظهور للمستخدمين أكبر.

تختلف عمليّة تقديم المحتوى من شخص لآخر، فهناك من ينشر تفاصيل حياته اليوميّة وهناك من يشارك في التحديّات وأيضًا هناك من يقتصر على القيام بأعمال غريبة قد تصل أحيانًا إلى مواقف مهينة للذات البشريّة كالجلوس تحت الدش وتقليد السمكة أو إصدار أصوات حيوانات، كلّ هذا من أجل الحصول على الهدايا.

متابعة لتيكتوك: هناك من يقتصر في فيديوهاته على القيام بأعمال غريبة قد تصل أحيانًا إلى مواقف مهينة للذات البشريّة كإصدار أصوات حيوانات، من أجل الحصول على الهدايا

وتؤكّد محدّثتنا أنّ "الهدايا" تُشترى من التطبيقة وتتمثّل أساسًا في الورود أو الأسود أو القلوب.. وهي عبارة عن عملة إلكترونيّة تختلف قيمتها باختلاف الهديّة وتقتطع منها المنصّة نسبة كبيرة تتجاوز 70%، مشيرة إلى أنّ إرسالها هو عبارة عن تشجيع وإرسال للمال بطريقة غير مباشرة.

أما عن مصطلح "التكبيس"، تقول "ه.ي" إنّها عمليّة نقر للإصبع على شاشة الهاتف لدعم المتنافسين في الجولات، وكلّما زاد "التكبيس" زادت نقاط اللاّعب وفرصته للفوز. كما أنّ نظام الجولات يرتكز أساسًا على التحديّات التي كلّما كانت فيها شماتة، زادت الإثارة والحماسة في اللعبة.

أمّا الدّاعم، وغالبًا ما يكون من جنسيّة خليجيّة، فيرسل هدايا غالية كالأسود إمّا لتصدّر قائمة الرابحين أو أحيانًا فقط لسماع أسمائهم من المشاهير، وفق محدّثتنا التي أشارت إلى أنّ بعض التونسيين غيّروا لهجاتهم في الحديث وأصبحوا يحتفلون بأعياد هذه البلدان لجلب الدّاعمين.

 

تيكتوك
متابعة لتيكتوك: أكثر الدّاعمين إنفاقًا وإرسالًا للهدايا هو الذي يتحكّم في نسق التحديّات ويفرض على اللاعب شروطًا مجحفة وأحيانًا تنمّ عن أمراض نفسيّة (صورة توضيحية/ pexels)

 

وتضيف متابعة تطبيق تيكتوك، أنّ أكثر الدّاعمين إنفاقًا وإرسالًا للهدايا هو الذي يتحكّم في نسق التحديّات ويفرض على اللاعب شروطًا مجحفة وقاسية وأحيانًا تنمّ عن عقد وأمراض نفسيّة، مؤكّدة أنّ العديد من اللاّعبين يتذلّلون ويقبلون الإهانة من أجل الحصول على الدعم.

  • تيكتوك عقّد العمليّة التربويّة وجعل الأولياء في حيرة

وتعبّر الأخصائيّة النفسيّة شيماء بن عليّة عن خوفها وقلقها من الآثار الناجمة عن إدمان منصّة تيكتوك وخاصّة من قبل المراهقين، حيث تقول: "يتميّز تيكتوك بقصر فيديوهاته وسهولة استهلاكه، لذلك يؤثّر على التركيز والانتباه، فنجد أنّ أغلب مستعمليه مضطربون مرتبكون جرّاء التحفيز السمعي والبصري الذي يؤثر مباشرة على الدماغ".

أخصائيّة نفسيّة لـ"الترا تونس": المدمن على تيكتوك يمرّ بـ4 مراحل: تجربة، فاستخدام غير منتظم، ثمّ استخدام منتظم وأخيرًا إدمان

وفي حديثها عن الإدمان، تقول شيماء بن عليّة إنّ المدمن يمرّ بأربع مراحل: تجربة، فاستخدام غير منتظم، ثمّ استخدام منتظم وأخيرًا إدمان، حيث في بداية التجربة لا يهتم مستعمل تيكتوك بالنتيجة سواء كانت إيجابية أو سلبية وإن كانت سلبية سيعيدها مرارًا وتكرارًا إلى أن يصل للربح المادي وهذا ما سيحفّزه ليصل للإدمان.

وتضيف محدّثتنا أنّ ظهور بعض "التيكتوكورات" إعلاميًّا وعرضهم لتجاربهم وقيمة المال الذي يتحصّلون عليه أثّر سلبًا على الفئات الهشّة كالصغار والمراهقين الذين يقومون بعمليّة تقليد دون تحليل وعزّز لديهم الرغبة المفرطة في الاستهلاك بغاية الربح السريع، مشيرة إلى أنّ شعور عدم الرضا وعدم الارتياح أصبح طاغيًا على هذه الفئة العمريّة وهو ما عقّد العمليّة التربويّة عند العديد من العائلات التي لم تعد تستطيع تحديد حاجيات أبنائها.

أخصائيّة نفسيّة لـ"الترا تونس": شعور عدم الرضا وعدم الارتياح أصبح طاغيًا على فئة المراهقين، وهو ما عقّد العمليّة التربويّة عند العديد من العائلات

"أصبحنا اليوم نلاحظ ظواهر غريبة، فمراهقة الثالثة عشرة من العمر أصبح لديها متطلبات شابّة في العشرين. كما أنّ الرغبة في الربح السريع جعلت العديد من المراهقين ينشرون حياتهم الخاصّة بدون علم أهاليهم" هكذا عبّرت محدّثتنا عن استغرابها من التأثير القويّ لهذه المنصّة مضيفة أنّها في متابعتها اليوميّة لبعض المدمنين لاحظت أنّهم أصبحوا في انعزال تامّ ويرفضون التواصل الفعليّ ولا يعيشون سوى التواصل الافتراضي.

 

تيكتوك تونس
أخصائيّة نفسيّة لـ"الترا تونس": الرغبة في الربح السريع جعلت العديد من المراهقين ينشرون حياتهم الخاصّة بدون علم أهاليهم (صورة توضيحية/ pexels)

 

وفي تفسيرها لهذه الحالة تقول بن عليّة إنّ "المراهق يحتاج للثّناء والإعجاب ولمن يعطيه أهميّة وهو ما وجده في العالم الافتراضي من خلال اللايكات والتّفاعلات الإيجابية داخل المجموعات. فما يعيشه من فراغ ملأه بحياة افتراضيّة".

وشدّدت الأخصائيّة النفسيّة على ضرورة ملء الحياة العاطفيّة لهذه الفئات الهشّة من خلال النقاش والتّفسير والطمأنة وتعزيز ثقتهم في أنفسهم وهو أساسًا دور الولي والإطار التربوي والمحيط المدرسي.