20-ديسمبر-2017

مقدم برنامج سرك في بير (موقع راديو موزاييك)

"أقمت علاقة جنسية مع زوج أختي ولم أجد حلًا لمشكلتي" هذا ما صرّحت به متّصلة في البرنامج الإذاعي "سرّك في بير" الذي تقدّمه إذاعة موزاييك التونسية من منتصف الليل إلى الثانية صباحًا، يومين في الأسبوع، وقد تفاعل كعادته الصّحفي علاء الشابي كما يتفاعل عادة مع مئات الحالات التي تتصل بالبرنامج، وهو الذي يقدّم كذلك البرنامج التلفزي "عندي ما نقلّك" لموسه الثامن على التوالي هذه السنة، وهو النسخة التونسية من برنامج "افتح قلبك". غير أن المتّصلة هذه المرّة ليست مواطنة عادية أعيتها مشاكلها ففضّلت البوح بها في برنامج إذاعي باسم مستعار، بل هي صحفية بدورها، وهي عربية حمّادي، صحفية تونسية اشتغلت سابقًا بعدد من المؤسسات الإعلامية التونسية، والتي سرعان ما كشفت عن صفتها، حتى قطع مقّدم البرنامج الخطّ عنها.

توليفة برنامج "سرك في بير" بسيطة، قوامها قصص هي أقرب لاستعراض المغامرات الجنسية، ومستمعين فضوليين، ومقدّم يسأل عن مزيد من التفاصيل

هكذا أوقعت الصحفية عربية حمادي بزميلها في فخّ لم يحتج الكثير من الجهد، وغايتها كانت التّدليل على التهافت لتمرير الخطّ المباشر للمتّصلين بهدف الإثارة في برنامج زميلها، وبحثًا عن نسب استماع مرتفعة، حقّقها فعلاً البرنامج منذ انطلاقته، وذلك في توليفة نجاح بسيطة قوامها قصص هي أقرب لاستعراض المغامرات الجنسية غالبًا، وربّما بعضها مفبرك، ومستمعين فضوليين، وبينهما مقدّم مهمّته السؤال على التفاصيل وضبط الخط الزمني للوقائع. وقد تقدمت بالفعل الصحفية بشكاية جزائية ضد مقدّم البرنامج من أجل نشر أخبار زائفة والإيهام بجريمة والاعتداء على الأخلاق الحميدة، في معركة تبدو "طريفة" بين صحفيين متخاصمَين.

وسبق وأن بثّ برنامج "سرّك في بير"، المثير للجدل، حالات عديدة لاقت آذانًا صاغية: شاب أعزب يعاشر جارته المتزوجّة، وزوجة تشكي الممارسات الشاذة لزوجها، وتلميذة تحكي مغامراتها الجنسية مع أساتذتها لإنجاحها، وهي حالات لا تُسمع لأوّل مرّة، حيث تعرّضت إليها صحف وبرامج سابقة سواء في تونس أو في الوطن العربي. غير أن ما يعيب هذه الحالات هو عرضها لذاتها بتوفير المجال لصاحبها لتفريغ جعبته دون أي مقاربة للتعامل مع الحالة وفق ما تقتضيه طبيعتها، وهو ما يفترض إشراك أهل الاختصاص على غرار المختصّين النفسانيين أو الوسطاء الاجتماعيين.

يذكر أنه لا يشارك في الحصة إلا المذيع والمتقبل طبعًا، والتي تأتي في نهايات اللّيل، ولا يحاول إلا تقديم نصائح باهتة لا تستند لأي أساس متين. حيث يفتقد علاء الشابي للمهارات اللازمة التي تجمع بين الاجتماعي والنفساني والقانوني للقيام بدور الرّجل الحكيم، وهو الذي عاقبته هيئة الاتصال السمعي البصري السنة الماضية بإيقاف برنامجه التلفزيوني "عندي ما نقلك" لثلاثة أشهر، بسبب تبريره لعملية اغتصاب فتاة دون سن الرّشد من طرف أفراد من عائلتها.

ويأتي السؤال في الأثناء، لماذا تسارع وسائل الإعلام لهكذا نوعية من البرامج؟ لا تحتاج الإجابة لكثير من الجهد، إنها نسب المشاهدة أو الاستماع، وفعلاً تتصدّر هذه الحصص قائمة البرامج الأكثر شعبية في تونس سواء في الإعلام البصري أو السمعي. حيث تحوّل برنامج "سرّك في بير" مثلًا إلى ما أشبه قصص جنسية صوتية بلهجة محليّة لا يجدها الشّباب في المنتديات أو المواقع الجنسية، وبذلك فالمتابعة مضمونة. غير أن المشهد يظل في البرامج التلفزية أقل بشاعة من البرامج الإذاعية، وإن كان برنامج "المسامح كريم" الذي يقدّمه عبد الرزاق الشابي، شقيق علاء، وهما الأخوان اللذان يسيطران على هذه النوعية من البرامج في تونس، يعتمد أكثر على استعراض حالات اجتماعية بتضخيم تصوير المآسي ومعاناة المواطنين المنهكين نفسانيًا، وذلك في وصلات تجمع بين بكاء الضيف وأغاني الحزن وشاشة بالأبيض والأسود.

تقبل القنوات التونسية على البرامج الاجتماعية، رغم تفاهة محتواها عادة، لكونها تتصدر نسب المتابعة وتجلب إذًا عائدات الإشهار

في خضم ذلك، يأتي السؤال على من تقع المسؤولية حول هذه النوعية من البرامج المسمّاة أنها اجتماعية أو المنتمية لتلفزيون الواقع؟ في الحقيقة، من التعسّف حصر المسؤولية فقط في أصحاب المؤسسات الإعلامية الباحثين عن المال وعائدات الإشهار أو في المقدّمين الباحثين على النجاح الجماهيري لبرامجهم بأيّ ثمن، فهي مسؤولية مشتركة قد لا يغيب عنها المستمع أو المشاهد، في ظلّ استفحال ظاهرة التلصّص في مجتمعاتنا. حيث تجذب هذه البرامج المشاهدين، ذلك الباحث عن الإثارة في قصة جنسية على الإذاعة، أو الآخر الذي يريد استكشاف مشاكل غيره في بحث خفيّ للتخفيف من ثقل مشاكله.

وفي الواقع، ساهمت فعلًا بعض حصص البرامج التلفزية، وليست الإذاعية، في مساعدة حالات إنسانية، أو في حلّ مشاكل عائلية، غير أن هذه المجهودات تظلّ قاصرة في محو صفة الإثارة عنها. أما عن البرامج الإذاعية اللّيلية، فهي تظلّ برامج إثارة، وهي أقرب إلى برامج جنسية منها إلى برامج اجتماعية.

ويُلاحظ في الأثناء أن جلّ الحالات المشاركة في البرامج التلفزية لا تتمتّع إلا بمستوى تعليمي محدود، وتعمل بمهن بسيطة، وغالبها من الفئات الفقيرة، وهو ما يظهر مدى الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية والنفسية لهذه الحالات، مقابل استنكاف ذوي التعليم العالي والمهن المرموقة عن المشاركة عادة، ولعلّه إضافة لتحرّجها من محيطها الاجتماعي والمهني، تعلم أنها ستكون مادة استعراضية في برنامج يعتمد على الإثارة. وتنطبق نفس الملاحظة على فئة المشاهدين كذلك.

وعمومًا يظلّ السؤال، ختامًا، حول دور هيئة الاتصال السمعي البصري في تونس والتي رغم اتخاذها عقوبات في عديد المناسبات، فإنها لا تزال تفتقد للفاعلية بسبب تهميش السلطة السياسية لها، حيث ما يزال يُنتظر منذ نحو 4 سنوات تركيز الهيئة الدستورية للإعلام السمعي البصري. وذلك بالإضافة إلى أن الهيئة الوقتية الحالية هي دائمًا محلّ استهداف من مختلف وسائل الإعلام التي تريد أن تقدّم محتويات خارج إطار أي رقابة.

ويفسّر مراقبون ما يمكن تسميته انفلاتًا إعلاميًا في تونس بأنّه من التبعات الطبيعية لتحرير المجال العامّ بعد الثّورة، ليظلّ الرهان في الملائمة بين حرية التعبير والإعلام من جهة والالتزام بالمعايير المهنية واحترام الخصوصيات من جهة أخرى.