خصّصت جريدة الشروق التونسية مؤخرًا صفحة كاملة في أحد أعدادها للاحتفال باليوم الوطني في الإمارات عبر مقالات دعائية تشيد بالسياسات الإماراتية، ومنها مقال حول سياستها الخارجية بعنوان "حكمة، اعتدال، توازن ومناصرة الحق والعدل"، وهو ما يكشف عن توغّل المال الإماراتي في جزء من الإعلام التونسي.
ترفع جريدة الشروق التونسية شعار مكافحة الرجعية و"ممالك الخليج الصهيونية" غير أنها لا تمانع الترويج للإمارات، التي تقود للمفارقة مسلسل التطبيع مع الكيان الصهيوني
غير أنه لم يكن غريبًا أن تمارس جريدة الشروق هذه الدعاية وبهذا الشكل، وهي أحد أكبر الصحف المحسوبة على نظام بن علي، حيث لا تتحرّج في وصف الثورة بأنها مجرّد "أحداث"، بل لا تتردّد في توصيفها بأنها "مؤامرة"، وهو ليس بغريب كذلك إذا ما علمنا أن نفس الجريدة تشتهر في تونس بدعايتها اليومية لنظامي بشار الأسد وعبد الفتاح السيسي.
والطريف كذلك، أن جريدة الشروق التي تُشتهر في تونس بصحفييها المقرّبين من وزارة الداخلية التونسية، ومن ذوي الخلفية البعثية، دائمًا ما ترفع شعار مكافحة "الرجعية" و"ممالك الخليج الصهيونية"، غير أنها لا تمانع في ذات الوقت الترويج للإمارات، التي تقود للمفارقة مسلسل التطبيع مع الكيان الصهيوني. بالنهاية، يغلب المال على أي منطق آخر بالنسبة إلى جريدة الشروق.
حيث كشف "الكتاب الأسود" الصادر عن رئاسة الجمهورية بعد الثورة، زمن المرزوقي، حول منظومة الدعاية زمن بن علي، أن جريدة الشروق سمحت بنشر مقالات ثلب ضد المعارضة التونسية زمن الاستبداد، بالتنسيق المباشر مع دائرة الإعلام في رئاسة الجمهورية، وذلك مقابل حصولها على عقود إشهارية ودعم مالي مباشر.
وقد أثارت الدعاية السّمجة الأخيرة للإمارات سخرية واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة وأن جريدة الشروق اشتكت في وقت سابق من محاولة التدخل في خطها التحريري الناطق أصلاً باسم نظام بن علي، وادّعت أنها "لا تُباع ولا تشترى"، غير أنها في الواقع، لا تمانع في بيع صفحاتها لمن يدفع أكثر، ويبدو أنّ الدراهم الإماراتية تنعش خزينة الصحيفة.
إذ سبق وقد هاجمت جريدة الشروق جمهور النادي الإفريقي التونسي حينما رفع في شهر حزيران/يونيو لافتة داعمة لقطر بسبب الحصار ضدّها، وهي لافتة لاقت رواجًا واسعًا في الإعلام العربي والعالمي، محتواها "كرهناكم يا حكّام، تحاصرون قطر وإسرائيل في سلام"، وكانت الرّسالة في مقتل بالنسبة للأنظمة الإماراتية، البحرينية والسعودية.
ولم تجد جريدة الشروق بدًا حينها غير تخصيص صفحتها الأولى بعنوان "حقيقة اللافتة اللغم... وكيل شركة موّل ومشجعون سربوها في شاحنة"، بل زادت أكثر واختلقت، وفق نظرية المؤامرة، إعداد الجماهير لـ"مقذوفات خطيرة كانت ستُلقى قرب المنصّة الشّرفية"، وهو ليس بالمستجدّ بالنسبة لهذه الصحيفة، بل لم يكن مفاجئًا لو ادّعت جريدة الشروق أن رافعي اللافتة ينتمون للإخوان المسلمين مثلًا.
وللتونسيين ذكريات لا تُنسى مع جريدة الشروق التي ظلّت تصف المحتجين بالمخرّبين أثناء أحداث الثورة التونسية، وقادت حينها دعاية نظام بن علي في الإعلام المكتوب، وهي ذات الجريدة التي ظلّت بعد الثورة، لا تفوّت أي فرصة للتشكيك فيها، ومهاجمة أنصارها، وتبييض الجلّادين والفاسدين. فلم تتردّد في اختلاق خبر أن تنظيم القاعدة هو الذي يقف وراء قنص شهداء الثورة.
للتونسيين ذكريات لا تُنسى مع جريدة الشروق التي ظلّت تصف المحتجين بالمخرّبين أثناء أحداث الثورة، وقادت حينها دعاية نظام بن علي في الإعلام المكتوب
دائماً ما تمثل جريدة الشروق مادة للتهكّم عند التونسيين، حيث تتبع الجريدة غالبًا أساليب مثيرة للسخرية، ومنها مقالها الشّهير الذي ادّعت فيه عن مصادر استخباراتية أن حركة حماس حفرت أنفاقًا في جبل الشعانبي، وسط تونس، الذي تتمركز فيه جماعات إرهابية، وذلك في محاولة لتوريط حركة المقاومة في ملف الإرهاب في تونس.
جريدة الشروق التي تخصّص أحيانًا صفحاتها الأولى لصورة "الدكتور بشار الأسد"، كما تطلق عليه، والتي لا تفوّت الفرصة للإشادة بنظام عبد الفتاح السيسي في مصر لمواجهته "للإخوان الإرهابيين"، هي ذاتها الجريدة التي تخصّص أعدادها الأخيرة للترويج للإمارات، بيد أن جريدة الشروق وجدت نفسها في ورطة، فهي من جهة تخصّص صفحات دعمًا للنظام الأسدي الممتطي لخطاب "محاربة الصهيونية والرجعية"، ومن جهة أخرى تخصّص صفحات ترويجًا للإمارتيين الذين يطبّعون مع الصهاينة. هي مفارقة في الظاهر ولكنّها صورة متلائمة في الحقيقة، هما فريقان يظهران على طرفي نقيض ولكنهما في الحقيقة يصبّان خراجهما في مصبّ واحد، مصبّ الصهيونية والثورة المضادة.
ويُطرح السؤال في الأثناء في تونس حول استشراء المال السياسي في الإعلام، وخاصة المال الأجنبي حيث تعمل الإمارات على تركيز أذرع إعلامية تروّج لسياساتها في تونس، وذلك في ظلّ ضعف رقابة التمويل، وهامشية دور الهياكل الصحفية المعنيّة.