27-سبتمبر-2023
قرى تونس

هل سبق أن سمعت عن قرى تونس خارج حدودها الجغرافية؟ قرية تونس بالفيوم وقرية تونسلار بتركيا مثالًا (قرية تونسلار)

 

منذ زمن بعيد ارتبط اسم تونس بالعديد من المدن في أكثر من مكان بالعالم. ولئن تختلف أسباب انتقاء هذه التسمية من بلد لآخر فهذا دليل على أن تونس رغم ضيق مساحتها مقارنة بدول أخرى كانت وما تزال مثالًا للحضارة والتاريخ والعراقة حتى أن علمها يرفرف إلى اليوم خارج أسوارها وتتم المحافظة على طابعها المعماري الخلاب الجاذب للسياح في أراضٍ غير أراضيها رغم مضي عقود من الزمن.

وإن تقتصر معرفة البعض على المدن التونسية التي تقع في ترابها فإن مدنًا أخرى اتخذت من "تونس" اسمًا لها وتم تشييدها بدول أخرى من بينها "قرية تونس بالفيوم" في مصر وقرية "تونسلار" أي قرية التونسيين بتركيا.  

لئن تقتصر معرفة البعض على المدن التونسية التي تقع في ترابها فإنّ هناك قرى تونس خارج حدودها لعلّ من أبرزها قرية تونس بالفيوم في مصر وقرية "تونسلار" في تركيا وهي تتطابق مع تونس في الطراز المعماري والإرث الثقافي والعادات الغذائية

وقد ارتبطت تسمية قرية التونسيين بتركيا بأحداث تاريخية تمتد جذورها لحوالي مائتي سنة وتشهد على علاقة متينة جمعت بين الإيالة التونسية والإمبراطورية العثمانية آنذاك، فيما كانت فنانة سويسرية أبدعت في صناعة الفخار والخزف السبب الأساسي وراء ظهور قرية تونس في الفيوم وتحولها لوجهة سياحية بامتياز.

هذه القرى تتطابق مع تونس في العديد من الجوانب سواء الطراز المعماري أو الإرث الثقافي أي أنها لم ترث فقط الاسم من تونس بل إنها توحي لكل من يزورها بأنه في تونس، لكن على رقعة جغرافية خارج حدودها وهو ما يميزها ويضفي عليها طابعًا استثنائيًا وخاصًا يستقطب كل محب للاستكشاف.

 

  • قرية تونس بالفيوم   

تقول الصحفية المصرية ريهام، وهي أصيلة منطقة الفيوم بمصر، إن قرية تونس هي إحدى قرى مركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم بمصر وتقع على ضفاف بحيرة قارون وتبعد 60 كيلومترًا عن مدينة الفيوم، وأكثر من 100 كيلومتر عن مدينة القاهرة. 

 

صورة
الصيد في قرية تونس بالفيوم (ويكيبيديا)

 

كما لفتت محدثة "الترا تونس" إلى أنّ القرية تضم 250 منزلًا أنشأها المعماري حسين فتحي، وكانت القرية تعاني من الفقر إلى أن حلت بها "إيفيلين بيوريه" وهي سويسرية الجنسية أقامت في القرية وحولتها إلى قرية سياحية. 

صحفية مصرية لـ"الترا تونس": القرية التي تُعرف اليوم باسم "قرية تونس" كانت تعاني من الفقر إلى أن أقامت فيها الفنانة السويسرية "إيفيلين بيوريه" وحولتها إلى قرية سياحية وباتت معروفة على المستوى المحلي والعالمي

وبينت أن "إيفيلين بيوريه" خلال زيارتها للقرية شاهدت الأطفال يلعبون بالطين وينحتون منه أشكال حيوانات فراودتها فكرة فتح مدرسة لتعليم الصغار من أبناء وبنات القرية صناعة الفخار والخزف، وبعد فترة تحولت القرية إلى مركز لصناعة الأشغال اليدوية.

وقد زارت السويسرية "إيفيلين بيوريه" زوجة الشاعر المصري "سيد حجاب" القرية في ستينات القرن الماضي ومن شدة إعجابها بها اقتنت قطعة أرض بالقرب من بحيرة "قارون" بالمنطقة ثم قررت إنشاء مدرسة لتعلم الخزف، وهي الحرفة التي اشتهرت بها القرية وحولتها لقطب سياحي في الوقت الذي كانت تقتصر فيه على الفلاحة والزراعة فقط. 

وقد ساهمت المهرجانات السنوية التي تقام لعرض منتجات الخزف في مزيد التعريف بالقرية على المستوى المحلي وكذلك العالمي.

 

صورة
مبنى ريفي في قرية تونس بالفيوم (ويكيبيديا)

 

  • قرية تونسلار بتركيا 

على بعد حوالي 200 كيلومتر من العاصمة التركية أنقرة، ينجذب كل زائر لمرتفعات جبل "كاستمونو" لوجود العلم التونسي يرفرف بجانب العلم التركي في قرية "تونسلار". ولئن يبدو الأمر غريبًا لمن يجهل تاريخ إحداث وإنشاء هذه القرية، فإنّ كل مطّلع على تاريخ انخراط الجيش التونسي في الحرب التركية الروسية يعي جيّدًا أن تونس قدمت شهداء في تلك الحرب حتى أن المقبرة بالمنطقة تضم رفاة العديد من الجنود التونسيين كتبت شواهدهم باللغة العربية.

كل مطّلع على تاريخ انخراط الجيش التونسي في الحرب التركية الروسية يعي جيّدًا أن تونس قدمت شهداء في تلك الحرب حتى أن المقبرة بالمنطقة تضم رفاة العديد من الجنود التونسيين كتبت شواهدهم باللغة العربية

ويفيد الكاتب وأستاذ التاريخ المعاصر عبد الواحد المكني بأن تسمية قرية "تونسلار" بتركيا مرتبطة بمشاركة التونسيين في حرب القرم، وهي حرب اندلعت في منتصف القرن التاسع عشر وهي من استتباعات سيطرة روسيا واحتلالها لرومانيا آنذاك والصراع التقليدي بين الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية الروسية التي كانت تسمى "إمبراطورية الموسكوف" حول البحر الأسود والنزول إلى البحار الساخنة الذي كان الحلم الروسي آنذاك".

 

 

وأضاف محدث "الترا تونس" أنّ حرب القرم  التي شاركت فيها العديد من القوى الكبرى مثل فرنسا وبريطانيا وإيطاليا لم تكن موحدة، وقد طلب السلطان العثماني المدد من التونسيين مثلما طلبه أيضًا من حاكم مصر. فأعد التونسيون في عهد أحمد باي أسطولًا يتكون من أكثر من 65 قطعة بحرية وأرسلوا ما يزيد عن 14 ألف عسكري تونسي تحت قيادة أمير الأمراء الرشيد، وقد كان مملوكًا برتبة أمير عسكر الساحل فتم تجميع الجيش في حلق الوادي وتحول لوجهته في جويلية/يوليو 1854.

 

صورة
على بعد حوالي 200 كيلومتر من العاصمة التركية أنقرة تقع قرية تونسلار (ويكيبيديا)

 

 وأكد المؤرخ أن فصل الصيف يعرف بأنه فصل الحروب وفصل الصيد لأنّ المناخ يساعد على ذلك، مشيرًا إلى أنّ العساكر التونسيين وصلوا بعد رحلة طويلة إلى إسطنبول التي كانت تسمى آنذاك "إسلامبول" ثم توجهوا إلى واجهة الحرب ولم يقتربوا كثيرًا من جزيرة القرم لكنهم كانوا موجودين في جبهات عديدة.

أستاذ التاريخ المعاصر عبد الواحد المكني: تسمية قرية "تونسلار" بتركيا مرتبطة بمشاركة التونسيين في حرب القرم حينها طلب السلطان العثماني المدد من التونسيين في عهد أحمد باي فأرسل أسطولًا يتكون من 65 قطعة بحرية و14 ألف عسكري

وأضاف عبد الواحد المكني أنهم استقروا أولًا في إسطنبول ثم اقتربوا من جبهات الحرب وكان أكبر مشكل يواجه التونسيين عند إقامتهم في الإمبراطورية العثمانية هو البرد، مبينًا أن شتاء ديسمبر/كانون الأول من سنة 1854 وشهري جانفي/يناير وفيفري/شباط 1855 وأوائل سنة 1856 عانى العساكر التونسيون من البرد أكثر من هزائم المعارك، وفقه.

وأكد محدث "الترا تونس" أنه شُهد للعساكر التونسيين بالاستبسال والحرابة والاندفاع وقد كانوا تحت إمرة الجنرال "شهيد" والذي كان دائما حسب النصوص يوصيهم بضرورة الحفاظ على صورة التونسيين و اشتهروا بانضباطهم، لكن العديد من المصادر تقول إنّ العديد  من العساكر عادوا إلى تونس مرضى وضربت صفوفهم عدة أوبئة خاصة منها الكوليرا.

عبد الواحد المكني لـ"الترا تونس": بعد انتهاء حرب القرم عاد 10 آلاف عسكري من بين 14 ألفًا إلى تونس والبقية منهم من استشهد ومنهم من خيّّر البقاء في تركيا.. ومن هنا جاءت قرية تونسلار

 ويقول المؤرخ إن الـ 14 ألف عسكري عاد منهم 10 آلاف إلى تونس في صيف سنة 1856 تقريبا أي أنهم لبثوا في الإمبراطورية العثمانية حوالي سنتين وتم توسيمهم بقطعة من الفضة تسمى "الميادليو" والواضح أن التسمية أجنبية وأنّ هذه الميداليات أسندت لهم إما من عسكر سردينيا أو من الفرنسيين أو من الإنجليز، لكن تحت إشراف الإمبراطورية العثمانية كدليل على الاستبسال.

ويشير عبد الواحد المكني إلى أنّ الأربعة آلاف جندي المفقودين منهم من مات ومنهم من خيّر البقاء لأسباب عديدة منها الاندماج بسهولة أو لعثورهم على أراضٍ خصبة ومناطق اندماج سهلة، وبالتالي نجد القرية التي تأسست وهي قرية "تونسلار" و"لار" في تركيا تعني الجمع أي قرية التونسيين التي تقع في إقليم "كاستامونو" وتبعد 200 كم من العاصمة التركية أنقرة في قرية صغيرة يعيش فيها حوالي 60 أو 70 نفرًا.

 

صورة
قدمت تونس شهداء في حرب القرم حتى أن المقبرة بالمنطقة تضم رفاة العديد من العسكريين التونسيين

 

وقال إنّ هناك روايتين حول تأسيس القرية، الأولى تفيد بأن العساكر التونسيين ضلوا الطريق في منطقة ثلجية باردة قبل أن يأتي الشتاء ولما نزلت الثلوج فضّلوا الاستقرار هناك، والرواية الثانية تقول إنّ السلطان العثماني وعساكر الجيش العثماني منحوا قطع أراضٍ للعساكر التونسيين الذين قرروا البقاء.

عبد الواحد المكني لـ"الترا تونس": العساكر التونسيون الذين ظلوا في تركيا تزوجوا بتركيّات و"تترّكوا" تدريجيًا لكنّهم لم ينسوا تقاليدهم التونسية والعادات الغذائية التونسية التي اندمجت مع التركية

وتابع قائلًا إنّ هؤلاء التونسيين الذين كانوا عساكرًا قاموا بزيجات مع تركيات و"تترّكوا" تدريجيًا لكنّهم لم ينسوا تقاليدهم التونسية والعادات الغذائية التونسية التي اندمجت مع التركية، خاصة وأنّ هناك أوجه تقارب منها المسائل الدينية وتشابه العلمين التركي والتونسي.

ولفت إلى أن اندماج هذه المجموعة التي تظل أقلية يدل على قدرة التونسيين على التأقلم وأنّ هذه الجزيرة البشرية تبقى دليلًا ثابتًا على فترة سابقة كانت فيها الإمبراطورية العثمانية هي سقف جملة من الدول بدءًا من الجزائر حتى اليمن وكانت أغلب الأقطار العربية تحت مظلة الدولة العثمانية واجهت فترة ضعف وتقهقر بداية من حرب القرم وسميت بالرجل المريض لأنها أنفقت إمكانيات كبيرة في هذه الحرب وكان هذا السبب الرئيسي في تراجع الدولة العثمانية التي انهارت في غضون الحرب العالمية الأولى سنة 1914 / 1917.

جدير بالذكر أن تونس في فترة حرب القرم كانت تشهد إصلاحات هامة بقيادة أحمد باي وخير الدين باشا وتعزى استجابة تونس لطلب المدد العثماني إلى رغبة تونس في استعراض جيشها أمام فرنسا التي احتلت الجزائر سنة 1830.