12-مايو-2017

تشتهر الهوارية في تونس بصقورها على اختلاف أنواعها وخاصة الساف (شهباني/أ.ف.ب)

هو بالنسبة للكثيرين ذروة الكواسر المفترسة، صقر متين البنيان، كبير الحجم مقارنة بغيره من الصقور والطيور بشكل عام، وهو أحد أسرع الطيور حركة في العالم، إذ أنه قد يحقق في الانقضاض سرعة 400 كيلومترًا في الساعة، إنه صقر الشاهين، وهو الذي ارتبط لدى العرب بالقوة والجبروت، وأطلقوه اسمًا لأبنائهم وهو لقب بعض العائلات العربية أيضًا. صاحب هذه المكانة المرموقة كان وراء مغامرة بعض الشباب التونسي بحياته، وهي المغامرة التي أدت بهم إلى الإيقاف وكان يمكن أن تودي بحياتهم كليًا؟ فما القصة؟

تباع  الصقور المهربة من تونس إلى تونسيين أو أجانب ويقبل عليها أهل الخليج العربي بشكل خاص ويقدمون في المقابل مبالغ عالية

تعود القصة إلى أيام قليلة ماضية في منطقة الهوارية، وهي تقع في محافظة نابل في الشمال الشرقي التونسي، أطلق عليها قديمًا اسم "أكيلاريا" أو بلاد الصقور وهي تحتضن سنويًا مهرجانًا لصيد الساف، أحد أنواع الصقور. في الهوارية، ألقي القبض على شباب تونسيين بنية المتاجرة بطيور جارحة محمية وطنيًا وعالميًا. والحادثة ليست عابرة أو محدودة فقد تكررت في مناسبات عدة مهددة بذلك إرثًا تونسيًا من الصقور وخاصة من نوع الشاهين.

اقرأ/ي أيضًا: نساء التهريب المعيشي في المغرب.. "الإذلال" كمهنة

"عملية الحصول على هذه الصقور ليست بالأمر الهين فهي تستقر في منحدرات عالية ويعرض هؤلاء الشباب حياتهم لخطر حقيقي"، هذا ما أكده لـ"الترا صوت" الملازم أول في شرطة الهوارية سفيان بالحاج عمر والذي تابع العملية. لكن لماذا يعرض هؤلاء الشباب حياتهم للخطر؟ تبدو الإجابة بديهية لمعظم سكان المنطقة وخاصة المهتمين بمجال تربية الصقور وصيدها والاهتمام بها.  

يقول بلحاج عمر: "كانوا قد أمسكوا بـثلاثة صقور من نوع الشاهين بغية المتاجرة وبيعها لأجانب. هذه المرة قمنا بإلقاء القبض عليهم مرفقين بالطيور قبل إيصالها للحدود حيث كان سيكون من الصعب استرجاعها". وعن هؤلاء الشباب، يتحدث وليد العموري، مربي صقور من أبناء الهوارية، لـ"الترا صوت": "من يتم القبض عليهم هم عادة من الشباب صغار السن، الذين يعانون من البطالة لسنوات، تغريهم الملايين أو أحيانًا مئات الدينارات فيخاطرون بحياتهم في منحدرات عالية وخطيرة لتوفير هذه الصقور وخاصة نوع الشاهين وبيعها بطرق غير قانونية".

ويوضح العموري: "يتم بيع هذه الصقور المهربة إلى تونسيين أو أجانب ويقبل عليها أهل الخليج العربي بشكل خاص ويقدمون في المقابل مبالغ عالية قد تصل إلى ملايين الدينارات التونسية، وصقور الشاهين موجودة في عدة مناطق من العالم لكن النوع المتوفر في الهوارية له خصائص محبذة وهي خصائص الشاهين الذي يكبر على الساحل البحري ويمتاز بكبر حجمه وألوانه، مقارنة بأصناف أخرى تترعرع في بيئة صحراوية".

والشاهين، وهو يعرف أيضًا باسم الصقر الجوّال Peregrine Falcon، طائر جارح من فصيلة الصقريات. يميز المختصون ما بين 17 إلى 19 نوعًا منه، تختلف في مظهرها الخارجي وموطنها. وهو متوفر في عدة مناطق من العالم. وهي طيور تتزاوج لمدى الحياة وتعشش على النتوءات الطبيعية كالأجراف الصخريّة غالبًا.

رغم توفر صقور الشاهين في دول مختلفة إلا أن الكثيرين يقبلون على الصنف المتوفر في تونس نظرًا لكبر حجمه وألوانه المميزة

اقرأ/ي أيضًا: هوامش تونس.. جحيم التهريب ولا جنة الدولة

لكن هذه الصقور تعرضت لتهديد جسيم بسبب مبيدات الآفات والحشرات وبشكل خاص مادة الدي دي تي: DDT وذلك في الخمسينات والستينات من القرن العشرين، ما أدَّى إلى انحدار أعدادها بشكل خطير. ومنذ أن مُنع استخدام تلك المادة مع بداية سبعينات القرن العشرين مع اتخاذ إجراءات لحماية مناطق "تعشيش" هذه النوعية من الصقور عادت للتكاثر من جديد. ويعتبر تهريبها من مناطقها أحد أهم المخاطر التي تهددها خلال العشرية الأخيرة.

في هذا السياق، يقول العموري، مربي الصقور وأحد أبرز المهتمين بها في جهة الهوارية، خلال حديثه لـ"الترا صوت": "يؤدي تهريب الصقور على اختلافها وخاصة صنف الشاهين إلى تدهور ثروتنا الطبيعية من هذه الطيور، وإن تواصل هذا التهريب فإنها ستتحول إلى أصناف مهددة بالانقراض، كما من شأنه أن يمس من الاتفاقيات التي صادقت عليها تونس والتي تحمي هذه الأصناف من الصقور".

ومن هذه الاتفاقيات معاهدة التجارة العالمية لأصناف الحيوان والنبات البري المهدد بالانقراض أو سايتس (CITES) وهي تعرف أيضاً بـ"اتفاقية واشنطن"، حيث تم توقيعها في واشنطن في 3 آذار/ مارس 1973، وبدأ العمل بها العام 1975، وهي تعتبر من أهم المعاهدات الدولية الخاصة بالحفاظ على الأنواع البرية من خطر الانقراض، إضافة إلى عديد الاتفاقيات الأخرى لحماية الحيوانات المهاجرة.

ينشط التجار حتى عبر مواقع التواصل الاجتماعي حيث ينشرون إعلانات لبيع الصقور في تونس في صفحات أو مجموعات للبيع والشراء والتسويق على السوشيال ميديا. ويضيف العموري لـ"الترا صوت": "يستغل البعض فترة صيد الساف من 1 آذار/ مارس إلى 30 نيسان/ أبريل لاصطياد طيور أخرى بطرق غير قانونية ومنها صقر الشاهين وتنشط إثر ذلك شبكات تهريب الصقور".

ولا تتوقف ظاهرة تهريب الصقور على منطقة الهوارية أو تونس بل انتشرت في مصر وروسيا ودول مغاربية وعدة دول أخرى، أما الوجهة فهي في غالب الأحيان الخليج العربي وخلال عملية التهريب تتبع طرق مختلفة منها تخدير الطيور وتغطية الرؤوس أو خياطة العيون. ويسمع التونسيون بين الفينة والأخرى عن إلقاء القبض على "بعض المهربين الصغار" من قبل السلطات الأمنية لكن تغيب الأرقام المحددة لحجم تهريب الصقور في تونس ومدى تأثيره على هذه الثروة الحيوانية.

عروض بيع صقر الشاهين على مواقع التواصل الاجتماعي

عروض بيع صقر الشاهين على مواقع التواصل الاجتماعي

عروض بيع صقر الشاهين على مواقع التواصل الاجتماعي

 

اقرأ/ي أيضًا:

الصيد لدى الجزائريين.. هواية وولع وهوس

موسم الصيد العشوائي في لبنان.. أين القانون؟