22-يونيو-2020

رواج تجارة الأدوية المخدرة وتهريبها خارج تونس

 

أصدرت الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بباجة مؤخرًا حكمًا بالسجن لمدة خمس سنوات وبخطية مالية قيمتها خمسة آلاف دينار، على كلّ من عميد بالحرس الوطني وصيدلي من أجل بيع أدوية مخدرة لأغراض غير طبية ومسك مواد سُمّية بنية الاتجار فيها بخلاف التراتيب الجاري بها العمل. ووفق أطوار القضية، فإنّ عميدًا بالحرس الوطني يهرّب الأدوية المخدّرة إلى الجزائر التي تُستعمل بعد خلطها بمواد أخرى كمادة مخدرة، ليُفتح تحقيق بمراقبة الصيدلي والعميد ومداهمة الصيدلية، ليتمّ حجز الأدوية ومبالغ مالية تقدر بحوالي 350 ألف دينار خلال ديسمبر/كانون الأول 2019.

 اُعلن أكثر من مرّة عن الكشف عن شبكة مختصة في تهريب الأدوية المخدّرة والتي يكون فيها غالبًا أحد الصيادلة أو الأطباء مورطًا 

ليست هذه القضية الأولى أو الأخيرة التي تكشف تجارة الأدوية المخدّرة من تونس وتهريبها إلى الجزائر أو ليبيا. إذ كثيرًا ما تعلن أجهزة الديوانة أو الحرس الوطني عن إحباط عمليات تهريب أدوية، أغلبها مخدّرة، من تونس نحو البلدين الجارين. كما اُعلن أكثر من مرّة عن الكشف عن شبكة مختصة في تهريب الأدوية المخدّرة والتي يكون فيها غالبًا أحد الصيادلة أو الأطباء مورطًا في عملية توفير هذه الكميات من الأدوية بطرق غير قانونية.

وتطرح هذه الظاهرة تساؤلًا عن رواج الأدوية المخدرة والحال أنّها لا تُباع دون وصفة طبية، وعن قدرة صيادلة على توفير كميات كبيرة من الأدوية قصد تهريبها، مما يعني غياب الرقابة خصوصًا على الأدوية المخدرة التي باتت تجارة مربحة.

اقرأ/ي أيضًا: إدمان الحقن.. أخطر أنواع إدمان المخدرات

شبكات متعددة لتهريب الأدوية المخدّرة

تمكنت فرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني وفرقة الإرشاد الحدودي بغار الدماء في فيفري/شباط 2020 من الكشف عن شبكة مختصة في تهريب الأدوية المخدرة والقبض على 3 من عناصرها من بينهم شخص يحمل جنسية دولة مجاورة وحجز حوالي 7868 قرصًا مخدّرًا و11 وصفة طبية لأدوية مخدرة وسيارة معدة للكراء.

كما تمكّنت وحدات الحرس الديواني في سوسة في ديسمبر/كانون الأول 2019 من ضبط أشخاص حاملين للجنسية الجزائرية بصدد استلام كمية من الأدوية المخدّرة، 5 آلاف حبّة، مقابل مبالغ مالية بأحد المناطق الولاية.

 

بلاغ مصالح الحرس الديواني بتوزر تحجز 6664 حبة دواء مخدر. تمكن أعوان فرقة الحرس الديواني بتوزر مساء أمس السبت 14...

Publiée par Douane Tunisienne sur Dimanche 15 décembre 2019

 

وفي نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام، تمكنت دورية مشتركة بين وحدات الحرس والجيش الوطنيين بمنطقة بوحلاب من معتمدية ذهيبة من ولاية تطاوين من إلقاء القبض على 3 شبان من متساكني الجهة وبحوزتهم حقائب تحتوي على كمية كبيرة من الأقراص المخدرات. وتبيّن أن مصدرها هي بعض الصيدليات المنتصبة بالجهة قصد تهريبها إلى ليبيا، لتكشف أطوار القضية عن تورط 4 صيادلة.

وتقوم الجهات الأمنية التونسية والجمارك الجزائرية في العديد من المناسبات بإتلاف كميات كبيرة من الأدوية المحجوزة التي تضبط أثناء محاولات تهريبها إلى الجزائر. وتؤكد الأجهزة الأمنية أنّ الكميات التي يجري حجزها وإتلافها لا تمثل سوى نسبة ضئيلة من كميات الأدوية المهربة التي تدخل السوق الجزائرية يوميًا عبر تونس.

 

بلاغ تمكنت فرقة تفتيش المسافرين بالمكتب الحدودي للديوانة ببوشبكة ليلة أمس السبت 01 فيفري 2020 من إحباط محاولة تهريب...

Publiée par Douane Tunisienne sur Samedi 1 février 2020

 

لكن المتابع للكميات من الأدوية المخدرة التي تعلن الأجهزة الأمنية عن ضبطها سواء ديوانة أو حرس ومنع تهريبها تعتبر كميات كبيرة جدًا. وتطرح تساؤلات عدّة عن كيفية توزيع هذه الأدوية وعن كيفية وصولها إلى المهربين والحال أنّها تمنح للمرضى بوصفة طبية ولا يمكن لأي شخص الحصول عليها من الصيدليات.

عدا ذلك، يساهم غياب منظومة لمراقبة توزيع الأدوية بشكل كبير في انتشار هذه  الأدوية في المسالك غير القانونية نظرًا لأنّها باتت تجارة مربحة مثل بيع المخدرات أو "الزطلة".

محمد (صيدلي): غياب الرقابة على الصيادلة

يشير محمد وهو صيدلي لـ"ألترا تونس" إلى أنّ كلّ أنواع الأدوية المخدرة لا تباع في الصيدليات دون وصفة طبية وبكمية محدودة جدًا. كما يحرص الصيدلي على ختم ورقة الحصول على دواء حتى لا يحاول المريض استعمال نفس الوصفة لشراء كميات من ذات الدواء من صيدليات أخرى.

اقرأ/ي أيضًا: رحلة "النحاس" في تونس.. من التهريب إلى التصدير

ولم يُخف محدّثنا تورط بعض الصيادلة وحتى الأطباء في شبكات تهريب هذه الأنواع من الأدوية لا سيّما مهدّأ الأعصاب "البريجابالين" نظرًا لانخفاض ثمنه وتوفره بكميات كبيرة في تونس، وذلك مع غياب الرقابة على الصيادلة حول التصرف في هذه الأدوية المخدرة بما يساهم بشكل كبير في تجارتها.

فتحي ناصف (رئيس اللجنة الطبية بمستشفى الرازي): سرقات في المستشفيات والمستوصفات

من جهته، أشار فتحي ناصف، الأخصائي في الطب النفسي ورئيس اللجنة الطبية بمستشفى الرازي، لـ"ألترا تونس" إلى استعمال بعض الأشخاص غير المرضى ممن يبحثون على نوع من النشوة لبعض الأدوية المؤثرة عقليًا باستعمالها كمخدرات. وفي حال الإدمان عليها، يبيّن أنّ العلاج من تأثيراتها يقع في مراكز علاج الإدمان المخصصة لمعالجة إدمان جميع أنواع المخدرات.

وفيما يتعلّق بوجود أنواع من الأدوية المخدرة في المسالك غير القانونية، أشار محدّثنا إلى وجود سرقات في المستشفيات والمستوصفات موضحًا أن هذه الأدوية تُستعمل كمخدرات وهي في الواقع مخصصة لمعالجة بعض العوارض الجانبية للأدوية النفسية الأخرى. وأضاف أن "الأدوية المُستعملة للحصول على النشوة هي غالبًا لا تعالج لكن تُصلح عوارض جانبية لأدوية أخرى. فيما قد يحصل بعض المرضى على وصفات لشراء بعض أنواع الأدوية لكن يقومون ببيعها لاحقًا".

فتحي ناصف (رئيس اللجنة الطبية بمستشفى الرازي): قد يحصل بعض المرضى على وصفات لشراء بعض أنواع الأدوية لكن يقومون ببيعها لاحقًا

كما أشار إلى أنّه لا تستطيع كلّ الصيدليات المتاجرة في هذه الأدوية لأنّها تحتكم على كراس لتسجيل جميع أنواع الأدوية التي تم تخزينها وبيعها مع تسجيل الوصفات الطبية لتمدها إلى مراقبي وزارة الصحة. وأوضح أن التجاوز يحصل في علبة واحدة مثلًا لكن ليس في كميات كبيرة، وفق تأكيده.

وقال ناصف إنه من الوارد أيضًا إخراج كمية كبيرة من الأدوية في حال التعاقد مع مصحة خاصة يتم تزويدها بكمية كبيرة. وشدّد أن كل صيدلي مطالب بتوفير تفاصيل دقيقة حول بيع بعض الأدوية لا سيما المخدرة، ملاحظًا أنه "لا يمكن للصيادلة ارتكاب تجاوزات في بيع هذه الأدوية، وحتى وإن وجدت فهي بنسبة قليلة وليست بالأمر المنتشر كثيرًا في ظلّ وجود الرقابة بدليل الكشف عن أغلب عمليات سرقة الأدوية أو تهريبها".

ضريبة غياب منظومة مراقبة

سرقة الأدوية ليست حكرًا على المهربين وتجارها في السوق السوداء، إذ كثيرًا ما تُكشف عمليات سرقة في المستشفيات والمستوصفات. وتحدثت عدة هيئات رقابية عن غياب منظومة لمراقبة الأدوية وضبط كمياتها وعملية توزيعها وبيعها.

وأشارت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في أكثر من تقرير إلى ضرورة وضع منظومة مراقبة تعنى بعمليات الشراء والبيع التي تقوم بها الصيدلية المركزية وإعلام هياكل الرقابة للدولة بهذه العمليات بما في ذلك أسماء الشركات والمواد وكمياتها وأسعارها وموانئ التوريد والتصدير.

كما أوصت الهيئة بضرورة إجراء جرد لكافة عمليات البيع على الرصيف ولقيمتها وللشركات المتمتعة بهذا الإجراء الاستثنائي منذ سنة 2011 حتى يتنسى معرفة حجم عمليات التوريد غير المرخص فيها قانونيًا مع تحديد حالات العود. ودعت إلى ضرورة إجراء كلّ الشراءات العمومية للأدوية والمستلزمات الطبية عبر منصة "TUNEPS" بما في ذلك الصفقات ذات الإجراءات المبسطة.

من جهتها، دعت دائرة المحاسبات، في تقاريرها، إلى ضرورة إرساء منظومة إلكترونية تنظّم عملية التصرّف في مخزون الأدوية وعمليّة توزيعه سواء في المستشفيات أو الصيدليات. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

تهريب الصقور.. تجارة سرية تهدد ثروات تونس

الخطر الزاحف.. تهريب شتلات زيتون وفسائل نخيل إلى تونس